المجلس العسكري الحاكم في ميانمار يفقد سيطرته على الأرض
حذّر القائم بأعمال رئيس الحكومة العسكرية في ميانمار، مين سوي، من أن «الانشقاقات ستقع في الدولة وستفككها لأجزاء مختلفة»، بعد أن عانت قواته المسلحة خسائر فادحة أمام مقاتلي المقاومة المسلحة أخيراً. وتمثل رده في دعوة شعب ميانمار لدعم قواته المسلحة، وهي دعوة في الغالب، واستناداً على التجربة السابقة، لن تلقى آذاناً صاغية.
وبعيداً عن مشاركة مخاوف الحكومة العسكرية من تقلص سيطرتها على الأراضي، فمن المرجح أن يحتفل معظم سكان ميانمار، البالغ عددهم 55 مليون نسمة، بخسائر الجيش الإقليمية، إذ إن هذه القراءة الخاطئة للمجلس العسكري ليست جديدة، فبعد استيلائه على السلطة في فبراير 2021، أبدى قادة الانقلاب دهشتهم عندما قوبل الانقلاب بغضب واسع النطاق، واحتجاج ومقاومة عامة مستمرة.
وتبنى القادة العسكريون استراتيجية الاعتقال التعسفي والعنف الشديد لقمع المعارضة. وتشير تقديرات مؤسسة مساعدة السجناء السياسيين إلى أن هناك 19 ألفاً و675 شخصاً مسجونون حالياً، وهو رقم يتزايد يومياً. ويتم التعامل مع الاحتجاجات السلمية بقناصة الجيش، وأوامر إطلاق النار بهدف القتل.
ولطالما رد جيش ميانمار بصورة روتينية على المقاومة المسلحة بفرض عقوبات جماعية على السكان الأصليين، وتضمن ذلك غارات جوية مدمرة على أهداف مدنية، و«حملات تطهير الأرض»، التي أدت إلى مقتل الآلاف من الشعب، وتشريد نحو 700 ألف منهم.
إنشاء ميليشيات
ومنذ سبتمبر 2021، أجازت حكومة الوحدة الوطنية، وهي حكومة ظل في المنفى «حرب الدفاع عن النفس» ضد جيش الدولة، ودفعت نحو إنشاء ميليشيات تستهدف الحكم العسكري وقاعدته الاقتصادية. وقامت الميليشيات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية بزيادة التنسيق مع عشرات المجموعات المسلحة العرقية في ميانمار، التي يقوم بعضها بمحاربة الحكام العسكريين منذ عقود.
ويواجه الآن جنود الحكومة هجمات محتملة في كل مرة يغادرون فيها ثكناتهم العسكرية، ما يجعلهم يعتمدون بصورة متزايدة على القوات الجوية، ولكن ذلك يحد من سيطرتهم الفعالة على الأرض. وتراكمت الخسائر الاقتصادية في المناطق التي يسيطرون عليها.
وهذا أمر مهم للغاية، لأن شرعية الحكم العسكري تعتمد على قدرتها في الحفاظ على تماسك البلاد. وذكر الدستور الذي تم تأسيسه بعد انقلاب عام 2008 عدم تفكك أراضي ميانمار، نحو عشر مرات، باعتبار أن الحفاظ على سلامة أراضي الدولة واجب القوات المسلحة، وكان ذلك مبرراً أساسياً لحدوث انقلاب عام 1962، الذي تلاه خمسة عقود من الحكم العسكري.
وخلال فترة ما بعد الاستقلال مباشرة (1948-1962)، كافحت حكومة ميانمار المدنية للحفاظ على سيطرتها الإقليمية، وفي بعض الأحيان لم تكن تسيطر إلا على المراكز الحضرية الكبرى. وبات الوضع مماثلاً لذلك الآن، إذ إن الحكم العسكري غير قادر على الحفاظ على سيطرته خارج المراكز الحضرية والثكنات العسكرية، حيث سيؤثر بشدة على معنويات المجلس العسكري، ويلهم المزيد من المقاومة.
وخسرت حكومة الحكم العسكري الكثير من مساحات الأراضي أخيراً على أيدي ثلاث مجموعات عرقية مسلحة، هي: «جيش أركان»، و«جيش التحالف الديمقراطي الوطني لميانمار»، و«جيش تحرير تانغ الوطني». وتنسق هذه المجموعات الثلاث نشاطاتها تحت اسم «تحالف الإخوان». وألحقوا خسائر كبيرة بصفوف قوات الحكومة العسكرية منذ بداية نوفمبر الجاري، حيث اجتاحوا العشرات من المواقف العسكرية، وقتلوا قائد الكتيبة الخفيفة للمشاة 99، وهي وحدة معروفة دولياً نتيجة حملات الإبادة التي نفذتها ضد سكان الروهينغا. وتمكن التحالف من السيطرة على طريق يمتد من منطقة ماندلاي إلى الصين، وهو ممر اقتصادي مهم.
الدور الصيني
يعتمد «تحالف الإخوان» على الصين للحصول على الأسلحة، لذا فمن غير المرجح أن تتم عملية في المناطق النائية للصين دون موافقة الصين.
ويعتبر السماح لهذه العملية بالمضي قدماً بمثابة تعبير قوي من جانب الحكومة الصينية على تقاعس الحكم العسكري في محاربة مراكز الاحتيال عبر الإنترنت في ولاية شان في ميانمار، حيث تم إجبار آلاف الصينيين وغيرهم من الأجانب الذين تم الاتجار بهم على العمل في ظروف أشبه بالعبودية.
وليس من المستغرب موقف الصين، إذ إن بكين رفضت انقلاب 2021، وقال السفير الصيني في ميانمار، تشين هاي، للصحافيين في ذلك الوقت إن بلاده «لم تكن ترغب مطلقاً بمشاهدة هذا الانقلاب يحدث في ميانمار»، وتحتفظ القيادة الصينية بعلاقة وثيقة للغاية مع زعيمة ميانمار المخلوعة بحكم الأمر الواقع، أونغ سان سو تشي، وتحتفظ بعلاقات وثيقة مع العديد من الجماعات العرقية المسلحة في ميانمار.
وبات المجلس العسكري يتلقى الآن العديد من الانتكاسات الاستراتيجية والخسائر الإقليمية على مستوى البلاد، ناهيك عن التدهور الاقتصادي، ما أدى إلى إضعافه على نحو كبير في ميانمار.
وربما تكون القيادة الصينية قد قرأت الوضع بشكل أفضل من معظم الناس، وأدركت أن المجلس العسكري ربما يكون الآن في دوامة صعبة.
توحيد ميانمار
تطمح «حكومة الوحدة الوطنية» إلى توحيد ميانمار في مرحلة ما بعد المجلس العسكري تحت قيادتها، وعودة أونغ سان سو تشي إلى السلطة، ولكن بالنسبة للعديد من الجماعات العرقية المسلحة التي ستشعر بأنها هي التي وجهت أقوى الضربات إلى حكومة المجلس العسكري، وأنها تسيطر الآن على مناطق كبيرة، لهذا فلن تكون هذه النتيجة المرغوبة لديها على الأرجح. وستسعى هذه المجموعات للحصول على ضمانات بشأن المطالب الرئيسة المتعلقة بالفيدرالية وحقوق الأقليات، التي لم تتم معالجتها بشكل مرضٍ عندما كانت أونغ سان في السلطة آخر مرة.
ويبدو أن المجلس العسكري يسير على طريق واضح نحو الهزيمة، لكن هذا لن يكون بهذه السرعة، وفي الوقت ذاته، يكون رد القوات العسكرية على الانتكاسات عنيفاً، لذا يجب إعطاء الأولوية لوضع نهاية سريعة لحكم المجلس العسكري. ولن يرغب سكان ميانمار والدول المجاورة أيضاً في انزلاق البلاد، في مرحلة ما بعد المجلس العسكري، إلى الشكل ذاته من انعدام الاستقرار والتمزق الذي حدث في فترة ما بعد الاستقلال مباشرة.
ويجب على جيران ميانمار، سواء كانت دولاً آسيوية أو غربية، والتي انتقدت انتهاك حقوق الإنسان في ميانمار، بما فيها المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، اتخاذ خطوات مناسبة لضمان تعامل السلطة الحاكمة بعد زوال الحكم العسكري، بطريقة سلمية مع جميع المجموعات التي كانت تلعب دوراً في المقاومة، بما فيها اتخاذ القرارات المتعلقة بمستقبل ميانمار.
وستتطلب الفترة الانتقالية بعد التخلص من الحكم العسكري التزاماً من اللاعبين الدوليين لضمان استقرار الدولة، على غرار عملية «اونتاك» الكمبودية في تسعينات القرن الماضي. وبدلاً من الوقوع في مأزق الأحداث في ميانمار من جديد، يجب على الأمم المتحدة والدول الآسيوية البدء في استعدادات لإدارة المرحلة الانتقالية لمرحلة ما بعد الحكم العسكري في ميانمار، وهو الأمر الذي يبدو مرجحاً.
• يواجه الآن جنود الحكومة هجمات محتملة في كل مرة يغادرون فيها ثكناتهم العسكرية، ما يجعلهم يعتمدون بصورة متزايدة على القوات الجوية، ولكن ذلك يحد من سيطرتهم الفعالة على الأرض. وتراكمت الخسائر الاقتصادية في المناطق التي يسيطرون عليها.