ألمانيا تستثمر بكثافة في التحوّل الأخضر.. رغم أزمة الميزانية
قال المستشار الألماني، أولاف شولتس، الثلاثاء، إن حكومته ستواصل «الاستثمار بكثافة» في التحديث والتحوّل الأخضر لاقتصاد بلاده، لكنه لم يقدم تفاصيل كيفية قيام ائتلافه بدفع تكاليف ذلك، وسط أزمة الميزانية التي قيدت بشكل حاد ميزانية الحكومة، ومن ثم القدرة على الإنفاق.
وقال المستشار للمشرّعين: «علينا الآن أن نضمن أننا في ألمانيا قادرون على تحويل اقتصادنا، والبقاء قادرين على المنافسة كدولة صناعية قوية». وأضاف: «يعني هذا أن الحكومة يجب عليها الآن الاستثمار بكثافة، وبذل كل ما في وسعنا لدفع التحوّل في مجال الطاقة في ألمانيا وأوروبا إلى الأمام».
والمشكلة بالنسبة لشولتس، هي أنه من غير المرجح أن توافق «المعارضة المحافظة» على مقترحات لتخفيف القيود المالية الملزمة قانوناً، والتي فرضها القادة الألمان على أنفسهم، ما يترك الائتلاف الحاكم الثلاثي تقريباً دون أي مخرج من أزمة الميزانية التي تنطوي على صعوبات عميقة بسبب تخفيضات الإنفاق.
وكان ائتلاف شولتس في حالة من الفوضى، منذ وقت سابق من هذا الشهر، عندما قضت المحكمة العليا في البلاد بأنه من غير الدستوري أن تقوم الحكومة بإعادة توظيف 60 مليار يورو المتبقية من صندوق الطوارئ الخاص بفيروس «كورونا» لمشروعات المناخ. كما حدّ الحكم من قدرة الحكومة على الاستفادة من مجموعة متنوّعة من الصناديق الخاصة التي تم إنشاؤها للتحايل على آلية كبح الديون المنصوص عليه دستورياً في البلاد، والتي تقيد العجز الفيدرالي إلى 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي باستثناء أوقات الطوارئ.
وأجبرت أزمة الميزانية الحكومة على تجميد تفويضات الإنفاق الجديدة وتعليق الموافقة على موازنة العام المقبل. كما أجبرت الحكومة على السعي إلى إعلان حالة الطوارئ بأثر رجعي، وتعليق كبح الديون لعام 2023. وكشفت حكومة شولتس، الأسبوع الماضي، عن ميزانية تكميلية لعام 2023، التي يجب أن يوافق عليها البرلمان.
ولايزال من غير الواضح كيف سيتمكن الائتلاف الحاكم من سدّ فجوة تقدر بنحو 20 مليار يورو في ميزانية العام المقبل. وتمويل العديد من الإعانات - التي تهدف إلى تسريع التحوّل الأخضر - أصبح موضع شك بسبب أزمة الميزانية. ويشمل ذلك الإعانات لمساعدة مصانع الصلب على التحوّل إلى الطاقة الهيدروجينية، فضلاً عن الاستثمارات في مصانع البطاريات والرقائق الدقيقة.
مضايقات حزبية
مع ذلك، قال شولتس: «إن حكومته ستستمر في تمويل مثل هذه الاستثمارات، دون أن يوضح كيف». وتابع: «أينما نظرت، سواء كانت الولايات المتحدة أو فرنسا أو الصين أو اليابان، فإن الحكومات مشغولة بالاستثمار بكثافة في المستقبل». وأضاف أنه «يتعين على ألمانيا ألا تخسر أرضها في هذه المسابقة، بل أن تأخذ مكانة رائدة».
وتمت مقاطعة خطاب شولتس بشكل متكرر، بسبب مضايقات من أحزاب المعارضة من يمين الوسط واليمين المتطرف. وقال فريدريش ميرز، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي ينتمي إلى يمين الوسط، في خطاب أعقب تصريحات شولتس: «إنه ببساطة أمر محرج ما نراه ونسمعه منك هنا»، متابعاً: «ليس لديك أي فكرة عن كيفية تطوير هذا البلد في السنوات المقبلة».
وقال ميرز: «إن حزبه لن يدعم إصلاح نظام كبح الديون للسماح للحكومة بمزيد من الفسحة المالية كما دعا البعض، حتى داخل حزبه». وقال في تعليق موجه إلى المستشار: «لن نساعدكم على العودة إلى النمط الديمقراطي الاشتراكي القديم، المتمثل في الدين الوطني المتزايد باستمرار». كما هدد ميرز بتقديم طعن قانوني إذا حاولت حكومة شولتس تعليق كبح الديون مرة أخرى في عام 2024 من خلال إعلان حالة الطوارئ.
ويبدو أن هذا لا يترك للحكومة خيارات كثيرة سوى خفض الإنفاق. وفي وقت يتسم بالركود الاقتصادي لفترة طويلة، فإن مثل هذه التخفيضات قد تكون في توقيت سيئ بشكل خاص. وتعهد المستشار في كلمته بأن أزمة الميزانية لن تؤثر في المزايا الاجتماعية، مثل إعانات الأطفال والمعاشات التقاعدية.
وفي الوقت نفسه، قال إن «الدعم لحماية المستهلكين والشركات الصغيرة من ارتفاع أسعار الطاقة - الذي تم تمويله من خلال صندوق خاص بقيمة 200 مليار يورو أثار جدلاً في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى - سينتهي في نهاية العام». وكان من المفترض في البداية أن يستمر الدعم حتى نهاية مارس، لكن شولتس قال إنه لم يعد مهماً منذ انخفاض أسعار الطاقة.
ميزانية طارئة
لم يقدم شولتس أي إشارة محددة حول الموعد الذي ستضع فيه حكومته ميزانية لعام 2024. وإذا لم يتم الانتهاء من ميزانية العام المقبل قبل نهاية هذا العام، فستحتاج الحكومة الألمانية إلى بدء عام 2024 بميزانية طارئة من شأنها أن تحد من خطط الإنفاق الجديدة. وأشار أعضاء في الحكومة الألمانية، إلى أنه لن يكون هناك اتفاق سريع على ميزانية العام المقبل.
وكتب وزير المالية الألماني زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، كريستيان ليندنر، في رسالة إلى الائتلاف الحاكم في ألمانيا: «ستظل هناك حاجة إلى بذل جهود كبيرة لوضع اللمسات النهائية على الميزانية الفيدرالية لعام 2024»، موضحاً: «سيتعين علينا إجراء مناقشات مكثفة، وهو ما لن يكون سهلاً دائماً».
كما تعرض شولتس لانتقادات شديدة من المعارضة، لأنه لم يقدم اعتذاراً مباشراً للألمان عن ممارسات الميزانية التي أدت إلى الأزمة الحالية. وقال ميرز في البرلمان: «على الأقل كلمة أسف، إن لم تكن اعتذاراً، كانت ستكون مناسبة». وفي نهاية المطاف، عاد الأمر إلى الرئيسة المشاركة للمجموعة البرلمانية لحزب الخضر، كاتارينا دروج، لإصدار اعتراف بالذنب للائتلاف الحاكم، وقالت: «لقد أخطأنا في الحكم على هذا بشكل جماعي، ونأسف لذلك.. لم يكن ذلك جيداً لأحد».
• 20 مليار يورو هي الفجوة في ميزانية ألمانيا للعام المقبل.
• من غير المرجح أن توافق «المعارضة المحافظة» على مقترحات لتخفيف القيود المالية الملزمة قانوناً.
صديق المناخ
التحوّل إلى مصادر الطاقة المتجدّدة لا يتطلب الاكتفاء بتركيب خلايا الطاقة الشمسية أو بناء عنفات طاقة الرياح فقط، وإنما يشمل أيضاً تمديد خطوط نقل التيار الكهربائي، وإنشاء العديد من محطات الشحن من أجل السيارات الكهربائية. وأحد الأشياء المهمة في تحوّل الطاقة هو الهيدروجين الأخضر.
وسيكون لاستخدامه أثر كبير في تحوّل ألمانيا إلى بلد صناعي حيادي لجهة المناخ بحلول عام 2045. والحكومة الألمانية الاتحادية تدعم استخدام هذا الغاز الصديق للمناخ، من خلال استراتيجية الهيدروجين الوطنية.