التسوية ستصب في صالح موسكو
خيارات الغرب تتقلص إلى النصر أو الهزيمة في أوكرانيا
رسم القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية، الجنرال فاليري زالوجني، أخيراً، صورة قاتمة لحرب روسيا ضد أوكرانيا، كونها حرباً موضعية تترنح على شفا طريق مسدود، وتميل ببطء لصالح روسيا. وعلى هذه الخلفية، يكتسب الحديث عن الإرهاق من الحرب زخماً في العواصم الغربية ووسائل الإعلام، مع تزايد الدعوات لإجراء مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا.
قبل عام مضى، أكد زالوجني على الحاجة إلى أسلحة محددة لتحقيق اختراق في الهجوم المضاد الأوكراني المقبل. وتضمنت متطلباته أنظمة الدفاع الجوي، والطائرات المقاتلة، ودبابات القتال الرئيسة، ومركبات المشاة، ومدافع الهاوتزر، والصواريخ بعيدة المدى لضرب المنشآت الروسية وخطوط الإمداد التي تتجاوز نطاق 50 ميلاً. وقال زالوجني لمجلة الإيكونوميست، حينها، «أعلم أنني أستطيع التغلب على هذا العدو» متابعاً، «لكنني بحاجة إلى الموارد!» لكن الدعم الغربي، في ما يخص أنواع وكميات الأسلحة، كان أقل بكثير من متطلباته.
إن إحجام الغرب عن تزويد أوكرانيا بالمعدات العسكرية المطلوبة بأعداد كافية على الفور - والذي تفاقم بسبب النقص المستمر في ذخيرة المدفعية - أتاح لروسيا عن غير قصد الوقت لتعزيز خط المواجهة من خلال البناء المكثف للتحصينات والخنادق وحقول الألغام. وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة أحجمت عن تسليم أنظمة الصواريخ التكتيكية المتقدمة حتى وقت قريب للغاية، في حين أضاف إحجام ألمانيا عن تزويد كييف بصواريخ «توروس» طبقة أخرى من التردد. وكانت النتائج واضحة على أرض الواقع؛ فبينما لا نستطيع أن نعرف ما إذا كان تسليم الأسلحة بشكل أكبر وأسرع كان ليؤدي إلى اختراق عسكري أوكراني، فإننا نعلم أنه من دون ذلك فإن نتيجة الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا في الحرب البرية كانت هامشية في أحسن الأحوال. ومن ناحية أخرى، في البحر الأسود، حققت كييف نجاحاً كبيراً في الآونة الأخيرة.
خسائر فادحة
وتأكيداً على روايتها بأنها أحبطت الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا، شنت روسيا هجمات في قطاعات عدة من الجبهة، بما في ذلك بالقرب من مدينة أفدييفكا وبلدة فوليدار. وبعد أن تكبد الروس خسائر فادحة في الأرواح والموارد العسكرية، كان شهر أكتوبر هو الشهر الأكثر دموية بالنسبة لروسيا منذ فبراير 2022، فإن التقدم الروسي يؤتي ثماره، الآن.
القيمة الاستراتيجية للانتصارات الإقليمية الصغيرة التي حققتها روسيا أمر مشكوك فيه، لكن الفوائد في مجال المعلومات واضحة؛ فهي تعطي العديد من المراقبين الانطباع بأن زمام المبادرة العسكرية عاد إلى أيدي موسكو. وإلى جانب الهجوم الأوكراني المضاد الباهت، فإن الخوف من أن تنقلب الطاولة لصالح روسيا يزيد من إرهاق الحرب لدى الدول الغربية ويثير الدعوات إلى المفاوضات.
لقد وصل الغرب بالفعل إلى حدود استراتيجيته الحالية. وفي الممارسة العملية، وإن لم يكن بالكلمات، ركزت هذه الاستراتيجية على ضمان بقاء أوكرانيا من دون تمكينها من تحقيق نصر حاسم. والآن أصبح أنصار أوكرانيا في الغرب عند مفترق الطرق.
تسوية إقليمية
ويعتقد البعض أن هناك طريقين فقط أمام الغرب: إما إدامة الحرب ــ مع المخاطرة بميلها لصالح روسيا ــ أو المفاوضات التي تؤدي إلى شكل ما من أشكال التسوية الإقليمية. ومع ذلك فإن الواقع في أوكرانيا، وفي روسيا في المقام الأول؛ يشير إلى أن خيار التفاوض غير متاح. ويعتقد الأوكرانيون أن طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتجاوز ضم مناطق قليلة، وتمتد بدلاً من ذلك إلى إخضاع بلادهم وهويتهم بالإبادة الجماعية ومحوها. وبالنسبة للأوكرانيين، فإن المخاطر تمتد إلى ما هو أبعد من التأكيد على المبدأ المجرد للسلامة الإقليمية؛ وهمهم ينصب على حياة مواطنيهم الذين يعيشون تحت السيطرة الروسية. وتأطير المفاوضات حول تسوية الأرض مقابل السلام أمر لا يمكن الدفاع عنه بالنسبة للأوكرانيين.
وقد يرد أولئك الذين يؤمنون بالمفاوضات، في الغرب، بأن رغبة كييف في التفاوض أمر غير ذي صلة؛ فبدون الدعم الغربي، لن يكون أمامها خيار آخر. ولكن كما هي الحال غالباً في المناقشات الغربية حول أوكرانيا، فإن هذا يميل إلى تجاهل الجانب الآخر من المعادلة.. روسيا. ويفترض أولئك الذين يؤيدون المفاوضات أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سوف يعترف بأنه غير قادر على تحقيق نصر صريح ويكتفي بالمكاسب الإقليمية التي حققها حتى الآن. ومع ذلك، فإن فكرة أن الرئيس الروسي سيتبنى المفاوضات بشكل حقيقي ويسعى إلى إنهاء الحرب تتجاهل الدور الاستراتيجي الذي اكتسبته الحرب نفسها في الحفاظ على قبضته على السلطة، خصوصاً مع تطور سرده للحرب على مدى العامين الماضيين.
فرص الهزيمة
إن إعادة تشكيل الحرب في الدعاية الروسية، من «الهجوم الوقائي ضد النازيين الأوكرانيين» المفترضين إلى الحرب الوطنية للدفاع عن الوطن الروسي ضد أي هجوم يشنه الغرب بشكل جماعي، يعني أن العرض لابد أن يستمر.
والاختيار الذي يواجه الغرب ليس بين الحرب والتسوية، بل بين الهزيمة والنصر. والمسار الذي يسير عليه الغرب – الحفاظ على مستويات الدعم الحالية أو ربما تقليصها أثناء الضغط من أجل المفاوضات – يزيد من فرص الهزيمة. ويعتمد بوتين على هذا، ففي قلب نظريته حول النصر يكمن اقتناعه بأن قوة بقاء روسيا في الحرب أعظم من قوة الغرب. وخلافاً لأمل الغرب المشوش في التوصل إلى تسوية، فإن استراتيجية بوتين تعتمد على منطق واضح.
وفي مفترق الطرق الحالي، يتعين على أنصار أوكرانيا الغربيين أن يسألوا أنفسهم: ما هي تكاليف أي خطوة تغيير لتمكين أوكرانيا من تحقيق النصر مقارنة بتكاليف الحفاظ على الوضع الراهن أو تقليص الدعم الذي قد يؤدي إلى هزيمة أوكرانيا؟
ومن الواضح أن مثل هذه الهزيمة لن تقتصر على أوكرانيا. وروسيا المنتصرة لن تقتصر على احتلال المناطق الخمس التي تم ضمها، ومن خلالها التأثير السياسي أو السيطرة على كييف. ورغم أن البعض قد يتصور أن روسيا المتدهورة عسكرياً واقتصادياً لم تعد تشكل تهديداً وجودياً لبولندا أو دول البلطيق، فمن المؤكد أن روسيا المنتصرة سوف تشكل مثل هذا التهديد لمولدوفا. ولا يستطيع أحد أن يعرف ماذا قد يحدث بعد ذلك، أو بعد استعادة روسيا لكامل قوتها العسكرية. ولا تستطيع أي دولة أوروبية معقولة أن تتحمل هذا الرهان، ولا ينبغي لأي إدارة أميركية معقولة أن تقبل هذا الرهان أيضاً.
بطبيعة الحال، فإن ضمان فوز أوكرانيا يأتي بتكاليف باهظة، أيضاً. والكلفة الاقتصادية المترتبة على دعم أوكرانيا لتحقيق النصر، لا تنطوي على الأسلحة فحسب، بل وأيضاً العديد من أشكال المساعدات الأخرى، وخصوصاً في سياق التحديات الأخرى التي يواجهها الغرب في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. إن خروج أوكرانيا المنتصرة من سنوات الحرب من شأنه أن يفرض تحديات كبيرة، ولن يكون اندماجها في الهياكل الأوروبية الأطلسية سهلاً. ولكن من المؤكد أن الغرب يفضل التعامل مع هذه المشاكل بدلاً من المشاكل الوجودية التي قد تنتج عن هزيمة أوكرانيا.
• بعد أن تكبد الروس خسائر فادحة في الأرواح والموارد العسكرية، فإن التقدم الروسي يؤتي ثماره، الآن.
• في الممارسة العملية، ركزت الاستراتيجية الغربية على ضمان بقاء أوكرانيا من دون تمكينها من تحقيق نصر حاسم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news