الناخبون الأثرياء في «الريفييرا الفرنسية» مستعدون للتصويت لليمين المتطرف
في متنزه «كروازيت» الشهير في مدينة كان، استعاد جيل الطفرة الفرنسي المتقاعد، مؤقتاً، امتداد الشاطئ الذي استولى عليه المشاهير والسياح خلال أشهر الصيف. وهنا، وجه آخر لأوروبا لا يرغب أحد تقريباً في الحديث عنه.
وقال رجل مسن، بينما كان يشاهد غروب الشمس مع سيدتين وكلابهما الصغيرة، «الأمر بسيط: أنا أهتم فقط بالنزهات وصيد الأسماك والبولينغ». وكانت ملابس المجموعة أكثر فخامة من ملابس مراسل بوليتيكو، بما في ذلك ما كانت ترتديه الكلاب.
وعلى الرغم من أنه لم يكن على علم حتى بالانتخابات الأوروبية المقبلة - التي يحق لنحو 450 مليون ناخب، في 27 دولة، الإدلاء بأصواتهم فيها - فإن الفرنسي المسن، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، قال إنه إذا كان سيصوت، فإنه سيدعم حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان.
كانت هذه الزاوية الجنوبية الشرقية المترامية الأطراف من فرنسا، أو «كوت دازور» أو الريفييرا الفرنسية، لعقود من الزمن معقلاً لليمين السياسي، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى شيخوخة السكان والأيديولوجية القومية النابعة من عودة المستوطنين الفرنسيين من الجزائر في الستينات.
وتضم المنطقة نحو مليون شخص، معظمهم يعملون في الإدارة العامة أو صناعة السياحة، وأصبحت في السنوات الأخيرة أكثر تقبلاً للأفكار اليمينية، مع نجاح ممثلي اليمين المتطرف في الانتخابات المحلية.
وقال المؤلف تشارلز سابين، الذي ألف كتاباً عن صعود القوميين عبر القارة: إن الريفييرا الفرنسية يمكن أن تكون دليلاً على أن الأيديولوجية اليمينية أصبحت أكثر قبولاً.
وأمضت لوبان السنوات العديدة الماضية في السعي إلى توسيع قاعدتها المتشددة من خلال كسب المزيد من الناخبين من الطبقة المتوسطة والبرجوازيين. وتأمل أن يكون هذا هو الجزء الأخير من اللغز الذي سيوصلها إلى السلطة.
معتقدات سياسية
بينما كان يمشي مع كلبه بعد يومه في العمل في فندق فخم في مدينة كان، قال إيريك لابون، وهو رجل في الخمسينات من عمره يرتدي سترة منتفخة لامعة، إن العديد من أصدقائه قد غيّروا نظرتهم، وأصبحوا عنصريين بشكل علني. ويقول بعضهم إنهم لن يذهبوا لقضاء عطلة في بلدان مثل المغرب أو تونس، لأن هناك «الكثير من العرب».
وقالت زوجته ياسمين لابون، التي تعمل في الفندق نفسه: «لا نتحدث في السياسة مع أصدقائنا الآن، وإلا سيكون هناك غضب». وكانت عائلة لابون مترددة في الحديث عن معتقداتها السياسية، لكن إيريك قال: إن جوردان بارديلا - تلميذ لوبان البالغ من العمر 28 عاماً ورئيس قائمة التجمع الوطني لانتخابات الاتحاد الأوروبي- في معظم الأوقات كان يقول أشياء على شاشة التلفزيون «يتفق عليها الجميع».
وبينما كان يدلي بهذا التصريح في شارع «كروازيت»، حيث يقف السياح بجانب السيارات الفاخرة المتوقفة أمام متجر لويس فويتون وغيره من المتاجر الراقية، رفع إيريك لابون حاجبيه بنظرة فاحصة، كما لو كان من المفهوم أن ما يقوله بارديلا هي ببساطة حقائق عن تراجع فرنسا.
وعلى مسافة أبعد من شارع «كروازيت»، لم يرغب لاعب شطرنج عجوز يضع دبوس العلم الفرنسي على سترته في الكشف عن اسمه، لكنه كان سعيداً للغاية بالتحدث لمدة 15 دقيقة عن اللقاحات، وجو بايدن، والصحافيين غير المستعدين لسماع الحقيقة أو القيام بعملهم بشكل صحيح. وقال إنه حتى لوبان كانت وسطية للغاية بالنسبة له، فهو يفضل كثيراً حليفها السابق و«الوطني الحقيقي» فلوريان فيليبو، الذي أطلق حركة مناهضة للاتحاد الأوروبي تُسمى «الوطنيون» بعد أن تخلى عن حزب التجمع الوطني.
خيبة الأمل
وقالت سيدة عجوز من مانديليو لا نابول، الواقعة على طول الساحل من مدينة كان: «أنا عاطفية للغاية لدرجة أنني لا أستطيع التحدث عن السياسة». وابتسمت وهي ترتدي حذاء غوتشي ونظارات شمسية سميكة، بأدب، لأنها رفضت الإدلاء بمزيد من التعليقات. وكبار السن الآخرون الذين حاولت صحيفة «بوليتيكو» التحدث إليهم رفضوا التحدث عن الانتخابات الأوروبية، إما لأنهم لم يهتموا بها وإما لأنهم كانوا يخشون من تعرضهم للاحتيال وسحب مدخراتهم إذا تحدثوا إلى أحد الصحافيين.
وكما هي الحال في أجزاء أخرى كثيرة من أوروبا، يتزايد دعم اليمين المتطرف في مختلف أنحاء فرنسا، بسبب المزيج المعتاد من خيبة الأمل في الزعماء الوطنيين، وارتفاع كُلف المعيشة، والمخاوف بشأن الهوية.
وقال سابين: «في جميع أنحاء أوروبا، ساعدت ديناميكيات مماثلة بالفعل الزعماء القوميين على الاستيلاء على السلطة، خصوصاً الآن بعد أن خففوا لهجتهم بشأن القضايا التي أخافت هؤلاء الناخبين الليبراليين اقتصادياً، الذين لم تعجبهم المواقف المناهضة لأوروبا».
وبينما هزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لوبان في عام 2022، فقد فازت بأكثر من 40% من الأصوات، ما يشير إلى دولة منقسمة بشدة.
وقال عمدة «أنتيب» القريبة، جان ليونيتي، الذي انتقل إلى الريفييرا، المدينة السياحية التي اشتهرت منذ عقود بأصحاب المليارات، «لم يعد (التجمع الوطني) يخيف الناخبين هنا، لأنه أصبح يحظى باحترام أكبر على المستوى المحلي، وفي الجمعية الوطنية، وقبل كل شيء، ماكرون مرفوض بشدة».
وفي هذه المنطقة المميزة، حيث تم تغريم رؤساء البلديات المحليين مثل ليونيتي لرفضهم إنشاء مساكن اجتماعية، يسيطر شعور متزايد لدى السكان المحليين بانعدام الأمن، وفقاً لتيري كورنيك، الناشط اليميني المتطرف الذي خاض الانتخابات ضد ليونيتي في منصب عمدة أنتيب.
تهديدات خطرة
وقال كورنيك من داخل صيدليته في بلدة «جوان ليبان» الساحلية، «تواجه فرنسا تهديدات خطرة عدة مثل الهجرة وانعدام الأمن وفقدان القيم وأزمة الهوية على المستوى الفردي والوطني». وشعر أن من واجبه «محاربة الخلل السائد مرة أخرى» الذي يسيطر على الناس.
وإذا كان الناس هنا يتغيرون بالفعل، فإن المشهد أيضاً يتغير أيضاً، فالمنتزهات الساحلية في مدينتي نيس وكان، هي موطن لوحدات مكافحة الإرهاب التي تشكل تذكيراً دائماً بما حدث هناك.
وفي العقد الماضي وحده، شهد جنوب فرنسا دهس شاحنة بضائع حشوداً كبيرة في منتزه نيس، وعمليات طعن في إحدى الكنائس. والخوف من وقوع المزيد من الهجمات الإرهابية حقيقي بالنسبة للكثيرين في هذه المنطقة، وهناك أيضاً مشاعر مناهضة للمهاجرين (والخوف من كلا الأمرين مختلط بالنسبة للكثيرين)، ما أدى إلى إحياء المخاوف في المنطقة من أن نمط الحياة المريح على الواجهة البحرية، يمكن أن يكون مهدداً بأكثر من مجرد زيادة الضرائب، كما أن اللاجئين الأوكرانيين ليسوا موضع ترحيب دائماً.
وانتقلت بعض العائلات إلى هنا بسيارات الدفع الرباعي الكبيرة، الأمر الذي أثار تعليقات مشبوهة من السكان المحليين. وقال أحد أصحاب المطاعم من أنتيب، الذي طلب من صحيفة «بوليتيكو» عدم الكشف عن هويته أو مؤسسته، خوفاً من ردود الفعل العنيفة رداً على مشاعره المناهضة للمهاجرين، «يتحدث ماكرون عن إرسال قوات إلى أوكرانيا، وهم هنا بسياراتهم الكبيرة». عن «بوليتيكو»
. يتزايد دعم اليمين المتطرف بسبب خيبة الأمل في الزعماء الوطنيين، وارتفاع كُلف المعيشة، والمخاوف بشأن الهوية.
. هناك مشاعر مناهضة للمهاجرين ما أدى إلى إحياء المخاوف في المنطقة من أن نمط الحياة المريح على الواجهة البحرية يمكن أن يكون مهدداً.