طموحات البحرية البريطانية تتعاظم إقليمياً وعالمياً
ربما تتقلص البحرية البريطانية من حيث الحجم، ولكن بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، لم تعد طموحات القوة البحرية كما هي. ومع وجود حاملتي طائرات، وعدد من الفرقاطات والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، سواء الهجومية أو الباليستية، وزوارق الدوريات، تريد بريطانيا أن تكون لاعباً، إن لم يكن في أوروبا، ففي الجانب البعيد من العالم. وحتى القوى العظمى الجديدة، نسبياً، يجب أن تعترف بأن حاملات الطائرات هي بطاقة الاتصال للبحرية الجادة في أعالي البحار، والتي تقدر قيمتها بمكانتها أو رمزيتها بقدر ما تقدر بقدرتها على إبراز القوة على مسافات كبيرة. وفي الماضي، حدث وأن جاءت البحرية الأميركية الشابة، حينها، لمساعدة البحرية الملكية، والآن أصبح الأمر على العكس من ذلك.
وتقضي حاملة الطائرات البريطانية «أمير ويلز» أكثر من ثلاثة أشهر على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وتختبر عشرات الأنواع من الطائرات، بما في ذلك ثلاث طائرات بدون طيار. وما لا يحتاج إلى الكثير من الاختبار هو اتساع وعمق العلاقة الخاصة التي تربط بين هاتين القوتين البحريتين.
إن «ويستلانت 23»، كما يطلق على عملية الانتشار هذه، ليست عملية بقدر ما هي فرصة للحليفين المحترفين للغاية لقضاء بعض الوقت المفيد معاً، بما في ذلك التبادلات والتدريب ومشاركة التكنولوجيا. وتمت إعادة تأهيل بعض الطيارين والمدربين الأميركيين للهبوط فوق حاملة الطائرات البريطانية. وعلى غير العادة، يتم نقل السفينة البريطانية إلى موطنها في نورفولك طوال هذه المدة.
وتعمل الحاملة «أمير ويلز» في المحيط الأطلسي، كما فعلت السفينة الشقيقة «يو كاي»، ولكن كل الأنظار تتجه نحو مجموعة بعيدة ومختلفة من البحار.
و«أمير ويلز»، وهي في حد ذاتها حاملة طائرات ضخمة، تتجه ببطء نحو آسيا، في مرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقد تكون بريطانيا متأخرة عن غيرها، بعض الشيء، في ما يخص الاستراتيجية، ولكن تم الحديث عن منطقة «المحيطين الهندي والهادئ»، في المحادثات مع الجميع، على كل المستويات. إنه مؤشر على تحول ملموس في السياسة الخارجية البريطانية، وما يسمى بالميل نحو آسيا. ولعل قوة ونفوذ الولايات المتحدة لعبا دوراً في إقناع حليفتها وراء الكواليس.
عصر ذهبي
لسنوات، ابتعدت بريطانيا عن وجهات النظر الأميركية المتشددة، راغبة في الحفاظ على التدفق المستمر لأموال السائحين الصينيين وطلاب الجامعات القادمين إلى البلاد، إلى جانب الاستثمارات الأخرى. وقبل ما يقرب من عقد من الزمان، أعلن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ديفيد كاميرون، عن «العصر الذهبي» في العلاقات بين الصين والمملكة المتحدة. وفي عام 2022، قال رئيس الوزراء ريشي سوناك، خلال أول خطاب في مجال السياسة الخارجية، إن تلك الحقبة قد انتهت، وإن بكين تشكل «تحدياً نظامياً لقيمنا ومصالحنا». ومن الغريب أن وزير الخارجية البريطاني الجديد هو نفسه ديفيد كاميرون.
ولاتزال بريطانيا بعيدة عن المكان الذي وصلت إليه الولايات المتحدة في الدفاع عن تايوان (على الرغم من أن البيت الأبيض في عهد بايدن، في كثير من الأحيان، ليس في المكان الذي توجد فيه الولايات المتحدة في تايوان)، ولكن المملكة المتحدة بدأت تتقدم. وسلطت المراجعة البريطانية المتكاملة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية لعام 2021، التي تم تحديثها في عام 2023، الضوء على شراكات بريطانيا الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية، ووجودها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبعض العناصر الكبيرة هي الصفقة النووية الفرعية، المعروفة باسم «أوكوس»، الموقعة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا، والنشر الأمامي لبعض السفن الحربية في المنطقة. وحتى الآن، يقتصر الوجود البحري البريطاني في تلك المنطقة على اثنتين من سفن الدورية اللتين تثبتان التواجد، أكثر من أي شيء آخر.
نطاق محدود
وتستمر الحكومة البريطانية في الترويج لميلها نحو المحيط الهادئ، واستئنافها لموقف «بريطانيا العالمية» الأمني، على الرغم من أن معظم الالتزامات الدفاعية حتى الآن محدود النطاق. وفي الشهر الماضي، قال البرلمان بشكل أساسي إن بريطانيا بحاجة إلى التوسع، ويتعلق الأمر بالدفاع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن بريطانيا ليست وحدها.
وفي منتصف ثلاثينات القرن الـ20، واجه مخططو البحرية الأميركية مشكلة غير قابلة للحل في المحيط الهادئ. وهددت اليابان، التي أصبحت الآن غير مقيدة بقيود المعاهدة على بناء السفن، بتجاوز قدرة البحرية الأميركية على الدفاع عن المصالح الأميركية في الشرق الأقصى. وخلُص المخططون إلى أن التوصل إلى اتفاق غير رسمي مع بريطانيا لتقاسم العبء قد يؤدي إلى ترجيح كفة الميزان مرة أخرى. واليوم، تتفوق بكين على البحرية الأميركية، وتهدد مرة أخرى بإخراجها من غرب المحيط الهادئ، لذا فإن القوات البحرية المتحالفة والصديقة تلتصق ببعضها بعضاً، كما كان الحال في الفترات السابقة، في معارضة واضحة للنفوذ الصيني.
أصول قيمة
وينظر المخططون في البنتاغون ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ إلى حاملة الطائرات البريطانية الجديدة، والقطع العاملة على ظهرها، باعتبارها شيئاً يمكن تدريبه ليصبح أحد الأصول القيمة في أعالي البحار. ومن الصعب أن ننظر إلى «ويستلانت 23» على أنه أي شيء سوى شراكة أخرى استراتيجية مثل «أوكوس». وستصبح حاملة الطائرات البريطانية «أمير ويلز»، جاهزة للعمل في عام 2024، وستضم مجموعتها الجوية الخاصة، بما في ذلك طائرات «إف 35 ب»، وستوجد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في عام 2025.
ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، قد تكون مشاركة حليفتها ضئيلة. يجدر الذكر، أن البحرية الأميركية أنهت الحرب العالمية الثانية، وكان بحوزتها أكثر من 6000 سفينة، وتجاوز عدد السفن 600، مع نهاية الحرب الباردة، ولكن البحرية البريطانية لجأت إلى اليابان طلباً للمساعدة في أوائل القرن الـ20، لتغطية مناطق المحيط الهادئ، عندما كانت تحت الضغط، وتدخل الأميركيون لمساعدة بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، وساعد بعضهم بعضاً في الثانية، ويبدو أن الوقت قد حان للتعاون الاستراتيجي، مرة أخرى.
• 6000 سفينة كانت بحوزة أميركا خلال الحرب العالمية الثانية.
• ينظر المخططون في البنتاغون إلى حاملة الطائرات البريطانية الجديدة باعتبارها شيئاً يمكن تدريبه ليصبح أحد الأصول القيمة في أعالي البحار.
تحالف بحري
دخلت حاملة الطائرات البريطانية «الملكة إليزابيث» الخدمة في مايو 2021، وتزن 65 ألف طن، وتحمل على متنها ثماني مقاتلات بريطانية و10 أميركية، إضافة إلى 250 من مشاة البحرية الأميركية ضمن طاقم قوامه 1700 فرد. وقادت حاملة الطائرات القافلة إلى جانب مدمرتين وفرقاطتين وغواصة وسفينتي دعم، خلال رحلتها التي قطعت 26 ألف ميل بحري، على مدى 28 أسبوعاً. وانضمت إلى المجموعة مدمرة أميركية وفرقاطة من البحرية الهولندية.
وأبحرت المجموعة في بحر الصين الجنوبي، الذي تتنازع الصين ودول بجنوب شرق آسيا على السيادة في أجزاء منه، في طريقها إلى بحر الفلبين. وتوقفت السفن في الهند وسنغافورة.