33 فلسطينياً يبرحون أرض الآباء والأجداد قسراً
بعد أزمنة مديدة ذاقوا خلالها ويلات عدة، برح نحو 400 فلسطيني ديار الآباء والأجداد رغماً عنهم، إذ حمل بعيرهم أمتعتهم وبقايا خيامهم، ليودّعوا أراضيهم الزراعية إلى أجل غير مسمى، فتسوقهم ماشيتهم إلى أرض غير التي سئموا العيش فيها نتيجة بطش استيطاني يقض مضاجعهم طوال الليل والنهار.
مشاهد التهجير القسري، شهدتها قرية عين سامية الواقعة إلى الشرق من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة في الأيام الأخيرة من مايو الماضي، بعد أن وجد سكانها أنفسهم في مهب ريح بؤر استيطانية عاتية بخيامهم وحظائر أغنامهم، وعجزهم عن مواجهة ترسانة الجيش الإسرائيلي التي نغّصت حياتهم.
وكما حدث في نكبة تهجير الشعب الفلسطيني عام 1948، حيث سقطت القرى تلو الأخرى في أيدي الاحتلال بعد أن رحل سكانها عنها قسراً، غادر سكان تجمع «رأس التين» البدوي قبل عدة أشهر من هجرة أهالي جارتها «عين سامية» من أرضهم دون رجعة.
وما هي إلا أسابيع قليلة حتى نزح أهالي تجمع البقعة البدوي تباعاً من أرضهم الأصلية المحاذية لـ«عين سامية» و«رأس التين»، بعد أن مزقت أوصال مساكنهم المستوطنات، وحاصرتهم من كل الجهات.
سياسة الاستيلاء
مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، كشف في الـ11 من يوليو الجاري، أنه تم يوم 10 من يوليو تهجير قسري لقرية البقعة للرعاة التي تعد تجمعاً بدوياً يقع شرق رام الله، يقطنه 33 فلسطينياً من بينهم 21 قاصراً.
ويقول المركز الحقوقي «إنه خلال أقل من عام واحد رحل سكان ثلاثة تجمعات فلسطينية من أراضيهم، نتيجة السياسة الإسرائيلية التي تخلق واقعاً معيشياً قاسياً وغير محتمل، لا يُبقي أمام سكان التجمعات أي خيار آخر سوى الرحيل، فيما تعاني هذه السياسةَ أيضاً تجمعاتٌ فلسطينية أخرى لا تزال قائمة في هذه المنطقة».
ويسترسل بتسليم: «إن إسرائيل تستخدم وسائل أكثر رسمية مثل بناء مستوطنات، وفرض تقييدات مشددة جداً على البناء، ومنع بناء بنى تحتية، وكذلك تنفيذ عمليات الهدم، إلى جانب وسائل أقل رسمية كعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، وترمي جميعها إلى تحقيق هدف واحد هو الاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية بغية وضعها تحت تصرف إسرائيل».
وتابع أن التهجير القسري يعد جريمة حرب، حتى لو لم يتم تنفيذه بواسطة شاحنات تقوم الدولة بتحميل السكان عليها، وإنما بواسطة تطبيق سياسة عينية تخلق منظومة من الضغوط على السكان وترغمهم على مغادرة أراضيهم ومنازلهم.
اعتداءات قاسية
سكان تجمع البقعة البدوي أجبروا على التهجير القسري، بعد معاناة مضاعفة تعرضوا لها خلال الأسابيع الأخيرة من اعتداءات المستوطنين اليومية، التي كان مصدرها إحدى البؤر الاستيطانية السبع، وهي البؤرة التي أقيمت في أعقاب أعمال عنف المستوطنين في الـ22 من يونيو الماضي قرب مضارب عرب الكعابنة في تجمع البقعة، بحسب المشرف العام لمنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، حسن مليحات.
ويوضح مليحات لـ«الإمارات اليوم» أن إقامة هذه البؤرة الاستيطانية على أرض تجمع سكاني، يأتي في سياق الحرب الديموغرافية التي تشنها حكومة الاحتلال ضد الفلسطينيين، وضمن سياستها للسيطرة على مزيد من الأراضي لأغراض استيطانية.
ويقول المشرف العام لمنظمة البيدر: «إن إقامة هذه البؤرة في منطقة تقع ضمن النطاق الجغرافي بين مدينتي رام الله والقدس الشريف، يوضح سياسات الاحتلال التي تستهدف إقامة مشروع القدس الكبرى، وترحيل التجمعات البدوية التي تحيط بالقدس من جهة الشرق، ما يثير مخاوف تلك التجمعات من خطر اقتلاعها عبر ممارسة التطهير العرقي بحقهم».
رحيل أبدي
ومن بين أشد أعمال العنف التي تعرض لها أهالي تجمع البقعة البدوي، ما شهده يوم السابع من يوليو الجاري، حيث أحرق المستوطنون منزل عائلة سلمان مليحات التي غادرته قبل تلك الحادث، بسبب تخوفها من أعمال عنف المستوطنين المتزايدة.
وتعقيباً على ذلك يقول المواطن مليحات: «إنه لم يكن أمامنا سوى حزم أمتعتنا والنزوح، ولم يكن سهلاً رحيلنا عن المكان الذي ولدنا وترعرعنا فوق أرضه، ولم تطأ أقدامنا غيره منذ المهد».
وشملت عملية التهجير القسري في تجمع البقعة البدوي، بحسب مليحات، تفكيك الأهالي لمباني السكن المكونة من الحديد والأخشاب، وتلك المبنية من الإسمنت والمسقوفة بألواح الصفيح (الزينكو)، وكذلك حظائر الماشية، ليرحلوا عن أرضهم خشية على حياة أطفالهم بعد عجزهم عن توفير الحماية لعائلاتهم وأطفالهم، أمام استمرار دوامة العنف الإسرائيلية التي ينفذها مستوطنو البؤر الاستيطانية الجديدة.
• مشاهد التهجير القسري شهدتها قرية عين سامية الواقعة إلى الشرق من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة في الأيام الأخيرة من مايو الماضي، بعد أن وجد سكانها أنفسهم في مهب ريح بؤر استيطانية عاتية.
• من بين أشد أعمال العنف التي تعرض لها أهالي تجمع البقعة البدوي، ما شهده يوم الجمعة السابع من يوليو الجاري، حيث أحرق المستوطنون منزل عائلة سلمان مليحات التي غادرته قبل الحادث، بسبب تخوفها من أعمال عنف المستوطنين المتزايدة.