بعد فترة طويلة من الامتناع عن ذلك
اليابان تبدأ تصدير الأسلحة والتعاون مع الدول الصديقة على تطويرها
مرت اليابان بعملية تدريجية، لتفكيك الحظر الذي فرضته على نفسها حول تصدير الأسلحة، وهي عملية وصلت إلى مرحلة جديدة، إثر القرار الذي اتخذته الشهر الماضي بالسماح بتصدير الجيل التالي من الطائرات المقاتلة التي سيتم تطويرها بالتعاون بين اليابان والمملكة المتحدة وإيطاليا بصورة مشتركة.
وعند قراءة هذا التغيّر بالتزامن مع ظهور البيان المشترك لقادة اليابان والولايات المتحدة، من المحتمل أن اليابان وافقت على التطوير المشترك والإنتاج مع الولايات المتحدة والتصدير إلى دول ثالثة. ويمثّل ذلك آخر تطور في ابتعاد طوكيو عن سياسة الدفاع السلمي، التي ترجع إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ويحاول هذا المقال تفسير خلفية وتأثيرات تغيّرات السياسة اليابانية.
تآكل الحظر على تصدير الأسلحة
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، امتنعت حكومة اليابان عن تصدير السلاح، وفي عام 1967 وعندما كان رئيس الحكومة ايساكو ساتو، لم تسمح اليابان بتصدير الأسلحة سواء إلى الدول الشيوعية، أو الدول التي تحظر قرارات الأمم المتحدة صادراتها من الأسلحة، أو الدول المشاركة في صراعات دولية. وفي عام 1976، أصدرت الحكومة اليابانية برئاسة تاكيو ميكي رأياً حكومياً موحداً يحظر تصدير جميع الأسلحة. وعلى الرغم من بعض الاستثناءات اللاحقة، مثل تزويد الولايات المتحدة بالتكنولوجيا المتعلقة بالدفاع الصاروخي، واصلت اليابان جعل الامتناع عن تصدير الأسلحة سياسة وطنية.
وبدأ الحظر على تصدير الأسلحة يتلاشى في عام 2011، ففي ذلك العام، قامت حكومة رئيس الوزراء آنذاك، يوشيهيكو نودا، زعيم الحزب الديمقراطي الياباني، بتخفيف القيود التنظيمية من أجل السماح بالتطوير المشترك للأسلحة مع الدول التي تتعاون مع اليابان في المسائل الأمنية، وتصدير المنتجات إلى الشركاء في برنامج التطوير المشترك. وبموجب هذا الاستثناء، حاولت اليابان بيع غواصات تم إنتاجها بشكل مشترك إلى أستراليا في 2015-2016.
وفي عام 2014، قامت حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي آنذاك بتمكين تصدير المعدات العسكرية لاستخدامات مثل الإنقاذ والنقل والمراقبة والاستطلاع. وبموجب هذا الإصلاح، بدأت شركة «ميتسوبيشي إلكتريك» في تسليم أنظمة رادار المراقبة الجوية إلى القوات الجوية الفلبينية في العام الماضي فحسب.
وفي ديسمبر 2023، وافق رئيس الحكومة فوميو كيشيدا على تصدير الأسلحة المُنتجة محلياً بموجب ترخيص. وبالتالي، سيتم تصدير الصواريخ «باك-2» و«باك-3»، التي تعترض المقذوفات، والتي يتم تصنيعها في اليابان بموجب ترخيص أميركي، إلى الولايات المتحدة، لتحل فعلياً محل ما قدمته واشنطن لأوكرانيا في حربها ضد روسيا. ويقال إن هذا الإجراء يستند على طلب من الحكومة الأميركية.
الاقتراب من رفع الحظر
في الفترة الأخيرة، اتخذ كيشيدا قراراً وزارياً في 26 مارس، للسماح بتصدير الجيل التالي من الطائرات المقاتلة التي سيتم تطويرها بالاشتراك مع المملكة المتحدة وإيطاليا إلى دول أخرى. وفي الوقت ذاته، قام مجلس الأمن القومي الياباني، بتعديل التوجيهات التنفيذية لثلاثة مبادئ تتعلق بنقل المعدات والتكنولوجيا الدفاعية. وعلى الرغم من أن الحكومة وضعت ثلاثة شروط لتصدير الطائرات المقاتلة إلى دول ثالثة، فإن التغيير الجديد في السياسة له آثار واسعة النطاق.
أولاً، تؤكد الحكومة على أن التصدير إلى دول ثالثة سيكون مسموحاً فقط للجيل التالي من الطائرات المقاتلة، وهي الشيء الوحيد المُدرج الآن في التوجيهات التنفيذية، ولكن التطوير المشترك لصاروخ «جي بي أي» المخصص لاعتراض المقذوفات، والمركبات الجوية بدون طيار، لايزال قيد النظر بالفعل. كما وضع البيان المشترك الأخير بين الولايات المتحدة واليابان مسألة الصواريخ على جدول الأعمال.
وثانياً، يجب على اليابان والدول المستوردة «إبرام اتفاق دولي يُلزم باستخدام المعدات الدفاعية المنقولة من اليابان بطريقة تتفق مع مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة»
وثالثاً، سيظل الحظر المفروض على الطائرات المقاتلة على «دولة يُعدُّ فيها القتال الذي يدور حالياً كجزء من نزاع مسلح» سارياً.
مبررات إلغاء القوانين
بطبيعة الحال، يثير القرار الأخير تساؤلات حول السبب وراء تصميم اليابان على ملاحقة التطوير المشترك والتصدير.
وأولاً وقبل كل شيء، سوف يكون رفض المشاركة في الإنتاج والتصدير المشترك إلى دول ثالثة بمثابة التخلي عن الإضافة الفاعلة لأنظمة الأسلحة المتقدمة في مستقبل اليابان. وعندما بدأت الولايات المتحدة التطوير المشترك مع حلفائها وشركائها للطائرة «إف-35»، لم تتمكن اليابان من المشاركة في البرنامج، لأن حظر تصدير الأسلحة كان قائماً في ذلك الوقت. ونتيجة لذلك، اضطرت طوكيو إلى دفع المزيد لشراء الطائرة الحربية، والانتظار لفترة أطول لتسلمها.
ومع تطور أنظمة الأسلحة وارتفاع كُلف التطوير، أصبح التخلي عن المشاركة في التطوير المشترك لأنظمة الأسلحة المتقدمة من شأنه أن يؤثر سلباً للغاية في سياسة شراء الأسلحة في طوكيو.
وعندما يتعلق الأمر بشراء الأسلحة، لطالما كانت طوكيو تشعر بخيبة الأمل إزاء أداء الولايات المتحدة. وفي عام 1987 بدأت اليابان والولايات المتحدة في الإنتاج المشترك لمقاتلة الدعم الحالية، «إف-2». ولكن الولايات المتحدة تولت السيطرة الكاملة على التطوير، ورفضت الكشف عن التقنيات الرئيسة لليابان. وفي أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أبدت اليابان اهتماماً بشراء طائرات «إف-22»، ولكن الولايات المتحدة رفضت ذلك.
وفشلت جوانب أهداف تطوير الأسلحة الأميركية، خلال السنوات الأخيرة، في تلبية احتياجات قوات الدفاع الذاتي. ونتيجة لذلك، أصبحت طوكيو متشككة في رغبة واشنطن في التحلي بالمرونة. ومن ناحية أخرى، يبدو أن المملكة المتحدة قد استوفت المتطلبات اليابانية للشراكة في التطوير المشترك لمقاتلات الجيل القادم.
وعلى الصعيد المحلي، انسحبت أكثر من 100 شركة من صناعة الدفاع على مدى السنوات العشرين الماضية، وهناك شعور متزايد بالأزمة في الحفاظ على القاعدة الصناعية الدفاعية وتشغيل العمالة في البلاد. ونظراً لأن الشركات اليابانية تتمتع بخبرة محدودة، ولأن السوق المحلية لا تزال صغيرة جداً، فإن الطريقة الوحيدة للحفاظ على الصناعة وتعزيزها هي من خلال الإنتاج والتصدير المشتركين.
وثمة رغبة قوية داخل الحكومة اليابانية في تعزيز التحالف، وتعزيز الردع ضد الصين من خلال التعاون مع الولايات المتحدة، ناهيك عن أن الحرب الأوكرانية، عززت اعتقاد الحكومة بأن الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها لن يكون كافياً في حالة نشوب صراع في المستقبل مع الصين، وأن اليابان سوف تحتاج إلى دعم أوسع من الغرب. ومن هذا المنطلق، فإن التنمية المشتركة مفيدة، لتعميق العلاقات الأمنية مع الغرب.
وأخيراً، فإن الحنين إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية له أيضاً جاذبية لدى بعض اليابانيين. وعلى الرغم من دعوة رئيس الوزراء السابق آبي إلى «تفكيك نظام ما بعد الحرب»، فإن العديد من أعضاء البرلمان من الحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم يريدون مرة أخرى تحقيق «المزيج بين الجيش والقومية» الذي كان قائماً قبل الحرب.، ولهذا كان تعزيز صناعة الدفاع من خلال صادرات الأسلحة هي رغبتهم التي طال انتظارها.
• عندما يتعلق الأمر بشراء الأسلحة، لطالما كانت طوكيو تشعر بخيبة الأمل إزاء أداء واشنطن. في 1987 بدأت اليابان وأميركا في الإنتاج المشترك لمقاتلة الدعم، «إف - 2»، لكن أميركا تولت السيطرة الكاملة على التطوير، ورفضت الكشف عن التقنيات لليابان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news