الخلافات العلنية بين القيادة العسكرية والمدنية تهدد فرص الهجوم الأوكراني المضاد
انتقد مكتب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي يوم السبت القائد العسكري الأعلى في أوكرانيا لتصريحاته بأن الحرب مع روسيا وصلت إلى طريق مسدود، ما يشير إلى أن التعليقات ستصبّ في مصلحة روسيا. ويعتبر هذا الانتقاد توبيخاً علنياً صارخاً يشير إلى وجود صدع ناشئ بين القيادة العسكرية والمدنية في وقت عسير بالفعل بالنسبة لأوكرانيا. وفي حديثه على التلفزيون الوطني، قال نائب رئيس مكتب زيلينسكي، إيهور جوفكفا، إن تأكيد القائد العام للقوات الأوكرانية، الجنرال فاليري زالوزني أن المعركة ضد روسيا وصلت إلى طريق مسدود «يسهل عمل المعتدي»، مضيفاً أن التعليقات أثارت «الذعر» بين الأوكرانيين والحلفاء الغربيين.
وفي الوقت نفسه، اعترض زيلينسكي على توصيف الجنرال للقتال. وقال في مؤتمر صحافي يوم السبت «لقد مرّ الوقت، والناس متعبون، بغض النظر عن وضعهم، وهذا أمر مفهوم»، مضيفاً: «لكننا لا نمضي في طريق مسدود، أؤكد هذا مرة أخرى». ويصدر هذا الانتقاد العلني من الجنرال زالوزني بعد يوم من قيام مكتب الرئيس بتغيير أحد نوابه، وهو قائد قوات العمليات الخاصة، الذي قال بعد إقالته إنه يشعر بالصدمة من الإقالة. ولم يكن من الواضح ما إذا كان الجنرال زالوزني، على علم مسبق بهذا الفصل.
ويأتي هذا الصدع الناشئ بين الجنرال والرئيس في الوقت الذي تكافح فيه أوكرانيا لدعم مجهودها الحربي والدبلوماسي، وفي وقت فشلت فيه عملياتها على طول خط الخندق الذي يبلغ طوله 600 ميل تقريباً في تحقيق أي تقدم، في حين أسفرت هذه العمليات عن خسائر كبيرة في الأرواح على كلا الجانبين، وتواجه أوكرانيا هجمات روسية مكثفة في الشرق. وفي الوقت نفسه، تزايدت الانتقادات للمساعدات المقدمة لأوكرانيا في بعض العواصم الأوروبية وبين أعضاء الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.
كما تشعر القيادة الأوكرانية بالقلق من انصراف اهتمام الحلفاء الغربيين عنها وتركيز جل اهتمامهم بالصراع الناشئ بين إسرائيل وحماس. وقال زيلينسكي يوم السبت: إن الحرب في الشرق الأوسط وهذا الصراع يصرفان عنا التركيز.
وحتى مع صمود الجنود الأوكرانيين في الخنادق، والغارقين الآن في جداول من الوحل بسبب أمطار الخريف، ظل المسؤولون والسياسيون في أوكرانيا والعواصم الحليفة يتبادلون اللوم بشأن الهجوم المضاد الأوكراني المتوقف منذ يونيو، والذي لم يتقدم سوى 12 ميلاً أو نحو ذلك بسبب حقول الألغام الكثيفة. وقد ألمح المسؤولون الأميركيون إلى أن أوكرانيا هي المسؤولة عن تفريق قواتها على نطاق واسع للغاية؛ وقال زيلينسكي إن جيشه لم يحصل على أسلحة كافية للتقدم.
وكانت التكهنات حول التوتر بين الرئيس والقائد العام للجيش بشأن التعيينات الاستراتيجية والقيادة تدور في كييف منذ أكثر من عام، لكنها لم تتحول في السابق إلى خلاف على هذا المستوى.
وكان سبب الخلاف هو مقال نشره الجنرال زالوزني في مجلة الإيكونوميست أكد فيه أن طائرات الاستطلاع بدون طيار وغيرها من التقنيات جعلت الهجمات الآلية مستحيلة، وأن تحقيق المزيد من التقدم أمر غير محتمل، وأن أوكرانيا لن تحقق «اختراقاً قوياً» في الحرب دون الحصول على أسلحة أكثر تقدماً. وقال زيلينسكي في ظهوره يوم السبت مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي قامت بزيارة مفاجئة إلى كييف لمناقشة مسألة انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي: هناك صعوبات، هناك آراء مختلفة، وأعتقد أنه ليس لدينا الحق حتى في التفكير في الاستسلام. مضيفاً: هل لأنه ليس لدينا بديل؟
ورغم أن الجنرال زالوزني لم يكن يشير بوضوح إلى أن أوكرانيا تخسر الحرب، أو أن روسيا تحرز أي تقدم جوهري، فقد اعترف في مقالته بأن الجانبين دخلا إلى «طريق مسدود». وكتب أيضاً أن كسر الجمود سيتطلب تقدماً تكنولوجياً لتحقيق التفوق الجوي، مشدداً على دور الجيل التالي من الطائرات بدون طيار والحرب الإلكترونية.
وفي تعليقاته يوم السبت، قال جوفكفا إن تصريحات الجنرال زالوزني قد تعكس «خطة استراتيجية عميقة للغاية»، لكنها تخاطر بالإضرار بالمجهود الحربي لأوكرانيا. وقال إن المقال دفع المسؤولين الأجانب إلى الاتصال والسؤال «ما الذي يجب أن نبلغه لقادتنا؟»، أو «هل أنت حقاً في طريق مسدود؟»، و«هل هذا هو التأثير الذي أردنا تحقيقه؟».
ويقول أستاذ السياسة المقارنة في أكاديمية جامعة كييف موهيلا الوطنية، أوليكسي هاران، إن البث العلني للنزاع ليس عملياً في نقل استراتيجية الاتصالات للرئيس في زمن الحرب. ويقول هاران: «إن جوفكفا يرى أنه من الأفضل التواصل بشأن هذا الأمر خلف أبواب مغلقة»، دون إثارة نقاش عام في الدول الحليفة. ويضيف أن مساعدي زيلينسكي ربما يشعرون بالقلق من أن هذه الاستنتاجات المثيرة التي توصل إليها الجنرال زالوزني قد تثني بعض الحلفاء عن مواصلة مساعداتهم العسكرية.
وظهرت علامات الخلاف يوم الجمعة عندما طرد مكتب زيلينسكي أحد كبار نواب الجنرال زالوزني، وهو قائد قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، الجنرال فيكتور كورينكو، دون تقديم تفسير في البداية. وقال وزير الدفاع الأوكراني، رستم عمروف، يوم السبت، إنه أوصى بالإقالة لكنه لم يوضح السبب، خشية أن «يعطي العدو أسباباً لمعرفة نقاط الضعف لدى أوكرانيا».
وقد أثار هذا القرار حيرة البعض لأن الجنرال كورينكو حقق سلسلة من النجاحات خلف خطوط الخصم، بما في ذلك ضرب السفن والبنية التحتية لأسطول البحر الأسود الروسي في شبه جزيرة القرم وأهداف داخل روسيا. وكانت الضربات بعيدة المدى والعمليات التخريبية التي قامت بها القوات الخاصة قد أبهجت الأوكرانيين.
لكن القادة الميدانيين والمحللين العسكريين لاحظوا تذمراً في صفوفهم بشأن ما اعتُبر قرارات موجهة سياسياً بشأن الاستراتيجية، بما في ذلك شن هجوم برمائي عبر نهر دنيبرو في جنوب أوكرانيا، والذي لم يؤمن بعد رأس جسر في المنطقة الشرقية التي تسيطر عليها روسيا. وكانت نقطة التوتر الأخرى هي إقالة قادة الكتائب الذين قادوا الوحدات في الهجوم المضاد في جنوب أوكرانيا خلال الصيف.
وفوجئ ضباط الجيش الأميركي الذين عملوا مع الجنرال كورينكو بأخبار الإطاحة به، وتحدثوا عن علاقة العمل الوثيقة والفعالة معه، وفقاً لمسؤولين عسكريين أميركيين. وبموجب الدستور الأوكراني، يتمتع الرئيس بصلاحية تعيين وإقالة قائد القوات الخاصة، على الرغم من أن المنصب يخضع مباشرة للقائد الأعلى للجيش. ويبدو أن طرد الجنرال كورينكو قوض سلطة الجنرال زالوزني.
ويقول معلقون، من بينهم عضو في البرلمان الأوكراني، إن إقالة الجنرال كورينكو تبدو وكأنها أكبر تدخل سياسي وربما الأكثر تدميراً حتى الآن لسير العمليات الحربية. وتقول العضو سولوميا بوبروفسكا، التي تعمل في لجنة الدفاع والاستخبارات بالبرلمان، في مقابلة: «إن طرد الجنرال يبدو بمثابة تدخل سياسي في القوات المسلحة وفي أعمالها القتالية». وتنتمي بوبروفسكا إلى الحزب السياسي المعارض، هولوس. وتختتم بقولها «هذا خطأ كبير، وستكون له عواقب». مشيرة إلى أن إقالة المكتب الرئاسي لجنرال ناجح من شأنها أن تصبّ في مصلحة الروس.
• سبب الخلاف مقال نشره الجنرال زالوزني في مجلة الإيكونوميست أكد فيه أن طائرات الاستطلاع بدون طيار وغيرها من التقنيات جعلت الهجمات الآلية مستحيلة، وأن تحقيق المزيد من التقدم أمر غير محتمل.
• ظهرت علامات الخلاف يوم الجمعة عندما طرد مكتب زيلينسكي أحد كبار نواب الجنرال زالوزني، وهو قائد قوات العمليات الخاصة الأوكرانية، الجنرال فيكتور كورينكو.