إسرائيل تشرد 180 فلسطينياً من عائلة واحدة
في قرية صرفند بالقرب من مدينة الرملة الواقعة وسط السهل الساحلي بالداخل الفلسطيني المحتل، بات التشرد مصير 180 فلسطينياً من عائلة أبولبدة، جلهم من النساء والأطفال.
حالة التشرد القاسية تلك ناتجة عن هدم قوات الاحتلال 20 منزلاً تمتلكها عائلة أبولبدة، والتي اقتحمت بيوتها في ساعات متأخرة من فجر يوم 22 أغسطس الماضي، لتطرد عائلاتهم من الصغار والنساء عنوة تحت قوة السلاح، فتتحول حجارة منازلهم الشاهدة على سنوات عمرهم إلى أكوام من الركام خلال لحظات قليلة.
وبعد أن حُرمت مأواها الوحيد، تواجه اليوم عائلة أبولبدة التي تقطن صرفند منذ زمن بعيد، الاقتلاع من أرضها والطرد من منازلها للمرة الثانية داخل قريتها الأصلية التي احتُلت خلال أحداث نكبة التهجير عام 1948.
مشاهد مروعة
انتقلت «الإمارات اليوم» إلى صرفند موطن العائلة المُهجرة، فمنذ اللحظة الأولى لدخول القرية تبدو مشاهد ركام المنازل واضحة جلية، والمتناثرة في أرجاء مختلفة على مرمى البصر. وبالقرب من موقع المنازل المدمرة في حي صرفند العمار بالقرية المحتلة نساء بالعشرات يفترشن الأرض بجوار أنقاض بيوتهن، فيما يجلس بأحضانهن وبجوارهن أطفالهن الذين سيطرت على ملامحهم مظاهر الحزن والخوف، أما شباب العائلة ورجالها فيتناوبون البحث عن بقايا أمتعتهم وأثاثهم بين ركام يمتد داخل مساحات شاسعة.
سامي أبولبدة، أحد أصحاب المنازل المدمرة، يصف مشاهد طردهم من منازلهم وهدمها أمام أعينهم بالمروعة للغاية، في محاكاة لعملية تهجيرهم الأولى قبل 75 عاماً. ويقول أبولبدة لـ«الإمارات اليوم»، في حوار خاص: «إن أطفال عائلتنا تجرعوا مرارة قاسية دون أي ذنب اقترفوه، إذ باتوا عرضة للتشرد على قارعة الطريق، ليفترشوا أرضاً لا سقف لها إلا السماء، بعد أن فقدوا ملاذ أحلامهم البريئة التي دفنت تحت أنقاض منازلنا بحوار ألعابهم وأمتعتهم».
ويسترسل: «إن عملية الهدم وما تبعها من تشريد ألقت بظلالها على صحة أطفالنا النفسية الذين كانوا يستعدون للعودة إلى المدارس مع بدء العام الدراسي الجديد في الأول من سبتمبر ، ولكن مشاهد فرحة الاستعدادات هذه ذهبت أدراج أنقاض بيوتنا، رفقة كتب الدراسة وأدواتها وملابس الأطفال المدرسية الجديدة».
نكبة جديدة
يسترجع أبولبدة اللحظات الأولى لعملية هدم منازل عائلته كاملة، فمع ساعات الفجر وبينما كان أفراد العائلة جميعاً في سبات عميق، اقتحم أكثر من 200 جندي من الشرطة الإسرائيلية ووحدات خاصة من جيش الاحتلال قرية صرفند، وحاصرت منازل سكانها كافة من جميع الجهات. ويقول أبولبدة بينما يقف بجوار ركام منازل عائلته المشردة: «إن القوات الإسرائيلية داهمت منازلنا لحظة اقتحام القرية، وأخرجت جميع أفراد عائلاتنا بقوة السلاح، لتعتقل الشبان من أفراد عائلتنا، فتكبلهم بالأصفاد، بينما احتجزت كبار السن والنساء والأطفال خارج منازلنا بعد الاعتداء عليهم».
ويواصل أبولبدة حديثه: «بعد أن طردتنا القوات الإسرائيلية المرافقة للجرافات والآليات العسكرية من منازلنا، ومنعتنا من استخراج أمتعتنا وأثاث منازلنا، واصطحاب مصاغ نسائنا وأموالنا، باشرت الجرافات الإسرائيلية بتنفيذ أوسع عملية هدم تشهدها صرفند منذ نكبة 48 أمام أعيننا جميعاً». ويضيف: «ما إن بدأت الجرافة الأولى بتسوية منازلنا الـ20 بالأرض، حتى أصبت بحالة ذهول شديدة، وكأن العمر توقف عند تلك اللحظة، فإرث عائلتنا الذي يعود عمره إلى ما قبل النكبة، وشقاء العمر أصبح أثراً بعد عين».
وعقب عملية الهدم هذه، لم تكتف قوات الاحتلال بكل ما اقترفته بحق منازل عائلة أبولبدة، لتقطع التيار الكهربائي عن الحي الذي يحتضن المنازل المدمرة، بل أعطبوا خط الكهرباء الرئيس المغذي لمنازل الحي حتى لا يتمكن السكان من صيانته.
منازل الآباء والأجداد
تقع المنازل المهدمة فوق مساحة يبلغ قدرها 10 دونمات، جميعها تمتلكها عائلة أبولبدة ملكية خاصة، بعد أن ورثتها عن الآباء والأجداد ما قبل عام 1948، فيما يزعم الاحتلال أن تلك البيوت تقع بالقرب من موقع عسكري بحاجة إلى توسعة، وأن إقامة منازل العائلة الفلسطينية غير قانوني. ويقول أبولبدة: «نسكن في قرية صرفند ونعيش داخل منازلنا المدمرة منذ أكثر من 80 عاماً، وفي أحد تلك البيوت سكن والدي في منزل عمره يفوق أكثر من 200 عام». ويشير إلى أن آليات الهدم الإسرائيلية نفذت عملية الهدم الواسعة بحق منازل عائلته، بحجة البناء غير المرخص، رغم أنها تمتلك وثائق ملكية خاصة.
ويمضي أبولبدة بالقول: «سلطات الاحتلال لم تتمكن من تهجيرنا سابقاً، ولن تتمكن من ذلك مستقبلاً، لأننا نملك مستندات ثبوتية تؤكد ملكيتنا لأرضنا وبيوتنا، لذلك فشلوا في اقتلاعنا من قبل، ولكن ما حصل هو التفاف على قرار محكمة الاحتلال، إذ نفذت القوات الإسرائيلية عملية الهدم قبل انتهاء المهلة التي منحتنا إياها المحكمة للاعتراض على قرار هدم جميع منازلنا».
• بعد أن حُرمت مأواها الوحيد، تواجه اليوم عائلة أبولبدة التي تقطن صرفند منذ زمن بعيد، الاقتلاع من أرضها والطرد من منازلها للمرة الثانية داخل قريتها الأصلية التي احتُلت خلال أحداث نكبة التهجير عام 1948.
• عقب عملية الهدم هذه لم تكتف قوات الاحتلال بكل ما اقترفته بحق منازل عائلة أبولبدة، لتقطع التيار الكهربائي عن الحي الذي يحتضن المنازل المدمرة، بل أعطبوا خط الكهرباء الرئيس المغذي لمنازل الحي حتى لا يتمكن السكان من صيانته.