شي جينبينغ يكشف جوانب شخصيته المرحة في لفتة نادرة خلال قمة «أيبك»
يعد الرئيس الصيني شي جينبينغ أحد أكثر القادة الصينيين غموضاً في حياته الشخصية، منذ عقود. وباعتباره أقوى زعيم صيني منذ أجيال، نادراً ما يكلف جينبينغ نفسه عناء التفاعل أو محاولة تحية حشد من الناس. ويتم الترتيب لظهوره العلني في الصين بعناية، حيث تلتف حوله كوادر تحميه من تدخل المتطفلين.
لذلك عندما وصل شي إلى سان فرانسيسكو، الأسبوع الماضي، للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، في محاولة منهما لإعادة إرساء الاستقرار في العلاقة المتدهورة بين البلدين، كانت تلك الزيارة فرصة نادرة لكثير من المراقبين لرؤية الزعيم الصيني عن قرب، وعلى سجيته.
كانت هناك لحظات قليلة رأى فيها المراقبون أن شي كان مفعماً بالحيوية، مثل تلك المناسبة التي التقى خلالها في حفل عشاء في سان فرانسيسكو بأحد معارفه القدامى، فقد أشرق وجه شي عندما استقبل الرجل الذي قاده بالسيارة في جميع أنحاء ريف ولاية أيوا، عندما كان شي مسؤولاً شاباً في الحزب الشيوعي الصيني عن مقاطعة هيبي، ويأمل في الحصول على معلومات ثاقبة حول التكنولوجيا الزراعية الأميركية.
وفي وقت سابق، عقد الزعيم الصيني مازحاً مقارنة بين سيارات الليموزين الرئاسية مع بايدن، أثناء لقائهما على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أيبك). وشكر بايدن لتذكيره بأن زوجته، بينغ لي يوان، السوبرانو والمغنية الشعبية الصينية الشهيرة، سيحل موعد عيد ميلادها يوم الإثنين (الموافق 20 نوفمبر)، حيث قال شي إنه نسي الموعد لأنه كان مشغولاً ويعمل بجد.
وقال المشاركون إنه خلف الكواليس، خلال أربع ساعات من المحادثات مع بايدن ومجموعة من مساعديه في مجالي الأمن القومي والاقتصاد، كان شي عادة منضبطاً وحذراً. وأفادوا بأنه كان يتحدث بطلاقة عن موضوعات الخلاف بين بكين وواشنطن، لكنه يلجأ إلى ملاحظاته، ويلتزم بالنص، عندما يتحول الموضوع إلى أوكرانيا أو الاضطرابات في الشرق الأوسط، وكل ذلك لم يغير وجهة نظر الأميركيين بشكل جذري تجاه الزعيم الصيني الذي يتمتع بالسيطرة على عواطفه.
فهو لم يرتد قبعة رعاة البقر، كما فعل الرئيس الصيني الراحل، دنغ شياو بينغ عندما زار تكساس عام 1979، ولم يأتِ حاملاً دمية باندا لطفل يبلغ من العمر عامين، كما فعل الرئيس الراحل جيانغ زيمين في نفس قمة منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في سياتل قبل ثلاثة عقود من الزمن. في تلك القمة، تلقى زيمين أسئلة مكثفة من المراسلين الأميركيين، ولكن لم يجب شي عن أي شيء، تاركاً لبايدن الإجابة عن الأسئلة المتعلقة باجتماع القمة وحده. وبدلاً من التحدث في موعد آخر مقرر، قدم شي خطاباً مكتوباً.
ومع ذلك، كانت القمة بمثابة لحظة استعد لها شي على مدى الأشهر الخمسة الماضية، بعد أن ظلت بعيدة عن أنظار المسؤولين الأميركيين إلى حد كبير، باستثناء اجتماعه السابق مع بايدن، في بالي، العام الماضي. لكنه بدأ هذا الصيف باستقبال عدد من المسؤولين الأميركيين، بدءاً بوزير الخارجية أنتوني بلينكن.
وقام بدعوة وزير الخارجية الأميركي السابق، هنري كيسنجر، للاحتفال بعيد ميلاد كيسنجر الـ100، وأقام احتفالاً لمدة خمس ساعات، كان الهدف منه بوضوح إرسال رسالة مفادها أن انفتاح الولايات المتحدة على الصين، الذي ساعده كيسنجر المهندس، يمثل عصراً ذهبياً يجب إعادة إنتاجه. كل هذا أدى إلى تغيير في النغمة في العلاقة، وعندما كرر شي عبارته بأن الكوكب كبير بما يكفي لكلا البلدين، كان يشير إلى أن القوتين العظميين، عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً، يمكن أن تمنح كل منهما الأخرى بعض المساحة.
ولكن كانت هناك أيضاً تلميحات حول كيفية بقاء وجهات نظره الأساسية دون تغيير، خصوصاً في ما يتعلق بالولايات المتحدة. وتحدث بايدن عن المنافسة البناءة بين البلدين، قائلاً للصحافيين إن «مسؤوليتي هي أن أجعل هذا الأمر عقلانياً ويمكن التحكم فيه، حتى لا يؤدي إلى صراع، وهذا هو ما أقوم به». ولطالما رفض شي مفهوم المنافسة الموجهة بين البلدين. وقال شي «السؤال الأول بالنسبة لنا هو: هل نحن أعداء أم شركاء؟»، مضيفاً «هذه هي القضية الأساسية والشاملة».
وبعد قمته مع بايدن، حضر الزعيم الصيني، البالغ من العمر 70 عاماً، حفل عشاء في سان فرانسيسكو مع رجال الأعمال الأميركيين، الذين يأمل أن يساعدوا في وقف تدفق الشركات الأجنبية التي تنقل استثماراتها خارج الصين. واختلط شي مع الحضور، بمن في ذلك الملياردير رئيس شركة تسلا، إيلون ماسك، وتيم كوك من شركة أبل، ومضيفيه السابقين في ولاية أيوا.
وقال بعض الحاضرين إن العشاء كان محاولة من قبل الصينيين للتواصل مع مجتمع الأعمال الأميركي، وحول الحكومة الأميركية، التي فرضت عقوبات على العديد من الشركات الصينية، وقيّدت بشدة استخدام الصين لتكنولوجيا الرقائق الأميركية.
وبعد وصوله، توقف شي في مكان خاص بكبار الشخصيات في حفل الاستقبال، ثم قام هو وغيره من كبار المسؤولين الصينيين بتشكيل خط استقبال في قاعة الرقص بالفندق، حيث صافح الضيوف والتقط الصور. وخلال تناول العشاء، جلس شي جينبينغ على طاولة طويلة بالقرب من رأس القاعة، محاطاً بإيفان جرينبيرج، الرئيس التنفيذي لشركة تشب، ومارك كاسبر، الرئيس التنفيذي لشركة ثيرمو فيشر ساينتفيك، وكلاهما عضو في المجموعات التي تركز على الصين.
وقال المدير السابق لمجلس الأمن القومي الصيني، رايان هاس، الذي حضر العشاء، الخميس الماضي: «لقد مارس شي سياسة التجزئة الليلة الماضية بطرق لا يفعلها عادة سوى القليل من القادة الصينيين». وفي خطابه، تمسك شي في الغالب بالموضوعات الودية، وقارن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بشجرة «أصبحت طويلة وقوية»، ولوّح باحتمال إرسال المزيد من حيوانات الباندا العملاقة إلى كاليفورنيا «كمبعوثين للصداقة».
وقالت الأستاذة في جامعة كورنيل، جيسيكا تشين فايس، إن شي تحدث برباطة جأش ولمسة من الدفء، لكن الخطاب كان له حافة مزدوجة، فقد «استشهد بتاريخ العلاقات الودية بين الشعبين الأميركي والصيني للتحذير من التعامل مع الصين كدولة خصم».
وقال هاس إن الخطاب «بدا وكأنه يد ممدودة إلى حد ما»، ما قد يعكس اهتمام القادة الصينيين بإعادة بناء العلاقات مع مجتمع الأعمال. واسترسل «كانت هناك العديد من النقاط الصعبة في الأماكن التي نتوقعها، ولكن يبدو أن النغمة العامة للخطاب مصممة لمحاولة خفض درجة التوتر في العلاقة بين الجانبين». وكان العشاء في حد ذاته بمثابة قضية استقطابية، حيث قال منتقدو شي إنه من المخزي لقادة الأعمال الأميركيين أن ينفقوا ما يصل إلى 40 ألف دولار مقابل طاولة في هذا الحدث، وأن يُشاهدوا وهم يصفقون لشي مرات عدة. وقال أحد الحاضرين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب رد الفعل العنيف، إن شي بدا مفعماً بالحيوية في المحادثة على طاولته. وكان سلوكه مختلفاً عن سلوك الزعماء الصينيين السابقين، مثل رجل الاستعراض جيانغ زيمين، الذي كان يعزف ذات مرة على الغيتار الفولاذي خلال حفل عشاء في هاواي، لكن الحضور أشار إلى أن شي، الذي لا يُعرف عنه سوى الصرامة، كان يبتسم كثيراً.
عن «نيويورك تايمز»
. شي شكر بايدن لتذكيره بأن زوجته، بينغ لي يوان، السوبرانو والمغنية الشعبية الصينية الشهيرة، سيحل موعد عيد ميلادها يوم الإثنين (الموافق 20 نوفمبر)، حيث قال شي إنه نسي الموعد لأنه كان مشغولاً ويعمل بجد.