دعوة إلى سحب القوات الأميركية فوراً من الأراضي العراقية
في الآونة الأخيرة ظهر إلى السطح الجدال حول انتهاء المهمة الأميركية لمكافحة تنظيم داعش في العراق، وعليه يجب أن يكون اجتماع البيت الأبيض يوم الإثنين بين الرئيس جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني هو اللحظة التي تنتهي فيها القصة أخيراً. إن انسحاب ما يقرب من 2500 جندي أميركي من العراق جاؤوا إلى هناك لمحاربة تنظيم داعش موضوع مثير للجدل في واشنطن وبغداد على حد سواء، وفي العراق، يتعرض السوداني لضغوط من ائتلافه الحاكم لقطع العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، التي لاتزال تعتبر قوة احتلال، أو على أقل تقدير إعادة توجيه هذه العلاقات الثنائية من التبعية إلى الحياة الطبيعية. وبحسب ما ورد أعرب السوداني عن رغبته في إبقاء القوات الأميركية بالبلاد في المستقبل المنظور لضمان عدم عودة تنظيم داعش إلى البلاد، وهو طلب سيواجهه شركاؤه المتشددون في التحالف بقوة.
وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى انسحاب القوات الأميركية بشكل عام بحذر في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً إذا كان هذا الانسحاب يعتمد على جدول زمني وليس على الظروف على الأرض. وكما قالت سفيرة الولايات المتحدة في العراق، ألينا رومانوسكي، الشهر الماضي: «في الماضي، كنا نغادر بسرعة لنعود مرة أخرى، أو فقط للاستمرار في العمل، لذلك أودّ أن أزعم هذه المرة أننا بحاجة إلى المغادرة بطريقة منظمة».
ومن المفهوم أن الولايات المتحدة تبحث عن السيناريو الأمثل قبل أن تنهي تواجد قواتها في العراق. ولكن بالعودة إلى العالم الحقيقي، فإن السيناريوهات المثالية قليلة ومتباعدة، وإذا كان نهج إدارة بايدن هو انتظار الوقت المثالي للخروج، فإنها ستنتظر إلى الأبد.
والسؤال الذي ينبغي الإجابة عنه هو: لماذا أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى العراق في المقام الأول. في عام 2014، كان تنظيم داعش في ذروة عنفوانه، حيث سيطر على رقعة من الأرض تمتد عشرات الآلاف من الأميال عبر أجزاء من العراق وسورية ويسكنها نحو 10 ملايين شخص، وكانت قوات الأمن العراقية، التي تعج بالفساد وتمارس جميع الانتهاكات، تنهار أمام تيار تنظيم داعش الجارف.
تم إطلاق حملة القصف الأميركية التي بدأت في أغسطس 2014 لتخفيف الضغط على قوات الأمن العراقية ومن ثم القضاء على سيطرة «داعش» الإقليمية. وكما قال الرئيس الأميركي آنذاك، باراك أوباما في ذلك الوقت: «نحن ندفعهم في البداية إلى الوراء، ونحد من قدراتهم بشكل منهجي، ونضيق نطاق عملياتهم، ونقلص المساحة التي يسيطرون عليها ببطء، ونقضي على قيادتهم، وبمرور الوقت يصبحون غير قادرين على تنفيذ أنواع الهجمات الإرهابية نفسها التي كانوا يستطيعون تنفيذها في السابق».
طوال فترة الحرب، كانت القوات الجوية الأميركية بمثابة مطرقة في العراق، حيث قامت بضرب تجمعات تنظيم داعش، وقتلت قادته وساعدت على نجاح العمليات البرية العراقية، وتقلصت سيطرة تنظيم داعش الإقليمية بين عامي 2015 و2016، حيث نجح الجيش العراقي والميليشيات المدعومة من العراق وأفراد العمليات الخاصة الأميركية في طرد هذا التنظيم من مدن متعددة.
وبحلول صيف عام 2017، فقد تنظيم داعش السيطرة على الموصل، وأعلنت الحكومة العراقية النصر على التنظيم بعد خمسة أشهر، وفي مارس 2019، تم طرد تنظيم داعش من آخر معقل إقليمي له في بلدة الباغوز السورية. لقد تم إنجاز المهمة والقضاء على سيطرة داعش الإقليمية.
ومع ذلك، رفضت الولايات المتحدة اعتبار النجاح بمثابة انتهاء مهمتها في العراق، وبدلاً من الانسحاب، اختارت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب البقاء في العراق وسورية (حيث يتمركز نحو 900 جندي أميركي) لأسباب لا علاقة لها بمهمة مكافحة داعش، مثل تقويض نفوذ إيران في العراق، وقطع خطوط الإمداد الإيرانية في سورية، واستخدام وجود القوات الأميركية لمنع الحكومة السورية من استعادة المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في سورية.
ومع ذلك، ظلت كل هذه الأهداف عبارة عن أهداف وهمية أو غير محتملة، ففي العراق، حقق الإيرانيون نجاحات كبيرة في السياسة العراقية بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي كان مع ذلك بمثابة حصن لهم ضد خصمهم اللدود إيران. وفي الواقع، يعتمد السوداني على الدعم الذي يتلقاه من الإطار التنسيقي، وهو تحالف من الأحزاب المتحالفة مع الميليشيات المدعومة من إيران، وتتمتع إيران أيضاً بتحالف آمن مستمر منذ أربعة عقود مع سورية، حيث استعادت قوات الأسد معظم البلاد بفضل تكتيكات الأرض المحروقة، والقوة الجوية الروسية والقوات البرية المدعومة من إيران، وتستحق إدارة بايدن أيضاً اللوم لأنها وسعت المفهوم الذي يبدو مستحيلاً: «الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش»، وقد ثبت أن هذا كان خطأً كبيراً لأنه حول المهمة بأكملها من مهمة يمكن قياسها - الهزيمة الإقليمية لسيطرة داعش - إلى مهمة لا يمكن قياسها. لماذا نطرح هذه المسألة؟ لأنها تثبت أن سياسة الولايات المتحدة محكومة الآن في الأغلب بأهداف خيالية.
لهذا السبب يجب سحب القوات الأميركية من العراق وسورية الآن، وكما علق مسؤول في وزارة الخارجية في مارس «لقد تم هزيمة تنظيم داعش إقليمياً، وأصبحت القوات العراقية في وضع أقوى من أي وقت مضى لقمع التهديد المتبقي».
«داعش» ليس لديه أصدقاء على الأرض ولديه الكثير من الأعداء؛ ولدى تركيا وروسيا والأسد وسورية مصلحة ذاتية في ضمان عدم عودة تنظيم داعش من جديد، ومجرد رغبة إيران وروسيا في مغادرة الولايات المتحدة المنطقة لا يعني أن واشنطن يجب أن تبقى.
قد يعترض البعض على فكرة هزيمة تنظيم داعش، ففي نهاية المطاف، لاتزال المجموعة تخطط وتنفذ هجمات كما رأينا أخيراً في 21 مارس، عندما قتل أربعة مسلحين يزعمون أنهم ينتمون إلى فرع تنظيم داعش في أفغانستان، أكثر من 140 شخصاً في قاعة للحفلات الموسيقية في موسكو.
لكن استخدام كلمة «هزيمة» في سياق مكافحة الإرهاب هو طريق يفضي إلى حرب لا نهاية لها. إن العالم لا يستطيع أن يهزم الإرهاب بقدر عدم استطاعته في القضاء على الطقس السيّئ، أفضل ما يمكن أن تفعله أي دولة هو مراقبة التهديد، والتأكد من أن لديها الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع للكشف عن أي مؤامرة وشيكة واتخاذ التدابير اللازمة لمنعها.
ويتعين على الولايات المتحدة أن تنسحب لسبب آخر: القضاء على، أو على الأقل تقليل الخطر الذي تتعرض له القوات الأميركية في حالة قيام إسرائيل بشن هجوم مضاد ضد إيران، فقد صرحت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن إيران ستدفع ثمن أكثر من 300 قذيفة - بما في ذلك طائرات من دون طيار وصواريخ - يعتقد أن طهران أطلقتها على الأراضي الإسرائيلية. وإذا واصلت إسرائيل شن هجوم مضاد على الأراضي الإيرانية، فإن احتمالات الانتقام الإيراني ضد القواعد الأميركية في المنطقة سترتفع. وبعيداً عن إزالة النفوذ الأميركي، فإن الانسحاب من شأنه أن يقوض النفوذ الإيراني، ولا تحتاج الولايات المتحدة إلى وجود بري دائم لتحقيق أهدافها.
يتعين على الولايات المتحدة أن تنسحب لسبب آخر: القضاء على، أو على الأقل تقليل الخطر الذي تتعرض له القوات الأميركية في حالة قيام إسرائيل بشن هجوم مضاد ضد إيران.
إن انسحاب ما يقرب من 2500 جندي أميركي من العراق جاؤوا إلى هناك لمحاربة تنظيم داعش موضوع مثير للجدل في واشنطن وبغداد على حد سواء. وفي العراق، يتعرض السوداني لضغوط من ائتلافه الحاكم لقطع العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة، التي لاتزال تعتبر قوة احتلال، أو على أقل تقدير إعادة توجيه هذه العلاقات الثنائية من التبعية إلى الحياة الطبيعية.