على الرغم من التحديات الكبيرة الماثلة

قمة كامب ديفيد بين اليابان وكوريا الجنوبية.. أكبر منجزات بايدن

صورة

ماكس بوت* سو مي تيري*

من الصعب المبالغة في أهمية قمة يوم الجمعة الماضي في كامب ديفيد بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، ورئيس الحكومة اليابانية فوميو كيشيدا، فهي تمثل خطوة كبيرة باتجاه ترسيخ تحالف ثلاثي جديد، من شأنه أن يساعد الدول الثلاث على التعامل مع التحديات في المنطقة، خصوصاً مع وجود الحرب في أوكرانيا.

ولم يكن بالإمكان التفكير في مثل هذه القمة قبل نحو عامين. ويجب أن يُنسب الفضل الأكبر في هذه القمة لرئيس كوريا الجنوبية الشجاع، ورئيس الحكومة اليابانية الواقعي، لقدرتهما على تجاوز المظالم التاريخية بينهما، ولكن إدارة بايدن تستحق أيضاً إشادة كبيرة، لكونها ساعدت في حدوث هذا التقارب.

وقال المستشار الألماني السابق أوتو فون بسمارك: «السياسة هي فن الممكن، والموقف هو فن الخطوة التالية»، وينطبق الأمر ذاته على السياسة الخارجية، وبات لدى بايدن الذي يمتلك عقوداً عدة من الخبرة في السياسة الداخلية والخارجية، إحساساً أكيداً بما يمكن إنجازه واقعياً، مقارنة بما فعله سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب الذي دخل مكتبه الحكومي الأول عندما تم انتخابه رئيساً عام 2016.

وحقق ترامب إنجازاً دبلوماسياً كبيراً هو الاتفاق الإبراهيمي الذي أدى إلى تطبيع ثلاث دول عربية مع إسرائيل، ولكن براعته في تفكيك الهيكليات الدولية (انسحب من اتفاقية إيران النووية، ومن اتفاق باريس للمناخ) كانت أكبر من إمكانية إنشاء اتفاقيات جديدة. وكانت أكثر انتصاراته الدبلوماسية جرأة، هي مشاركته في قمة مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون التي فشلت في تحقيق هدفها غير الواقعي المتمثل في نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية.

آراء حول المحيط الهادئ

تعد القمة مع يول وكيشيدا إنجازاً كبيراً آخر، بالنظر إلى مدى صعوبة جمع زعيمي البلدين في غرفة واحدة في السابق. وجاء ذلك تتويجاً لعملية بدأها بايدن مع دخوله إلى البيت الأبيض، وقادها وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، ومنسق العلاقات مع دول المحيطين الهندي والهادئ لمجلس الأمن القومي، كورت كامبل.

وظهر هذا الاختراق الذي جعل مثل هذا اللقاء ممكناً في مارس، عندما اتخذ يول - بتشجيع ودعم من إدارة بايدن - قراراً شجاعاً لتعويض ضحايا الحرب مع اليابان الذين أجبروا على العمل، دون المطالبة بإسهامات أو اعتذار من اليابان. وأدى ذلك إلى إزالة الضرر الذي سببه قرار المحكمة الكورية عام 2018 الذي أمر شركتين يابانيتين كبيرتين بدفع تعويضات لضحايا العمل القسري إبان الحرب، على الرغم من أن الأمر من وجهة نظر طوكيو، تمت تسويته منذ عقود. وكان رد اليابان على ذلك غاضباً، وقامت بفرض قيود على صادرات التقنيات المتطورة إلى كوريا الجنوبية، فردت كوريا الجنوبية بالانسحاب من اتفاق استخباراتي مشترك بين الطرفين، وفرضت قيوداً على صادراتها إلى اليابان، وتدهورت العلاقات بين الطرفين إلى حد كبير.

ولكن العلاقات بدأت في التحسن إثر قرار يول تعويض العمال القسريين، ومن ثم زار طوكيو والتقى مع كيشيدا في أول زيارة رسمية بين الدولتين منذ عام 2011، وبادله كيشيدا بزيارة إلى سيؤول، وألغت الدولتان القيود المفروضة على التجارة بينهما.

آراء حول السياسة الخارجية

والآن يمكن لاجتماع كامب ديفيد أن يأخذ التحالف الثلاثي الناشئ إلى «مستوى جديد»، في الوقت الذي تعهد فيه القادة الثلاثة في مايو الماضي في قمة مجموعة الدول السبع في هيروشيما. وأدى الجو غير الرسمي في منتجع كامب ديفيد الرئاسي إلى تعميق العلاقات بين القادة الثلاثة.

وكانت الأولوية بالنسبة للقادة الثلاثة هي توسيع مدى التمرينات العسكرية، والمشاركة في المجال الاستخباراتي في ما يتعلق بإطلاق الصواريخ التي تقوم كوريا الشمالية بإطلاقها، وفي الوقت ذاته توضيح أن أمن دولهم المشترك بات مرتبطاً على نحو وثيق. ويجب أن يكون الهدف النهائي البعيد المدى، ربط أنظمة الصواريخ اليابانية والكورية الجنوبية بصورة مباشرة بدلاً من استخدام الولايات المتحدة كوسيط، ومن المهم بالنسبة لكلتا الدولتين، توسيع التعاون في مجال التهديدات السيبرانية القادمة من كوريا الشمالية.

وكان تعزيز الأمن الاقتصادي والعسكري مطروحاً على جدول أعمال القمة الثلاثية، وكانت اليابان وكوريا الجنوبية تشعران بالإجحاف، نتيجة أحكام قانون تخفيض التضخم الصادر عام 2022 الذي ينص على إعفاء ضريبي للسيارات الكهربائية المصنوعة فقط في أميركا الشمالية. وأدى انتعاش العلاقات التجارية بين سيؤول وطوكيو، إثر إلغاء قيود التصدير، إلى فسح المجال أمام تعاون أقوى بين الدول الثلاث في ما يتعلق بصناعة الرقائق الإلكترونية التي ستجعل الدول الثلاث أكثر مرونة في مواجهة تحديات هذه الصناعة.

ولكن التحديات الرئيسة تظل ماثلة، ويعاني يول وكيشيدا من معدل قبولهما في استطلاعات الرأي العام، ويواجه يول مقاومة من الحزب الديمقراطي المعارض لمحاولاته تحسين العلاقات مع اليابان. ووفق لاستطلاع للرأي أجرته شركة «غالوب» في مارس الماضي، قال 64% من سكان كوريا الجنوبية إنه يجب على دولتهم ألا تندفع في مصالحتها دون تغير في مواقف اليابان، وقال 8% من سكان كوريا الجنوبية إن الحكومة اليابانية نادمة على ماضيها الاستعماري.

قمة واحدة لا تكفي

وتظهر هذه الديناميكيات مدى أهمية اجتماع كامب ديفيد، إذ إن دعم الولايات المتحدة يمكن أن يقدم عطاء ليول وكيشيدا للمضي قدماً على طول طريق صداقتهما المحفوف بالمخاطر.

وبالطبع ثمة حدود لما يمكن أن تنجزه أكثر الدبلوماسيات براعة، إذ لا تنوي كوريا الجنوبية خسارة علاقتها مع الصين، فهي أكبر شريك تجاري لها، وينطبق الأمر ذاته على اليابان والولايات المتحدة أيضاً.

وفي الواقع فإن إصلاح العلاقات المتضررة بين كوريا الجنوبية واليابان، يتطلب أكثر من قمة واحدة، بغض النظر عن مدى نجاحها. ولهذا فإنه المهم للغاية أن يلتزم القادة الثلاثة بإجراء اللقاءات المنظمة، وإنشاء خط ثلاثي ساخن بينهما. ويأمل بايدن من خلال إضفاء طابع مؤسسي على العملية الثلاثية، أن يصبح من غير الممكن عودة العلاقات إلى سابق عهدها، على الرغم من التقلبات التي تميز السياسة الأميركية اليابانية والكورية الجنوبية.

وهذا هدف طموح سيُنظر إليه على أساس ما إذا كان بالإمكان تحقيقه أم لا، ولكن بايدن يستحق تقديراً كبيراً لأنه كرّس رأسمال دبلوماسي ثمين لنقل العلاقة الثلاثية إلى هذا المستوى المتقدم وبهذه السرعة.

• *كاتب في «واشنطن بوست»

• *محللة سابقة في المخابرات المركزية

 

تويتر