الصين تستعد للهيمنة على المعادن النادرة وثروات أعماق البحار
تمتلك الصين خمسة من تراخيص الاستكشاف الثلاثين التي منحتها الهيئة الدولية لقاع البحار للدول حتى الآن - وهو عدد أكبر من تراخيص أي دولة - استعداداً لبدء التعدين في أعماق البحار بحلول عام 2025. وعندما يحدث ذلك، فستكون لدى الصين الحقوق الحصرية لاستكشاف 92 ألف ميل مربع من قاع البحار الدولي (أي ما يعادل مساحة المملكة المتحدة تقريباً)، أو 17% من إجمالي المساحة المرخصة حالياً من قبل الهيئة الدولية لقاع البحار.
ويتشكل قاع المحيط ليصبح المسرح العالمي التالي للتنافس على الموارد العالمية، الذي من المقرر أن تهيمن عليه الصين. ويُعتقد أن البحر يحتوي أضعاف ما تحتويه الأرض من المعادن النادرة، مثل «التراب النادر» الذي يعد ضرورياً لجميع الأجهزة الإلكترونية الحالية تقريباً، ومنتجات الطاقة النظيفة، ورقائق الكمبيوتر المتقدمة. وبينما تتسابق البلدان لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، من المتوقع أن يرتفع الطلب على هذه المعادن بشكل كبير.
وتقول الخبيرة البارزة في شؤون الصين بمعهد الولايات المتحدة للسلام، كارلا فريمان: «إذا تمكنت الصين من أخذ زمام المبادرة في مجال التعدين في قاع البحار، فإنها تمتلك بالفعل القدرة على الوصول إلى جميع المعادن الرئيسة للاقتصاد الأخضر في القرن الحادي والعشرين».
السيطرة على الطاقة النظيفة
وعندما يبدأ التعدين في أعماق البحار، فإن الصين - المسيطرة على 95% من المعروض العالمي من المعادن الأرضية النادرة والمنتجة لثلاثة أرباع كل بطاريات الليثيوم أيون - ستبسط قبضتها على الصناعات الناشئة مثل الطاقة النظيفة، كما سيمنح التعدين بكين، أداة جديدة قوية في تنافسها المتصاعد مع الولايات المتحدة. ودليلاً على كيفية استخدام هذه الموارد كسلاح، بدأت الصين في أغسطس، بتقييد صادرات اثنين من المعادن التي تعد أساسية لأنظمة الدفاع الأميركية.
ويقول المدير التنفيذي لمركز الصين للدراسات التعاونية لبحر الصين الجنوبي في جامعة نانجينغ، تشو فنغ: «إذا كنت تريد أن تصبح قوة عالمية، فعليك أن تحافظ على أمن ممراتك البحرية ومصالحك». ويضيف: «لهذا فإن التحول إلى قوة بحرية أمر لامفر منه بالنسبة للصين».
«دايانغ هاو» تبدأ استكشافاتها
وعندما غادرت السفينة الصينية «دايانغ هاو» البالغ وزنها 5100 طن، الميناء جنوب شنغهاي قبل شهرين، (وهي واحدة من أكثر السفن الاستكشافية في المياه العميقة تقدماً في الصين)، ذكّرت الحكومة الصينية طاقم السفينة بالمهمة: «اجتهدوا واستكشفوا وأسهموا في تطوير الوطن». وكانت سفينة «دايانغ هاو» متجهة إلى منطقة تبلغ مساحتها 28500 ميل مربع في المحيط الهادئ، بين اليابان وهاواي، حيث تتمتع الصين بحقوق حصرية للتنقيب عن صخور متكتلة بحجم كرة الغولف، عمرها ملايين السنين وتبلغ قيمتها تريليونات الدولارات.
وهذا هو أحدث عقد فازت به الصين عام 2019، للتنقيب عن «العقيدات المتعددة المعادن»، الغنية بالمنغنيز والكوبالت والنيكل والنحاس، وهي المعادن اللازمة لصناعة كل شيء، بدءاً من السيارات الكهربائية حتى أنظمة الأسلحة المتقدمة. وهذه الموارد تستقر بشكل مُغرٍ في قاع المحيط في انتظار من ينقلها للأعلى. وتسعى بكين جاهدة إلى تحقيق قفزة في صناعة التعدين في أعماق البحار المزدهرة. وفي حال العقيدات المتعددة المعادن، يعني ذلك إرسال مركبات آلية على عمق 18 ألف قدم إلى قاع البحر المظلم الشاسع، حيث ستقوم ببطء بتفريغ نحو أربع بوصات من قاع البحر، ثم ضخها إلى السفينة.
إن المنطقة المخصصة للتعدين على الرغم من أنها أقل من 1% من إجمالي قاع البحار الدولي، ستظل ضخمة. وتغطي عقود التنقيب الثلاثين، مساحة 540 ألف ميل مربع، لكنها تتركز في منطقة واسعة من المحيط الهادئ تسمى «كلاريون كليبرتون». وتمتد على مسافة 3100 ميل، وهي أوسع من الولايات المتحدة المجاورة، وتحتوي على ما يصل إلى ستة أضعاف الكوبالت، وثلاثة أضعاف النيكل الموجود في جميع الاحتياطيات البرية.
وفي سعيها إلى السيطرة على هذه الصناعة، ركزت الصين جهودها على الهيئة الدولية لقاع البحار الموجود مقرها في كينغستون، والواقعة في مبنى من الحجر الجيري مطل على البحر الكاريبي، من خلال ممارسة نفوذها في منظمة تعد فيها أقوى لاعب على الإطلاق. وبما أن الولايات المتحدة ليست عضواً في هذه الهيئة، فإن لدى بكين فرصة لصياغة القواعد الدولية لصالحها.
أقوى زعيم للصين
ويشكل هذا النهج أهمية بالغة في سعي الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى التفوق العالمي، حيث يعد شي، أقوى زعيم للصين منذ عقود، وهو عازم على تحويل البلاد إلى قوة عالمية لم تعد مدينة بالفضل للغرب، من خلال التحول إلى قوة بحرية قادرة على التنافس عسكرياً مع الولايات المتحدة.
ولم تفعل الولايات المتحدة سوى القليل للرد على تحركات الصين في أعماق البحار. إنها مجرد مراقب في الهيئة الدولية لقاع البحار، ما يعني أنها معرضة لخطر التهميش أثناء وضع قواعد هذه الصناعة المستقبلية. وعلى عكس الصين، ليس لدى الشركات الأميركية أي عقود استكشاف مع الهيئة الدولية لقاع البحار، ويقول النقاد إن واشنطن تفتقر إلى خطة واضحة حول كيفية التنافس في هذه الصناعة الجديدة.
ويقول مؤلف كتاب «قانون البحار الصيني» وزميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إسحاق كاردون: «المنطق هو أننا إذا لم نضع القواعد، فسنقوم بذلك». ويقول أيضاً: «هذه مناطق حدودية للقانون الدولي حيث لا يوجد نظام واضح، وهي جذابة بشكل خاص، لكن الولايات المتحدة ليست هناك». ويختتم بقوله: «إنها جبهة واضحة في أي منافسة بين القوى العظمى». وتتعرض الهيئة الدولية لقاع البحار لضغوط للتوصل إلى قواعد عملية، بعد أن قامت جزيرة ناورو في المحيط الهادئ، بشراكة مع الشركة الكندية «ذي ميتالز كومباني»، في عام 2021، بتفعيل بند يطلب من الهيئة السماح بالتعدين في غضون عامين، حتى لو لم يكن هناك قانون تنظيمي. وفي هذه الحالة ينبغي على الدول الأعضاء في الهيئة الدولية لقاع البحار، التوصل إلى اتفاق بشأن الكود النهائي، أو مواجهة إمكانية إجراء التعدين دون قيود. وفي الوقت الحالي، تم تأجيل مزيد من المناقشة حول «قاعدة العامين» إلى العام المقبل.
وتريد الصين أن تتحرك الأمور بشكل أسرع. واعترضت على إعلان المجموعة بعد أيام من المفاوضات، بأن الدول «تعتزم» الاتفاق على مجموعة من القواعد التنظيمية بحلول نهاية عام 2025. ويقول مندوب الصين في أحد الاجتماعات مع الهيئة الدولية لقاع البحار: «ما يزال الوفد الصيني يفضل المصطلح الأصلي: الالتزامات». وأضاف أنه بخلاف ذلك «يبدو من غير الواضح - إلى حد ما - ما سنفعله في الأشهر أو في السنوات المقبلة». وكان موقف الصين مثالاً على الإصرار الذي يبذله دبلوماسيّوها في العمل من أجل إسماع صوتهم وتوجيه الإجراءات في الهيئة الدولية لقاع البحار. ويصف المندوبون والموظفون السابقون في الهيئة الدولية لقاع البحار، بكين، بأنها تمارس نفوذاً هادئاً من خلال قنوات مختلفة، بما في ذلك استضافة ورش العمل، ووجبات العشاء الفاخرة.
ويقول ساندور مولسو، الذي شغل مناصب عليا في الهيئة الدولية لقاع البحار من 2013 إلى 2019، إن الصين لديها «أجندة قوية للغاية وطويلة الأجل». ويضيف: «إن الصين تعمل دائماً بهدوء شديد وبكل تأكيد، وهي مستمرة في ذلك». وتقول الهيئة إنه اعتباراً من عام 2021، أصبحت الصين أكبر مسهم في الميزانية الإدارية للهيئة. وتتبرع بكين بانتظام لمختلف صناديق الهيئة، وفي عام 2020، أعلنت إنشاء مركز تدريب مشترك مع الهيئة في مدينة تشينغداو الساحلية الصينية.
• إذا تمكنت الصين من أخذ زمام المبادرة في مجال التعدين في قاع البحار، فإنها تمتلك بالفعل القدرة على الوصول إلى جميع المعادن الرئيسة للاقتصاد الأخضر في القرن الحادي والعشرين.
• يعد شي، أقوى زعيم للصين منذ عقود، وهو عازم على تحويل البلاد إلى قوة عالمية لم تعد مدينة بالفضل للغرب، بما في ذلك التحول إلى قوة بحرية قادرة على التنافس عسكرياً مع الولايات المتحدة.