بدلاً من إجبارهم على الالتحاق بالجيش
أوكرانيا تستقطب الشباب للتجنيد الطوعي بإغراءات الرواتب والمزايا
يوم الثلاثاء الماضي، تجول أربعة جنود حول المجمع الرياضي في كييف، وهم يحملون ملفات في أيديهم. وكانت هذه دورية تجنيد، وهي واحدة من أكثر الوظائف التي لا تحظى بشعبية في أوكرانيا، وتتمثل مهمتها في تحديد الرجال الذين لم يلتزموا بواجب التسجيل في المكاتب العسكرية بالمدينة، أو أولئك الذين تجاهلوا دعوة الجيش للانضمام إلى صفوفه. وأمام المجمع شاشة ضخمة تعرض الإعلانات، وتظهر في أحدها صور جنود، تتخللها شعارات ورقم هاتف، وكُتب: «قاتل ولا تفر. انضم إلى لواء الهجوم المنفصل الخامس».
وتمتلئ كييف، مثل بقية المدن الأوكرانية، بالإعلانات التي تستهدف البالغين الذين تزيد أعمارهم على 18 عاماً، والذين هم على استعداد للتجنيد. ويمكن لكل لواء عسكري، وحتى كتائب هذه الألوية، توظيف الجنود بشكل مستقل. وخلال جولة في الشوارع العامة استغرقت ساعتين، صادفت صحيفة «إلبايس» ملصقات لثماني وحدات عسكرية مختلفة في منطقة بيشيرسك، في وسط العاصمة. ويُظهر كل إعلان شعار الوحدة المعنية التي تقوم بالتوظيف، أو رمز الاستجابة السريعة للاطلاع على عروض العمل، أو رقم هاتف لطلب المعلومات «بشكل مجهول».
ويؤكد لواء «غارتيا» التابع للحرس الوطني على عدم الكشف عن هويته في إعلاناته، لطمأنة المواطنين الذين يتجنبون مشروع القانون، أنه لن يتم الإبلاغ عنهم إذا اتصلوا هاتفياً. والإعلانات من هذا النوع موجودة منذ بداية الحرب الروسية، في فبراير 2022، إلا أن كمية الإعلانات ارتفعت بشكل كبير، تزامناً مع زيادة الضغط من مكاتب التوظيف. وقال القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية، فاليري زالوزني، في يناير الماضي، إن هناك حاجة إلى ما يصل إلى 500 ألف جندي جديد.
إن تناوب القوات أمر ضروري بعد أكثر من عامين من الصراع، إذ خدم ما يقرب من 900 ألف شخص في الدفاع عن البلاد، ويعمل البرلمان الأوكراني على وضع اللمسات الأخيرة على قانون جديد يعمل على تشديد الأساليب اللازمة لتسريع عملية التعبئة. والمنطق وراء الإعلانات التي تضعها هذه الوحدات العسكرية هو أنه «إذا تطوعت، فلديك المزيد من الخيارات لاختيار المكان الذي ستخدم فيه، وبأي صفة».
إقناع المجندين
تقول كتيبة «أخيل»، من اللواء 92، في أحد إعلاناتها «أن تكون متطوعاً يعني أن تكون حراً، لأنك تختار مصيرك. إنه لشرف»، متابعة «لا تنتظر الدولة أن تقرر لك». وتصر الحكومة على هذا هو المنطق لإقناع المجندين. وكلما أسرع الشخص في تقديم نفسه والوفاء بمسؤوليته تجاه البلاد، زادت الخيارات المتاحة له عندما يتعلق الأمر باختيار المهام التي يرغب في أدائها في الجيش. وتتنافس عشرات الكتائب، التي تحتاج إلى بُدلاء، لجذب أفراد جدد. ولديهم مجموعة متنوعة من المناصب لشغلها، مثل المدفعي، أو الميكانيكي، أو مشغل الطائرات من دون طيار، أو المهندس القتالي، أو الطباخ، أو الطبيب، أو خبير الاتصالات.
وتسلط الوحدات التي تتمتع بأسلحة متفوقة وإعداد أفضل الضوء على هذه الشروط في عروض العمل الخاصة بها، ما يضمن شهرين من التدريب، في بعض الحالات في دول (الناتو). إنها ليست مشكلة بسيطة، فطوال فترة الحرب، كان هناك الكثير من الانتقادات حول ضعف التدريب الذي تتلقاه بعض القوات قبل إرسالها إلى الخطوط الأمامية. وتؤكد كتيبة «ذئاب دافنشي» أن «سلامة شعبنا هي الأولوية. وهذه وحدة مشهورة تابعة للواء الميكانيكي 67»، موضحة «لا يدخل أي من جنودنا الخدمة إلا بعد أن يكونوا مستعدين بنسبة 100% لأدوارهم، ويخضع الجميع للتدريب الذي يقدمه أفضل المدربين من الجيوش الرائدة».
منافع اجتماعية
تسلط «ذئاب دافنشي» الضوء أيضاً على أن لديها حزمة من المزايا الاجتماعية الجذابة «الراتب، والإجازات، والتأمين الصحي، وما إلى ذلك». وإضافة إلى ذلك، يتلقى كل مقاتل المعدات اللازمة، وهناك شكاوى متكررة وواسعة النطاق من أن القوات، بغض النظر عن الوحدة، لا تمنح أفرادها إجازات كافية، وأن العديد من الموارد الخاصة بالجنود يجب شراؤها من جيوبهم.
«لوبي إكس» هو عبارة عن منصة عبر الإنترنت لعروض العمل في القوات المسلحة الأوكرانية. وتعد حملتها الإعلانية في الوقت الحالي هي الأبرز في البلاد، بينما تتضمن قاعدة بياناتها مئات الوظائف المحددة التي تقدمها الألوية والقوات الخاصة والأجهزة الأمنية.
وتتميز الإعلانات المبوبة بالدقة في متطلبات ومزايا كل وظيفة.
وفي غضون ذلك، تحدث الامتيازات التي تتجاوز الراتب فرقاً، أيضاً. على سبيل المثال، يقدم لواء الهجوم الجبلي 128 قرضاً مقدماً من الدولة لشراء مساكن للأفراد العسكريين. وقد أعلن هذا اللواء عن وظيفة إطفائي، تشمل التأمين الطبي، والتمويل السنوي لبرامج إعادة التأهيل في حالة الإصابة، والتدريب في أوكرانيا وخارجها، إضافة إلى جميع المواد اللازمة لأداء مهام الوظيفة بفعالية. ويعتمد التجنيد العسكري على التسويق المتفائل، والسبب في ذلك هو أن الغالبية العظمى من المدنيين ببساطة لا يريدون الانضمام إلى صفوف الجيش.
• هناك شكاوى متكررة وواسعة النطاق من أن القوات لا تمنح أفرادها إجازات كافية.
• الأوكرانيون لا يرون أنه يمكن تحقيق النصر في الحرب، وأن الصراع سينتهي قريباً.
صعوبة العمل
تراوح الرواتب بين 500 و3200 يورو شهرياً، اعتماداً على مدى تعقيد وصعوبة العمل، وأفضل الرواتب هي في قوات العمليات الخاصة. وقبل كل شيء، الموقع، إذ كلما اقترب المجندون من الجبهة زاد المال والحوافز. ومع كل المزايا والمغريات، يتردد الكثير من الشباب الأوكراني في الالتحاق بصفوف الجيش، الذي يبدو أنه بدأ يصاب بالإعياء، بسبب الصراع الذي بدأ يطول دون أفق.
إمدادات جديدة
تعاني الوحدات القتالية نقصاً في الأفراد، وهي بحاجة إلى شباب متحمسين تقل أعمارهم عن 40 عاماً. وفي صباح يوم الجمعة، وبسبب الصقيع، تم إلغاء حصة تدريب خارجية بالقرب من باخموت للمجندين الجدد، في اللواء الميكانيكي الـ24، حرصاً على سلامة الرجال، واكتفى الضباط المشرفون بحصة تدريب داخلية حول تفكيك الأسلحة الفردية وإعادة تجميعها، والإسعافات الأولية. وقال قائد كتيبة من اللواء الميكانيكي، أولكسندر فولكوف «يُحتمل أن يكون مجتمع اليوم خدعته بعض وسائل الإعلام بقولها إن كلّ شيء على ما يرام (بالنسبة للجيش الأوكراني)، وإننا نلحق الهزيمة بالعدو، وإن النصر بات قريباً». وأضاف «لكن الوضع الحالي ليس بهذه البساطة، فالعدو قوي جداً، ونحن نبذل قصارى جهدنا للتصدي له، وإلحاق الهزيمة به». وفي باخموت وأفدييفكا وغيرهما، وبفضل الإمدادات الجديدة بالموارد البشرية والذخيرة، يتقدم الجيش الروسي ببطء، على الرغم من الخسائر الكبيرة في الرجال والمعدات.
في المقابل، يبذل الأوكرانيون جهوداً كبيرة للدفاع عن مواقعهم بعد عامين عصيبين، في ظل حرّ الصيف، ثم ثلوج الشتاء، والقصف المستمر على الخنادق. ويسيطر الإرهاق على بعض الذين يقاتلون منذ بداية الحرب في 24 فبراير 2022. ومع ندرة المتطوعين، يواجه الجيش صعوبة في تعويض القتلى والجرحى.
التزام قانوني
يتفادى مئات الآلاف من الرجال الأوكرانيين الالتزام القانوني بالذهاب إلى مكاتب الجيش. وفي الـ12 من مارس، قدم مركز الاستراتيجية الاقتصادية الذي يتخذ من كييف مقراً له رقماً بهذا الشأن، فقد تضاعف عدد الرجال الأوكرانيين في الخارج. وإذا كان الرجال البالغون يمثلون 17% من اللاجئين في نوفمبر 2022، فإنهم يشكلون الآن 35%، ويُزعم أن الأغلبية غادرت البلاد بطريقة غير قانونية. والمشكلة هي أن الأوكرانيين لا يرون أنه لا يمكن تحقيق النصر في الحرب، وأن الصراع سينتهي قريباً. وفي هذا السياق، وخلال منتدى كييف الأمني في 22 مارس، تساءل المحلل في المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية (منظمة مرتبطة بالرئاسة الأوكرانية)، ميكولا بيليسكوف «لماذا يصعب إقناع المدنيين بالتعبئة؟». وكان رده متشائماً: «لأنهم يرون أنه لا توجد موارد للقتال، وإذا لم تكن هناك رغبة في القتال، فستكون الإمدادات أقل»، من الأسلحة والمساعدات من حلفاء أوكرانيا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news