ظلت تعاني ألماً شديداً في كل جزء من جسمها منذ طفولتها
فيكتوريا غراي شفيت تماماً بفضل «ثورة» في علاج فقر الدم المنجلي
تقول فيكتوريا غراي إن حياتها تغيرت تماماً إلى الأفضل عندما استيقظت صباح أحد الأيام، وشعرت بشيء غير مألوف في جسمها، وهو أنها لم تعد تشعر بأي ألم على الإطلاق، وعندها شعرت بالتوتر، وطلبت من أبنائها المجيء إلى غرفة نومها. وقالت لصحيفة التايمز: «أعلم أن هذا يبدو جنوناً، لكنني كنت خائفة، أردت التأكد من أنني لم أمت، ومازلت أعيش».
وبعد أن طمأنها أبناؤها بأنها لاتزال على قيد الحياة، قرصت نفسها للتأكد من أنها لم تصب بالخدر، وشعرت للمرة الأولى بألا شيء يؤلمها في أي جزء من جسدها.
تعديل الحمض النووي
قبل أشهر، وافقت غراي (38 عاماً) على أن تكون أول شخص يتلقى علاجاً تجريبياً لمرض فقر الدم المنجلي، الذي يصيب نحو 17 ألف شخص في المملكة المتحدة. لقد كان هذا أول علاج لأي حالة تتضمن تعديل الحمض النووي للمريض باستخدام أداة بيولوجية ثورية جديدة، تُعرف باسم «كريسبر-كاس»، وقد نجح بالفعل.
كان جسم غراي، منذ الطفولة، ينتج خلايا دم حمراء غير طبيعية، وكانت هذه الخلايا المنجلية لزجة وصلبة، سدت أوعيتها الدموية، وألحقت أضراراً بأعضائها. ومن المفترض أن يموت بعض المصابين بهذا المرض في مرحلة الطفولة، بينما يظل آخرون يعانون نوبات مؤلمة للغاية كل عام طوال حياتهم. وكان العلاج الوحيد طويل الأمد هو زرع نخاع العظم، الذي يتطلب متبرعاً مناسباً، وينطوي على خطر الرفض والوفاة.
العلاج المقدم لغراي، التي تعيش في ولاية مسيسيبي الأميركية، تمت الموافقة عليه من قبل الهيئة التنظيمية الطبية في المملكة المتحدة، الشهر الماضي، وهو يختلف جوهرياً عن أي علاج سابق. وخلال العلاج التجريبي، تم جمع المليارات من الخلايا الجذعية لنخاع العظم، التي تنتج خلايا الدم الحمراء، وتم «تحرير» حمضها النووي في المختبر. وتم تعطيل جين واحد، ما يعني أن خلايا الدم لديها تنتج الآن مادة تعرف باسم الهيموغلوبين الجنيني، الذي يتوقف الجسم عادة عن إنتاجه في مرحلة الطفولة، والذي يعكس أعراض فقر الدم المنجلي.
تم حقن الخلايا المعدلة في الشريان، ووجدت طريقها إلى عظامها. فقد أدى هذا العلاج إلى عكس مرض كان قد حول حياة غراي إلى سلسلة من الأحداث المؤلمة، والإقامة الطويلة في المستشفى، وعمليات نقل الدم المتكررة، والتعب المستمر والإرهاق، ووصفات طبية لمسكنات الألم القوية.
وقالت: «أقدم ذكرياتي مع الألم كانت منذ أن كنت في الثالثة أو الرابعة من عمري»، وتضيف «كنت في المدرسة، ألعب، وأقضي يوماً جميلاً، ثم يهاجمني الألم، ويبدأ الوخز في إحدى الذراعين، ثم يتحول إلى ألم ينتقل عبر صدري، مثل انتقال الكهرباء تماماً».
تقول «كان أهلي يسألونني عن مكان الألم، ولا أستطع أن أخبرهم بالحقيقية، لأن كل شيء من أطراف أصابعي إلى قدمي كان يؤلمني. ولم أستطع فعل أي شيء سوى البكاء». عندما كانت طفلة، حاولت إخفاء حالتها عن أقرانها، وقالت: «لم أرغب في أن أكون الصديقة التي تظل مريضة دائماً». وبعد ذلك بوقت طويل، واجه أحد أطفالها صعوبة في النوم، خوفاً من أن يتسبب مرض فقر الدم المنجلي في وفاة والدته أثناء الليل.
تطوير العلاج
تم تطوير العلاج الجديد، الذي يسمى «كاسجيفي»، من قبل شركتين أميركيتين في مجال التكنولوجيا الحيوية، هما «كرسبر ثيرابيتكس» و«فيرتيكس». ووافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية، الجمعة الماضي، على استخدام دواء كاسجيفي في البلاد للمرضى الذين يعانون مرض فقر الدم المنجلي.
بدأت التجربة في صيف عام 2019، عندما تم إعطاؤها حقنة لتحفيز خلايا نخاع العظم على الانتقال إلى دمها، ثم تم تمريرها عبر آلة لجمعها. كانت تلك الخطوة سهلة نسبياً، لكن الخطوة التالية تضمنت العلاج الكيميائي لقتل خلايا النخاع المتبقية غير المعدلة. وفقدت شعرها، وأصيبت بقروح مؤلمة في فمها وحلقها. وقالت: «أنا معتادة على الألم، لكن ذلك كان مجالاً جديداً». وبعد إعادة حقن الخلايا المعدلة، كان عليها أن تتخلص من مسكنات الألم، وهي أدوية تسبب الإدمان مخصصة عادة لمرضى السرطان، والتي كانت تتناولها منذ عقود.
في ربيع عام 2020، عانت أعراض الانسحاب، حيث أدى الاضطراب الذي أحدثه الوباء إلى عدم حصولها على الرقع الأفيونية التي كانت تستخدمها لتخفيف الألم. تقول «كنت أشعر بالكثير من القلق، والتعرق، ولم أستطع التفكير بشكل صحيح». ظلت ملازمة المنزل مع أطفالها الثلاثة (توأمان يبلغان 12 عاماً وطفل يبلغ 13 عاماً)، وكان زوجها، الذي يعمل في الجيش، في مهمة عسكرية.
قالت: «كان هذا الجزء من رحلة العلاج هو الأصعب بالنسبة لي، لكن النتائج كانت معجزة، أشعر بأنني ولدت من جديد». كانت غراي تحتاج في الماضي إلى المساعدة في الاستحمام وتمشيط شعرها، لكنها الآن تعمل 40 ساعة في الأسبوع في قسم التجميل في السوبر ماركت، وبعد ثلاث سنوات، أصبحت خالية تماماً من الألم. ومن خلال التجارب، حصل العشرات من المرضى الآخرين على نتائج مماثلة.
تقول «سأعيش بشكل طبيعي، ويمكنني حضور مناسبات أطفالي، سأتمكن من رؤية ابنتي في عيد ميلادها»، وتمضي قائلة «يجب أن أعتني بنفسي».
تلقت العلاج مجاناً كمشاركة في التجربة، لكن من المتوقع أن تبلغ كلفة عقار «كاسجيفي» نحو مليوني دولار لكل مريض. وتشعر غراي بالقلق من أن يكون علاج هذا المرض بعيداً عن متناول العديد من المصابين به، حيث يصيب هذا المرض الأميركيين من أصل إفريقي في الولايات المتحدة بمعدل أعلى بكثير من الأشخاص البيض. وفي حين تمت الموافقة عليه من قبل الهيئة التنظيمية في المملكة المتحدة، لم يتم بعد تحديد ما إذا كان سيكون متاحاً في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في أميركا أم لا.
تعافي 28 من أصل 29 في التجارب
أصبحت بريطانيا أول دولة تسمح بعلاج طبي يستخدم أداة ثورية لتحرير الجينات تعرف باسم كريسبر، ما يوفر الأمل لآلاف المرضى الذين يعانون من اثنين من اضطرابات الدم الخطرة. هذا العلاج المسمى «كاسجيفي» مخصص لمرض الخلايا المنجلية والثلاسيميا بيتا، وكلها حالات موروثة ناجمة عن خلل في الجينات التي تنتج الهيموغلوبين.
ويتضمن العلاج الجديد تعديل الحمض النووي لخلايا نخاع عظم المريض، التي تنتج خلايا الدم الحمراء، في المختبر. عن طريق تغيير جين واحد، يمكن عكس أعراض مرض الخلايا المنجلية والثلاسيميا بيتا، وربما بشكل دائم.
وفي التجارب، تعافى 28 من أصل 29 مريضاً بالخلايا المنجلية من الألم الشديد، ولم يعد 39 من 42 مريضاً بمرض الثلاسيميا بيتا بحاجة إلى عمليات نقل دم لمدة عام على الأقل.
وشملت التجارب 15 مريضاً بريطانياً، ستتم مراقبتهم بحثاً عن آثار جانبية، بما في ذلك أي آثار ناجمة عن أي تعديلات جينية غير مقصودة «خارج الهدف»، على مدار الـ15 عاماً المقبلة. ويعاني نحو 16 ألف مريض من مرض فقر الدم المنجلي في المملكة المتحدة، ويقدر أن ما بين 2000 إلى 3000 مريض مصابون بالثلاسيميا بيتا. ومن المرجح أن تقتصر عملية تحرير الجينات على الحالات الشديدة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها ستكون مكلفة، ولكن أيضاً لأنها ليست خالية تماماً من المخاطر.
• استيقظت صباح أحد الأيام وشعرت بشيء غير مألوف في جسمها وهو أنها لم تعد تشعر بأي ألم على الإطلاق.
• من المتوقع أن تبلغ كلفة عقار «كاسجيفي» نحو مليوني دولار لكل مريض. وتشعر غراي بالقلق من أن يكون علاج هذا المرض بعيداً عن متناول العديد من المصابين به، حيث يصيب هذا المرض الأميركيين من أصل إفريقي في الولايات المتحدة بمعدل أعلى بكثير من الأشخاص البيض.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news