إسهام «طالبان» الفعّال في مطاردة تنظيم «داعش» بخراسان يصب في مصلحة الحركة
عندما نفكر في الدراما التاريخية الكارثية، مثل هجوم تنظيم القاعدة على أميركا في عام 2001 من أفغانستان، فإننا نسعى إلى الحصول على «الإحساس بالنهاية»، على حد تعبير الناقد الأدبي البريطاني فرانك كيرمود. نريد استعراض النصر، معاهدة الفصل الأخير. ولكن في حال وجود كوادر تنظيم القاعدة في أفغانستان، يبدو الأمر وكأن الأشرار (أفراد تنظيم القاعدة) قد انزلقوا إلى مستوى غير ذي أهمية، حيث لم يُولِ الناس اهتماماً كبيراً للأفول الواضح لنجمهم. أما الجماعة الشريرة التي خلفت تنظيم «داعش»، وهي تنظيم «داعش» في خراسان، فهي في حالة فرار دائم، ويبدو أن القصة المأساوية قد انتهت، لكننا لم نلحظ النهاية.
وما يضفي على هذه اللعبة النهائية تطوراً غريباً، هو أن استسلام تنظيم القاعدة كان تحت إشراف حركة طالبان: الجماعة الإسلامية المسلحة التي قاتلتها الولايات المتحدة في أفغانستان في حرب غير مثمرة - إلى حد كبير - استمرت 20 عاماً. وبعد أن فازت طالبان بالسلطة في كابول، قامت بإيواء تنظيم القاعدة، لكنها قمعت أي عمليات أجنبية لهذا التنظيم، وهاجمت تنظيم «داعش» في خراسان باعتباره تهديداً مميتاً لحكمها.
لقد أعلن مجتمع الاستخبارات الأميركية عما يعتبره بمثابة نعي لتنظيم القاعدة في أفغانستان هذا الشهر. وقد زوّدني بتفاصيله أحد مسؤولي مجلس الأمن القومي. ولأنه تزامن مع ذكرى هجمات 11 سبتمبر 2001، فقد رأى بعض المراقبين أن إطلاق هذا الإعلان، له دوافع سياسية، ولم يحظ باهتمام عام كبير نسبياً، لكن الأمر يستحق الدراسة لأنه، إذا كان دقيقاً، فإنه يشير إلى لحظة نهاية في دراما أميركية مستهلكة.
وتقول مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب، كريستي أبي زيد، في بيان صدر في 11 سبتمبر، إن تنظيم القاعدة «وصل إلى أدنى مستوياته التاريخية في أفغانستان وباكستان، ومن غير المرجح أن يعود من جديد». واستشهدت بمعلومات استخباراتية رفعت عنها السرية، مفادها أن المجموعة «فقدت الوصول إلى الأهداف، والموهبة القيادية، وتماسك المجموعة، والتزام القواعد، والبيئة المحلية الملائمة». إن قدرتها على تهديد الولايات المتحدة من أفغانستان «في أدنى مستوياتها» منذ هجرة المجموعة إلى هناك عام 1998.
وتابع ملخص الاستخبارات أن تنظيم القاعدة «لم يبق لديه سوى عدد قليل من الأعضاء في أفغانستان». وحدد مسؤول استخباراتي كبير أن عدد أعضاء القاعدة الأساسيين في أفغانستان، الآن، أقل من عشرة. وشبّه مسؤول كبير آخر في الإدارة، هذه الحفنة من المتشددين الباقين على قيد الحياة بـ«دار رعاية لكبار السن في تنظيم القاعدة».
وذكر محللون آخرون أقل تفاؤلاً، أن تقريراً للأمم المتحدة قدّر هذا الربيع عدد الأعضاء الأساسيين في تنظيم القاعدة في أفغانستان بما يراوح بين 30 و60، وعدد المقاتلين في البلاد بنحو 400. وحذرت مجموعة تسمى التهديدات الحرجة في 11 سبتمبر، من أن «تنظيم القاعدة ينشط في أفغانستان، وقادر على إعادة بناء قدراته الهجومية العابرة للحدود الوطنية».
لكن المختصين في الاستخبارات الأميركية (سي آي ايه)، يقولون، إن هذه الروايات الأكثر تشاؤماً خطأ. فقد أخبرني أحد كبار ضباط المخابرات أن تقارير الأمم المتحدة «تصف وجوداً لتنظيم القاعدة لا يتماشى مع التهديد المتناقص الذي يمثله». ويقول الرئيس السابق للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب، مايكل ليتر في مقابلة: «لم أرَ أي بيانات تدعم فكرة وجود أي عودة حقيقية».
إن الدور غير المتوقع لطالبان كشريك في مكافحة الإرهاب، هو مسألة مصلحة ذاتية له. فقد كان جزء من صفقة الانسحاب الأميركي من كابول، هو أن تمنع طالبان تنظيم القاعدة من استخدام أفغانستان منصة للعمليات الأجنبية. ويقول المسؤولون الأميركيون، إنهم بشكل عام وفوا بهذا الالتزام.
ربما كان بعض أعضاء طالبان على علم بأن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري كان مختبئاً في كابول، ومن المحتمل أن يكون محمياً من قبل أعضاء فصيل حقاني. وعلمت الـ«سي آي إيه» بوجوده أيضاً، وقُتل بصاروخين أميركيين من طراز «هيلفاير» أثناء وقوفه على الشرفة في يوليو 2022، ولم ترد حركة طالبان.
وشنّت حركة طالبان حملة وحشية ولكنها فعالة ضد تنظيم «داعش» في خراسان المنشق. وتشير النتائج الاستخباراتية التي رفعت عنها السرية، إلى أن «طالبان كثفت عمليات مكافحة الإرهاب هذا العام، ما دفع بعض قادة تنظيم (داعش) في خراسان إلى الانتقال إلى خارج أفغانستان»، مضيفة أن «غارات طالبان في أفغانستان أطاحت بما لا يقل عن ثمانية من القادة الرئيسين لتنظيم (داعش) في خراسان».
ويقول مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، إن الـ«سي آي إيه» تشارك معلومات مكافحة الإرهاب مع طالبان، لكن ذلك لا يستهدف البيانات أو «المعلومات الاستخباراتية القابلة للتنفيذ». ويصف المسؤولون الأميركيون سياسات طالبان الأخرى - مثل القمع القاسي للنساء والفتيات - بأنها «مروّعة»، ولكنهم ينظرون إلى أهمية استمرار تحالف المصلحة الضمني في احتواء الجماعات الإرهابية. وقال ليتر: «نحن محظوظون، فمصلحتنا ومصالح طالبان تتوافق». هذه قصة لا تنتهي بطمأنينة اليقين الأبيض والأسود، بل بالأحرى في الظلال الرمادية لعالم الاستخبارات.. إنه بالكاد مثال فريد.
هناك تحذير مفيد بشأن طالبان جاء من الضابط السابق في الـ«سي آي إيه»، مارك بوليمروبولوس الذي خدم فترة طويلة من الزمن في أفغانستان. «قد ينجح هذا لفترة قصيرة جداً من الوقت عندما تتلاقى مصالحنا الضيقة، لكنني لن أراهن على سلامة الشعب الأميركي من مجموعة ملطخة أياديها بكمية غير عادية من الدماء الأميركية».
إن أفغانستان واحدة من تلك البلدان التي تذكّرني بالقول المأثور: «لن ينتهي الأمر حتى ينقضي، وحتى ذلك الحين فإن الأمر لم ينقض بعد»، ولكن عندما يقول مجتمع الاستخبارات الأميركي إن تنظيم القاعدة قد وصل إلى «الحضيض» هناك، فإن ذلك أمر جدير بالاهتمام والتأمل في العملية المتشابكة التي أدت إلى انتهاء صلاحيته.
• أعلن مجتمع الاستخبارات الأميركي عما يعتبره بمثابة نعي لتنظيم القاعدة في أفغانستان هذا الشهر. ولأن تفاصيل الإعلان تزامنت مع ذكرى هجمات 11 سبتمبر 2001، فقد رأى بعض المراقبين أن إطلاق هذا الإعلان، له دوافع سياسية، ولم يحظ باهتمام عام كبير نسبياً.
• يصف المسؤولون الأميركيون سياسات طالبان الأخرى - مثل القمع القاسي للنساء والفتيات - بأنها «مروّعة»، ولكنهم ينظرون إلى أهمية استمرار تحالف المصلحة الضمني في احتواء الجماعات الإرهابية.
ديفيد اغناتيوس ■ من أبرز المحللين في صحيفة «واشنطن بوست»