المضاربة في أسواق المال أحدثت أزمة أسعار لا إمداد
الحرب في أوكرانيا ليست السبب في أزمة نقص الغذاء في العالم
فيجاي براشاد
يوم الاثنين الـ17 من يوليو الجاري، أعلن المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، أن اتفاقات البحر الأسود لم تعد سارية بعد الآن، وكان هذا بياناً مفاجئاً للإعلان عن وقف المبادرة التي دخلت حيز التنفيذ في الـ22 من يوليو عام 2022، بعد أن وقّع عليها المسؤولون الأوكرانيون والروس في إسطنبول بوجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ووصف غوتيريش المبادرة آنذاك بأنها «شعلة أمل» لسببين: الأول لأن التوصل إلى اتفاق من هذا النوع بين المشاركين في هذه الحرب الدائرة، أمر مهم، والثاني لأن روسيا وأوكرانيا منتجان رئيسان للقمع والشعير، وبذور اللفت وزيت اللفت، وبذور عباد الشمس وزيت عباد الشمس، إضافة إلى سماد النتروجين والفوسفات والفسفور.
وسيكون لتعطل إمدادات روسيا وأوكرانيا الذي شعرت به المنظمات الدولية، نتائج كارثية على أسواق المواد الغذائية في العالم، وعلى مستوى الجوع في كوكبنا. وبالنظر إلى تزايد عقوبات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة على روسيا، يتناقص احتمال استئناف مبادرة البحر الأسود.
وتوقفت هذه المبادرة مرات عدة، وفي مارس الماضي ردت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على العقوبات ضد الزراعة في روسيا، بالقول، إن المعايير المنصوص عليها في اتفاقية الحبوب «لا تعمل».
زيادة نفوذ المؤسسات المالية يؤدي إلى الجوع
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن «بلاده تأسف لأن روسيا تواصل تسليح المواد الغذائية، ولهذا فإنها تضر الملايين من الفقراء حول العالم»، وبالفعل فإن وقف مبادرة إمدادات المواد الغذائية الروسية ينطوي على أضرار كبيرة.
ويظهر تقرير للأمم المتحدة يحمل عنوان «حالة الأمن الغذائي والوضع الغذائي في عام 2023»، أن 10% من سكان العالم يكافحون للتخلص من الجوع، وأن 3.1 مليارات شخص لا يستطيعون الحصول على طعام صحي. ولكن التقرير ذاته، يطرح نقطة مهمة مفادها أن الحرب في أوكرانيا دفعت نحو 23 مليون شخص نحو الجوع، وهو رقم بسيط، مقارنة بالدوافع الأخرى التي تؤدي إلى الجوع، مثل تأثير أسواق المواد الغذائية وجائحة كورونا.
وأظهر تقرير لحركة التنمية الدولية بعنوان «الأسواق المنهارة: كيف يمكن لقوانين الأسواق المالية أن تساعد على منع أزمة غذاء عالمية أخرى»، أن المضاربين الماليين يسيطرون الآن على أسواق الغذاء، ويملكون نحو 60% من بعض الأسواق، مقارنة بـ12% منها قبل 15 عاماً، ولكن الوضع ساء منذ ذلك الوقت.
وأشارت الدكتورة صوفي فان هويلين التي درست المضاربة المالية في أسواق المواد الغذائية، إلى أنه في نهاية عام 2022 على الرغم من وجود نقص في المواد الغذائية، فإن أزمة الغذاء الحالية هي أزمة أسعار وليست أزمة إمداد.
وبالفعل فإن إنهاء مبادرة نقل الحبوب عبر البحر الأسود، مسألة تدعو للأسف، ولكنها ليست السبب وراء الجوع في العالم، ولكن السبب الرئيس - وهو ما تتفق عليه اللجنة الأوروبية الاقتصادية والاجتماعية - هو المضاربة المالية في أسواق المواد الغذائية.
لماذا توقف روسيا المبادرة؟
أنشأت الأمم المتحدة مركز التنسيق المشترك في إسطنبول، بهدف مراقبة مبادرة نقل الحبوب عبر البحر الأسود. ويعمل بها موظفون من روسيا وتركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة. وتعين على مركز التنسيق التعامل في مناسبات عدة، مع التوترات المتعلقة بالشحن بين روسيا وأوكرانيا، كالذي حدث عندما هاجمت أوكرانيا أسطول روسيا في البحر الأسود الذي تحمل بعض سفنه الحبوب من ميناء سيفاستوبول من شبه جزيرة القرم في أكتوبر 2022.
وظل التوتر يخيم على المبادرة بالنظر إلى تشديد الدول الغربية العقوبات على روسيا، الأمر الذي جعل من الصعب بالنسبة لروسيا، تصدير منتجاتها الزراعية إلى الأسواق العالمية. ووضعت روسيا متطلبات على الطاولة للأمم المتحدة في ما يتعلق بنظامها الزراعي.
أولاً: طلبت موسكو أن تتم إعادة ربط بنك روسيا الزراعي بنظام سويفت للتحويلات المالية الذي تم إبعاده منه نتيجة حزم العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي في يونيو 2022. وقال أحد الصرافين الأتراك لوكالة تاس الروسية، إن ثمة احتمالاً أن يصدر الاتحاد الأوروبي ترخيصاً عاماً لبنك الزراعة الروسي، وإن البنك لديه فرصة في استخدام شركة «جي بي مورغان» لتنفيذ التحويلات بالدولار الأميركي، طالما أن المصدّرين الذين يدفع لهم المال كانوا جزءاً من مبادرة إمدادات الحبوب عبر البحر الأسود.
أما المطلب الثاني فمنذ النقاشات الأولى المتعلقة بمبادرة بيع الحبوب عبر البحر الأسود، طرحت موسكو صادراتها من سماد الأمونيوم عبر ميناء أوديسا، والإمدادات الموجودة في لاتفيا وهولندا. وكان جزء مهم من التفاوض يتعلق بإعادة فتح أنابيب توغلياتي - أوديسا، وهي أطول أنابيب أمونيوم في العالم. وفي يوليو 2022، وقعت الأمم المتحدة وروسيا اتفاقاً من شأنه تسهيل بيع الأمونيا الروسية للأسواق العالمية.
وخاطب غوتيريش مجلس الأمن الدولي قائلاً: «إننا نقوم بكل ما هو ممكن لتخفيف تدهور سوق السماد الذي يؤثر في الزراعة في غرب إفريقيا وأماكن أخرى. وإذا لم يستقر سوق السماد العام، ستحدث العام المقبل، أزمة إمدادات في المواد الغذائية، ويمكننا القول ببساطة ستنفد المواد الغذائية في العالم كله».
وبعدما قامت القوات الأوكرانية بتفجير قسم من أنابيب «توغلياتي - أوديسا» في خاركيف، زاد ذلك من التوتر بشأن النزاع الجاري. وبخلاف موانئ البحر الأسود، لاتملك روسيا طرقاً آمنة أخرى لتصدير سماد الأمونيوم.
ويواجه القطاع الزراعي الروسي تحديات نتيجة نقص القدرة على استيراد الآلات وقطع الغيار، كما أن السفن الروسية غير قادرة على شراء التأمين ودخول العديد من الموانئ الأجنبية. وعلى الرغم من الاقتطاعات في العقوبات الغربية من أجل الزراعة، فإن العقوبات على الشركات والأفراد أدت إلى إضعاف القطاع الزراعي الروسي.
ولمواجهة العقوبات الغربية، وضعت روسيا قيوداً على تصدير السماد والمنتجات الزراعية. وتتضمن هذه القيود حظر تصدير بضائع محددة (مثل الحظر المؤقت لتصدير القمح إلى دول اتحاد أوراسيا الاقتصادي)، وتأتي هذه الخطوات إلى جانب البيع المباشر والاستراتيجي لدول مثل الهند التي تصدّر إلى دول أخرى.
وفي إطار حاجة إفريقيا للصادرات الروسية، اتصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، بنظيره الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا كي يبلغه بشأن المشكلات التي واجهتها روسيا خلال تصدير موادها الغذائية وسمادها إلى القارة الإفريقية. وقال عن مبادرة الحبوب في البحر الأسود: «الهدف الأساسي لهذه المبادرة هو تصدير إمدادات الحبوب للدول المحتاجة، بما فيها تلك الموجودة في القارة الإفريقية ولكنها لم تنفذ».
وعلى الأرجح، فإن مبادرة الحبوب عبر البحر الأسود قد تستأنف في غضون شهر. ولم يستمر التوقف السابق للمبادرة لأكثر من بضعة أسابيع، ولكن هذه المرة من غير الواضح ما إذا كان الغرب سيمنح روسيا أي تخفيف لقدرتها على تصدير منتجاتها الزراعية.
وبالتأكيد فإن استمرار توقف المبادرة سيؤثر في ملايين الأشخاص حول العالم الذين يعانون خطر الجوع، إلا أن مليارات آخرين يعانون الجوع نتيجة المضاربات المالية في أسواق المواد الغذائية لن يتأثروا بصورة مباشرة بهذه التطورات.
• إنهاء مبادرة نقل الحبوب عبر البحر الأسود، مسألة تدعو للأسف، لكنها ليست السبب المسؤول عن الجوع في العالم، ولكن السبب الرئيس - وهو ما تتفق عليه اللجنة الأوروبية الاقتصادية والاجتماعية - هو المضاربة المالية في أسواق المواد الغذائية.
مؤرخ وصحافي هندي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news