سياساته تفرض تحديات على قيادات «المحافظين» و«العمال»
ترامب قد يغير السياسة البريطانية إذا فاز في الانتخابات الرئاسية
نعلم على وجه اليقين أنه ستكون هناك انتخابات العام المقبل في بريطانيا. ويمكن ان يغير التصويت كل شيء. وربما يكون هذا بالفعل أحد أهم الأحداث في تاريخ بريطانيا ما بعد الحرب في الشرق الاوسط. قد يظل هذا الحدث في الذاكرة لعقود، وربما حتى لقرون، باعتباره حدثًا سياسيًا بارزًا، حيث سيتحدث الناس عن الهوة التي تفصل بين السنوات التي سبقته والسنوات التي تلته. وفي عام 2024 ايضاً سيتوجه الناخبون في الولايات المتحدة الأميركية إلى صناديق الاقتراع.
أنا لا اقلل من أهمية الانتخابات البريطانية، التي نتوقع تنظيمها أيضًا في عام 2024، فمن المحتمل أن تقود إلى تغيير في الحكومة، وهذا دائمًا ما يكون له عواقبه. ويمكن أن تؤدي إلى زلزال سياسي، يترك بصمته السياسية لعدة سنوات. ومع ذلك، فإن الانتخابات الأميركية هي التي تتمتع بقدرة أكبر على اقتلاع سفينة دولتنا من مراسيها.
وهذا ليس لأن تغيير رؤساء الوزراء البريطانيين لن يحدث فرقاً كبيراً، بل لأن تغيير الرؤساء الأميركيين قد يُحدث مثل هذا التغيير العظيم في بريطانيا.
خلال المائة عام الماضية، كانت هناك مناسبتان فقط تزامنت فيهما المراحل الأخيرة من الحملات الانتخابية الأميركية والبريطانية. وفي كلتا الحالتين لم يؤثرا بشكل كبير على بعضهما البعض. وبرزت التحالفات الأجنبية بقوة في الحملة الانتخابية البريطانية عام 1924 بين رامزي ماكدونالد من حزب العمال وستانلي بالدوين من المحافظين. لكن لا يبدو أن الاحداث الانتخابية المتزامنة للرئيس الأميركي كالفين كوليدج قد اثرت عليها.
في الفترة التي سبقت انتخابات عام 1964، حاول السياسي البريطاني، هارولد ويلسون عمداً أن يستغل بعضاً من الإثارة التي تتسم بها الحملات الانتخابية الأميركية، وأشار إلى أنه قادر على جلب الوسائل الانتخابية الحديثة للرئيس الراحل جون إف كينيدي إلى عشرة داونينغ ستريت. الا أن مسيرة الرئيس ليندون جونسون نحو النصر الساحق في الولايات المتحدة لم تتقاطع ابدا مع الحملة الانتخابية البريطانية بأي شكل من الأشكال.
أعتقد أن عام 2024 سيكون مختلفًا. إذا أجرى رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك انتخابات في أكتوبر أو نوفمبر (على الرغم من توقعاتي الخاصة بشهر مايو، فإنني أتوقع أن يكون موعد الانتخابات تلك في الخريف)، فإن الأسابيع القليلة الأخيرة قبل التصويت ستشهد أيضًا حملة انتخابية أميركية مضطربة للغاية. في كل يوم، سوف تكون الأخبار المتعلقة بسياساتنا مصحوبة بالضجيج الصاخب الناتج عن المناظرات في الولايات المتحدة. وعلى وجه الخصوص الضجيج الصاخب للرئيس السابق، وربما المرشح الرئاسي في هذه الانتخابات، دونالد ترامب.
ورغم التنبؤ بأن الإجراءات الجنائية بشأن ترامب وعدم أهليته الواضحة للمنصب قد تعيق ترشيحه، لا يبدو أن أياً منهما قد فعل شئيا من ذلك حتى الآن. ويبدو من المرجح بشكل كبير أن يكون هذا المرشح الجمهوري، وعلى هذا النحو، لديه فرصة جيدة للغاية للعودة إلى البيت الأبيض.
فإذا استطاع ذلك، فإن تأثيره سيكون عميقاً على هذا البلد. فهناك سمتان اصبحتا مرتبطتين ارتباطا وثيقا بسياسة ترامب وصارتا أكثر وضوحا في السنوات التي تلت تركه منصبه، ومن المتوقع أن تظهرا للسطح بقوة أكبر بكثير. وتتمثل السمة الأولى في محاولته العلنية تخريب الديمقراطية واستخدامه لغة الدكتاتوريين والطغاة. فقد تحدث الى مناصريه قائلا "أنا محاربكم أنا من يحقق لكم العدالة وأنا القصاص لمن ظلموكم وغدروا بكم??.
السمة الأخرى هي أن الانعزالية أصبحت تعني انفتاحاً أكثر على الزعماء الآخرين -الديكتاتوريين أو شبه الدكتاتوريين- الذين يعتقدون أنهم يجسدون العدالة والانتقام. وبالتالي، فإن نجاح ترامب، يعني أن تبتعد أميركا عن المعايير الديمقراطية نفسها وتتخلى عن دعمها الدولي للمعايير الديمقراطية. وأوكرانيا هي المكان الذي من المتوقع أن يتجلى فيه تخلي اميركا عن دعمها للديمقراطية.
ومن الصعب المبالغة في تقدير أهمية مثل هذا التغيير بالنسبة لبريطانيا. فمنذ اللحظة التي دخلت فيها الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية بعد بيرل هاربور، ظل أمن بريطانيا وسياستها الخارجية مرتبطين بشكل لا ينفصم مع الأمن الأميركي. وهذا الارتباط قوي للغاية لدرجة أنه يصعب علينا أن نتصرف بشكل مستقل عن اميركا، (كما أظهر رئيس وزراء بريطانيا الراحل، هارولد ويلسون خلال حرب فيتنام) ونبتعد عن تصرفات الولايات المتحدة.
إن العديد من حججنا حول الشؤون العالمية، والكثير من التمويل والمؤسسات العديدة، بما في ذلك الدفاع النووي، ترتكز على افتراض مفاده أن الولايات المتحدة هي في الأساس جهة فاعلة جيدة تعارض الجهات الفاعلة السيئة. وسيواجه هذا الافتراض صعوبة في البقاء على قيد الحياة بعد رئاسة ترامب الثانية.
علاوة على ذلك، منذ الحرب العالمية الثانية، كان للرأسمالية الأميركية والحجج حولها تأثير كبير. وعلى اليمين، كانت أفكار الدولة الصغيرة المحافظة وخفض الضرائب سمة مشتركة عبر المحيط الأطلسي. ولكن على اليسار أيضا، منذ أيام السياسي توني كروسلاند في الخمسينيات فصاعدا، حلت الفكرة الليبرالية الأميركية المتمثلة في الجدارة دون حواجز طبقية محل الاشتراكية تدريجيا. لذا، إذا أدركنا أن الديمقراطية الأميركية تفشل وأن هذا البلد يتفكك بشكل واضح، فسيكون ذلك مهماً بالنسبة للسياسيين من جميع الأنواع.
وبما أننا على بعد بضعة أشهر من الانتخابات، فإن هذه الأفكار لا تظهر كثيرًا في المناقشات السياسية في بريطانيا. ولكن قريبا سوف تجد طريقها للسياسة بالتأكيد. وهناك على الأقل فرصة جيدة لأن تصبح هذه الأفكار سمة كبيرة للحملة المقبلة. وعلى اليمين، سوف تقدم حملة ترامب المتصاعدة العون لأولئك المنحازين الى صف المعارض البريطاني نايجل فاراج. كل يوم سيكون هناك تعليق مشين جديد من المرشح الجمهوري (ترامب) وسيكون هناك ضغط مستمر على قيادة المحافظين للنأي بنفسها عنه. بعض المرشحين سيؤيدون ترامب، والبعض الآخر سيهاجمه. سوف يحث البعض على تأجيج مشاعر الشعبوية ضد سوناك، بينما يصر آخرون على رفضها. وسيسحب المحافظين في عدة اتجاهات.
وسيكون التحدي الذي يواجه حزب العمال مختلفا. وسيكون ترامب بؤرة الجدل. لكن وصول ترامب إلى الرئاسة سيكون مع ذلك بمثابة اختبار عسير. ومن شأن ذلك أن يثير نقاشاً حول السياسة الأمنية والتحالف الأطلسي، وهو ما أنا متأكد من أن السياسي العمال، السير كير ستارمر لا يفضله. ومن شأن ذلك أن يشكل مشكلة صعبة لرئيس الوزراء المقبل، من أي حزب.
ماذا سنفعل بشأن حلف شمال الأطلسي (ناتو) إذا كان ترامب لا يريد ذلك؟ ماذا عن حرب أوكرانيا إذا لم يدعم ترامب الرئيس الاوكراني، فلوديمير زيلينسكي؟ وماذا عن الأسلحة النووية إذا كان الرئيس الأميركي لا يمكن الوثوق به؟ وماذا عن الإنفاق الدفاعي إذا لم تدعمه الولايات المتحدة؟ وما هو دور قيادة التحالف الغربي إذا لم يعد من الممكن الوثوق بالولايات المتحدة؟ في الوقت الحالي، من غير المرجح أن تكون هذه قضايا انتخابية. وبحلول الوقت الذي نصل فيه إلى الخريف المقبل، أعتقد أنها قد تكون من صميم الانتخابات.
رغم التنبؤ بأن الإجراءات الجنائية بشأن ترامب وعدم أهليته الواضحة للمنصب قد تعيق ترشيحه، لا يبدو أن أياً منهما قد فعل شئيا من ذلك حتى الآن. ويبدو من المرجح بشكل كبير أن يكون هذا المرشح الجمهوري، وعلى هذا النحو، لديه فرصة جيدة للغاية للعودة إلى البيت الأبيض.
=======
ماذا سنفعل بشأن حلف شمال الأطلسي (ناتو) إذا كان ترامب لا يريد ذلك؟ ماذا عن حرب أوكرانيا إذا لم يدعم ترامب الرئيس الاوكراني، فلوديمير زيلينسكي؟ وماذا عن الأسلحة النووية إذا كان الرئيس الأميركي لا يمكن الوثوق به؟ وماذا عن الإنفاق الدفاعي إذا لم تدعمه الولايات المتحدة؟ وما هو دور قيادة التحالف الغربي إذا لم يعد من الممكن الوثوق بالولايات المتحدة
==========
عن التايمز اللندنية
دانيال فنكليستين
- محلل سياسي بالتايمز اللندنية
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news