عاصفة دوّارة تتشكل خارج المنطقة المدارية
«سياران» تُحطم الأرقام القياسية.. ومؤشرات حول طقس أكثر قسوة
وصلت العاصفة «سياران» إلى جنوب غرب بريطانيا وشمال فرنسا، في الأول من نوفمبر، حيث هطلت أمطار غزيرة وهبّت عواصف تصل سرعتها إلى نحو 180 كيلومتراً في الساعة.
ويقوم مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة بتسمية العواصف في كل موسم شتاء يبدأ في أوائل سبتمبر، وقرر أن يطلق عليها أسماء الأشخاص الذين يعملون «للحفاظ على سلامة الناس في أوقات الطقس القاسي»، ولهذا جاء الاسم «سياران» في هذه الحالة تكريماً لموظف حكومي من أيرلندا الشمالية اسمه سياران فيرون، ويعمل في مراقبة الفيضانات.
وتسببت العاصفة «سياران» في إصدار تحذيرات من الطقس باللونين الأصفر والبرتقالي الفاتح، من مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، وتحذيرات من الطقس باللون الأحمر من مكتب الأرصاد الجوية في فرنسا. وأدت الرياح العاتية إلى تعطيل السفر، وإغلاق الطرق والمصارف بالحطام، وإتلاف خطوط الطاقة الممدودة جواً، ما جعل أكثر من مليون شخص بدون كهرباء في كلا البلدين.
ونظراً للوقت المبكر الذي وصلت فيه عاصفة «سياران» إلى موسم العواصف الشتوية، فإن الأشجار لم تُسقط أوراقها بعد، وهي مغروسة في تربة مشبعة بالمياه بسبب الطقس الرطب، ما يعرّض العديد من الأشجار لخطر الاقتلاع.
وصدرت العديد من تحذيرات الفيضانات في جنوب المملكة المتحدة، وبعض أجزاء من الساحل الشرقي، بالنظر إلى هطول أمطار غزيرة للغاية على أرض رطبة أصلاً، وفي أنهار ممتلئة للغاية.
وتعد عاصفة «سياران» إعصاراً خارج المنطقة المدارية. وبكلمة أخرى فهي عاصفة دوّارة تتشكل خارج المنطقة المدارية، وغير معهودة بين العواصف التي تهب في شمال المحيط الأطلسي، والتي نادراً ما تنجم عنها أمطار غزيرة ورياح عالية فوق المناطق الواسعة.
ويتعمق الضغط الجوي المنخفض في عين الإعصار بسرعة، في الوقت الذي يتحرك فيه فوق المملكة المتحدة وينخفض بمقدار 24 ميليبار، خلال 24 ساعة، بحيث يصل إلى 953 ميليبار، وهذا ما يسميه علماء الأرصاد بالإعصار القنبلة.
تشكّل الرياح
وتم تسجيل حدثين فقط مشابهين لضغط جوي منخفض في هذه المنطقة من جنوب المملكة المتحدة. وأشارت الصور التي التقطتها الأقمار الاصطناعية قبل يوم واحد من العاصفة، إلى حدوث رياح شديدة (هي عبارة عن تيار من الهواء يمكن أن يتشكل ضمن العاصفة ويُنتج رياحاً شديداً فوق منطقة صغيرة) يمكن أن تضرب شمال فرنسا.
ويعد «سياران» الاسم الثالث الذي يُطلق على عاصفة في موسم العواصف الشتوية التي تتشكل وتكون مضطربة على نحو استثنائي. وكان الاسم الأول «اجينز»، وقد أطلق في سبتمبر الماضي، وهو زمن مبكر للغاية لحدوث عواصف. وأطلقت المملكة المتحدة اسم «أنطونيو» على عاصفة في أغسطس 2023، وهو أمر غير معهود إلى حد كبير.
وشهدت أجزاء كبيرة من المملكة المتحدة هطول كميات من الأمطار تعادل ضعفي ما هو معهود في أكتوبر، بسبب العاصفة «بابيت» التي أدت إلى حدوث طوفانات في أجزاء عدة من شمال بريطانيا واسكتلندا، وجعلت نحو مائة ألف شخص بدون كهرباء. وفي الفترة التي سبقت العاصفة «سياران»، تم الإبلاغ عن أضرار جسيمة نتيجة طوفان شديد في نيوري في إيرلندا الشمالية، وويكسفورد في إيرلندا أيضاً.
خريف عاصف
جاء تعاقب العواصف منذ أغسطس 2023 مدفوعاً بتيار الرياح القوية أو النفاثة، بشكل غير معهود اتجه جنوباً أكثر مما هو معتاد، في هذا الوقت من العام.
ويتشكل تيار الرياح القوية من مجموعة من تيارات الرياح القوية جداً، والمتشكلة في الغلاف الجوي ويمكن أن تمتد عبر المحيط الأطلسي، وتجلب العواصف إلى المملكة المتحدة. ويمكن لتيار الهواء القوي النفاث أن يجعل العواصف أكثر قوة، وكلما اتجهت جنوباً تصبح أكثر دفئاً، وتحمل مزيداً من الرطوبة والطاقة، ما يزيد من احتمالية التكثف السريع.
وهناك ظروف مماثلة لما سبق مع العاصفة «بابيت»، على الرغم من أنها انعزلت عن تيار الهواء الشديد، ما تسبب في توقفها فوق المملكة المتحدة. ويمكن أن تؤدي مثل هذه العواصف البطيئة الحركة إلى هطول أمطار أكثر استمراراً على منطقة واحدة وتسبب فيضانات، ومن المتوقع أن تصبح أكثر شيوعاً في المناخ الأكثر دفئاً.
وترتبط قوة وموقع تيار الرياح الشديدة، باختلاف درجة الحرارة بين الهواء القطبي البارد والهواء شبه الاستوائي الأكثر دفئاً. ويكون تيار الرياح الشديدة أقوى عندما يكون الفرق في درجات الحرارة من الجنوب إلى الشمال أكبر.
ويكون موقع الحدود بين الكتل الهوائية القطبية والاستوائية أقرب إلى الجنوب أكثر من المعتاد في هذا الوقت من العام، بسبب درجات حرارة سطح البحر الدافئة بشكل غير طبيعي في غرب المحيط الأطلسي، إلى جانب الظروف الباردة بشكل غير طبيعي في جنوب شرق الولايات المتحدة. وقد أدى هذا إلى تنشيط العواصف المتعاقبة على شمال أوروبا.
وربما تكون قوة وموقع الرياح الشديدة في الغلاف الجوي، نتيجة المرحلة الإيجابية من التذبذب الجنوبي لظاهرة «النينو»، وهي دورة في مناخ الكرة الأرضية تعمل على رفع درجات حرارة سطح البحر في منطقة غرب المحيط الهادئ. وأسهمت «النينو» أيضاً في تنشيط موسم الشتاء الممطر والرياح العاتية للغاية في المملكة المتحدة، خلال عامي 2013-2014، وغالباً ما تتسبب في درجات حرارة منخفضة للغاية في أميركا الشمالية وظروف عاصفة وماطرة في أوروبا.
أمطار وعواصف
وستؤدي العواصف الشتوية التي تضرب شمال أوروبا، إلى هطول أمطار غزيرة في المستقبل بسبب تغير المناخ، بالنظر إلى أن الهواء الدافئ يحمل مزيداً من الرطوبة. ويبدو أن العلماء أصبحوا أقل يقيناً بكيفية اختلاف الرياح في العواصف المستقبلية، حيث إن العمليات ذات الصلة، مثل تلك التي تسبب تغييرات في الرياح الشديدة في الغلاف الجوي، باتت أكثر تعقيداً.
ولكن الباحثين يشيرون إلى أن العواصف التي تجمع بين رياح عالية وأمطار غزيرة، مثل عاصفة «سياران»، ستحدث بصورة أكبر فوق شمال أوروبا مستقبلاً. وهذا من شأنه أن يفاقم مخاطر تغير المناخ، نظراً لأن آثار الفيضانات ستتراكم مع أضرار الرياح العاتية.
وتظهر الأعاصير الأخيرة أن المجتمع لم يتكيّف مع الظروف المناخية المتدهورة. ويمكن أن يؤدي الحد من انبعاثات غازات الدفيئة إلى تخفيف المخاطر الناجمة عن الطقس المتطرف، لكن التعهدات الوطنية المتعلقة بالانبعاثات تُلزم العالم بمزيد من الانحباس الحراري، ومعه مزيد من الفيضانات الشديدة والأضرار الناجمة عن العواصف.
وإضافة إلى تخفيض الانبعاثات الكبير، يجب على الدول إنشاء بنى تحتية مرنة للتكيف مع مزيد من المناخ المضطرب، وسيكون ذلك مكلفاً، لكنه أقل كلفة بكثير من عدم القيام بأي شيء.
• يقوم مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة بتسمية العواصف في كل موسم شتاء يبدأ في أوائل سبتمبر، وقرر أن يطلق عليها أسماء الأشخاص الذين يعملون «للحفاظ على سلامة الناس في أوقات الطقس القاسي».
• ظاهرة «النينو» هي دورة في مناخ الكرة الأرضية تعمل على رفع درجات حرارة سطح البحر في منطقة غرب المحيط الهادئ.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news