المناهضون للمهاجرين يتصدّرون المشهد السياسي في أوروبا
في أعقاب الفوز المفاجئ الذي حققه السياسي المناهض للإسلام، خيرت فيلدرز، في الانتخابات الهولندية، تقوم النخب الأوروبية بمسح المشهد السياسي بعصبية، بحثاً عن علامات لما سيأتي، بما في ذلك مزيد من الانتصارات المفاجئة لمرشحي اليمين المتطرف.
إن ما يرونه يكفي لإثارة الخوف لأي سياسي أو مواطن وسطي محب للاتحاد الأوروبي. ففي نحو 12 دولة أوروبية - بما في ذلك فرنسا وألمانيا - تتصدّر الأحزاب المتشددة المناهضة للهجرة، وبعضها أكثر تطرّفاً من فيلدرز، استطلاعات الرأي، أو تأتي في المركز الثاني.
إن كفاح أوروبا للسيطرة على الهجرة غير النظامية، وأزمة تكاليف المعيشة، ليس أمراً جديداً، ولكن الجديد هو الحرب بين إسرائيل و«حماس» التي تؤجج التوترات الحضارية في قلب العديد من الدول الأوروبية، التي تضم أعداداً كبيرة من السكان المسلمين، كما يقول محللون ونشطاء سياسيون بارزون لمجلة «بوليتيكو».
وبينما تجتذب الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين عشرات الآلاف من الأشخاص إلى شوارع المدن، من لندن إلى برلين، على خلفية القلق المتزايد بشأن الهجرة والإرهاب والاقتصاد، فإن السياسيين اليمينيين المتطرفين الذين خدموا لفترة طويلة، مثل فيلدرز، والمرشحة الرئاسية الفرنسية، مارين لوبان، لا يفعلون ذلك، بل لا يحتاجون بالضرورة إلى رفع مستوى الخطاب.
ومن المؤكد أن التظاهرات لعبت لصالحهم، وزعماء الأحزاب اليمينيون المتطرفون يعرفون ذلك. وفي إحدى المناظرات التي سبقت الانتخابات، قال فيلدرز: «من أين يأتي كل هؤلاء الناس؟ هل هذا بلدي؟»، خلال تعبيره عن غضبه من الاحتجاجات التي شابتها حوادث مزعومة تتعلق بمعاداة السامية. وفي الوقت نفسه، تتودّد لوبان للجالية اليهودية القلقة في فرنسا، وتدعم إسرائيل بشكل صاخب، وتشارك في مسيرة ضد معاداة السامية، على الرغم من التاريخ الفاضح لحزبها.
حصاد الفوائد
ومع ذلك، فإنهم لا يشاركون في الحملة الشاملة التي يشنّها الديمقراطيون السويديون، والتي دعت إلى تسوية المساجد بالأرض. وبدلاً من ذلك، فإنهم يحصدون فوائد «العلامات التجارية» المناهضة للمؤسسة التي بنوها بشق الأنفس، على مدى عقود من الزمن، في محاولة للظهور بشكل أكثر قبولاً، قبل انتخابات الاتحاد الأوروبي. وفي هولندا، كان فيلدرز الذي تراجعت شعبيته هو الذي قفز بشكل غير متوقع إلى قمة استطلاعات الرأي في الأيام الأخيرة، قبل الانتخابات العامة.
ولكن تخفيف حدة الرسائل السياسية لا يعني أن زعماء اليمين المتطرف يتخلّون عن معتقداتهم الأساسية، ولا يحاولون جذب الناخبين الذين يتجهون أكثر نحو اليمين. وفي ذلك يقول المتخصص في الحركات اليمينية المتطرفة بأوروبا في مؤسسة جان جوريس التي تتخذ من باريس مقراً لها، جان إيف كامو: «لقد تجاوز الأمر الهجرة. إنه الشعور بصراع الحضارات، والشعور بوجود احتكاكات بين الإسلام والغرب».
ويضيف كامو: «إنه خوف يعبّر عنه الجناح اليميني للمحافظين، حيث يُنظر إلى الإسلام على أنه مخالف لأسلوب الحياة الأوروبي، وحيث يُنظر إلى أوروبا على أنها فقدت السيطرة على حدودها». ومع بقاء أقل من عام قبل أن يختار الناخبون في الاتحاد الأوروبي برلماناً جديداً، فإن هذا المزيج العنيف - الذي يمزج أزمة الهجرة مع تجدّد المخاوف من الإسلام السياسي - يجعل الأحزاب الحاكمة تتعرّق.
ركوب الموجة
وفي الأسابيع التي سبقت الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي في هولندا، لم يقم فيلدرز بحملته الانتخابية على أساس برنامج مناهض للإسلام، ولم يُثر الغضب ضد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في المدن الأوروبية، بل ركّز بدلاً من ذلك على قضايا مهمة، مثل توفير السكن للهولنديين.
وبالنسبة للناخبين الذين قد يكونون قلقين بشأن الإسكان، وصراع الحضارات المزعوم، فقد ظهر باعتباره الاختيار الواضح.
وكتب المتخصص في السياسة الهولندية في معهد ساينس بو، كريستوف دي فوغد: «إن الأزمة في الشرق الأوسط لعبت دوراً حاسماً وإضافياً»، موضحاً في صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، أن حزب فيلدرز «حزب من أجل الحرية هو تاريخياً مؤيد للغاية لإسرائيل. والاحتجاجات المؤيدة لـ(حماس) والمعادية للسامية بشكل واضح أزعجت الأغلبية الصامتة التي كانت دائماً تتعاطف مع إسرائيل».
ووفقاً للباحث في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، ميلان نيتش، فقد لعبت الاحتجاجات دوراً في انتصار فيلدرز، لكن اهتمامه كان - في الواقع - يتركز في مكان آخر. وقال نيتش، إن الحركات اليمينية المتطرفة أصبحت «ذكية في استراتيجيتها»، متابعاً: «إذا كانوا واثقين بأنهم لن يخسروا أصواتهم الأساسية، فإنهم ينتقلون إلى الوسط» للحصول على «بضع نقاط إضافية».
ومباشرة بعد فيلدرز، فإن المثال الأكثر وضوحاً للسياسي الذي يأمل جني فوائد علامته التجارية السياسية، هي لوبان.
فبعد أن أمضت سنوات عديدة تحذّر من «الهجرة الجماعية» و«الإسلام الأصولي»، لم تعد بحاجة إلى قرع تلك الطبول الخطابية بقوة، لجعل الناخبين يعرفون ما تشعر به، بل على العكس من ذلك.
ويقول أحد مستشاري لوبان: «لم نعد بحاجة إلى أن نكون متطرفين حتى يتم سماعنا»، متابعاً: «إنها مثل فيلدرز إلى حد ما، فهو لم يقم بأي أعمال مثيرة كبيرة في الأسابيع الأخيرة من حملته». وأضاف: «كلما اقتربت من السلطة، كلما كان عليك أن تكون واقعياً وعملياً».
مكافحة التمييز
وتغير لوبان - الفائزة بنسبة 41% من الأصوات الوطنية في مواجهتها مع الرئيس، إيمانويل ماكرون، عام 2022 - استطلاعات الرأي. ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه معهد «إيفوب»، ونشر في 30 أكتوبر، فإن المحامية السابقة في طريقها للوصول إلى جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، متجاوزة منافسها الافتراضي من يمين الوسط، رئيس الوزراء السابق، إدوارد فيليب، بنسبة 6%.
وتقول الأحزاب الرئيسة إنها لا تنخدع بتكتيكات اليمين المتطرف. وبالنسبة لحزب ماكرون، لم يكن قرار لوبان بالانضمام إلى مسيرة ضد معاداة السامية علامة على التطبيع، بل حيلة لزعزعة التوازن الهش، متعدد الثقافات، في بلد يضم أكبر عدد من السكان المسلمين واليهود في أوروبا. وقال أحد أعضاء البرلمان الأوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته، بسبب حساسية القضية، إن اليمين المتطرف يحاول خلق «قضية حضارية» حول مكافحة التمييز.
ويرى العديد من المحللين أن الهجرة، والحرب بين «حماس» وإسرائيل، والشعور بالإرهاق من الأحزاب الرئيسة، وانعدام الأفق بشأن الحرب في أوكرانيا، تتحول إلى اصطفاف غير مسبوق من قبل قادة أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، حيث يحاول العديد منهم الاستيلاء على أرضية الوسط.
وفي البرتغال، شهد حزب «تشيغا» اليميني المتطرف، الذي تأسس قبل أربع سنوات فقط، ارتفاعاً في تأييده إلى 13.5%. وفي إيطاليا، ربما لم تنجح رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني، في خفض الأعداد المطلقة للمهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى شواطئ بلادها، لكن آراءها الراسخة المناهضة للهجرة، ساعدت في الحفاظ على شعبيتها عند مستوى تحسد عليه.
• تتودّد لوبان للجالية اليهودية القلقة في فرنسا، وتدعم إسرائيل بشكل صاخب، وتشارك في مسيرة ضد معاداة السامية.
• %13.5 نسبة التأييد لحزب «تشيغا» اليميني المتطرف في البرتغال.