بعد أن كانت تنتهج سياسة «عدم الانحياز»
نيوزيلندا تقترب من محور الولايات المتحدة بخطى ثابتة
في اليوم نفسه الذي استضاف فيه الرئيس الأميركي جو بايدن أول قمة على الإطلاق بين الولايات المتحدة واليابان والفلبين، في البيت الأبيض، انعقد اجتماع أقل وضوحاً لتعزيز شبكة التحالف الأميركي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي 11 أبريل، اجتمع وزير الخارجية النيوزيلندي، ونستون بيترز، ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لإجراء محادثات في وزارة الخارجية، وأعلنا في بيان مشترك أن بلديهما «يعملان بشكل أوثق من أي وقت مضى».
وفي هذه الحالة، كان ذلك بمثابة علامة واضحة على أن حقبة جديدة في السياسة الخارجية لنيوزيلندا جارية. وبالنظر إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة ونيوزيلندا منذ فترة طويلة - ويرجع ذلك جزئياً إلى أن ويلينغتون رسمت مساراً صديقاً للصين - كان الاجتماع أحدث مثال على سلوك بكين في المنطقة الذي يدفع الدول إلى أذرع واشنطن الترحيبية.
ويعود الجمود بين نيوزيلندا والولايات المتحدة إلى الثمانينات، عندما أعلنت حكومة حزب العمال، في ويلينغتون، أن الجزء الخاص بها من المحيط الهادئ منطقة خالية من الأسلحة النووية ومنزوعة السلاح، ورفضت السماح للغواصات الأميركية التي تعمل بالطاقة النووية بزيارة الموانئ. بدورها، علّقت إدارة الرئيس السابق رونالد ريغان التزامات الولايات المتحدة تجاه نيوزيلندا بموجب المعاهدة الأمنية بين أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. واستمرت القطيعة عقوداً عديدة، حيث انفصلت نيوزيلندا ليس فقط عن الولايات المتحدة، بل أيضاً عن أستراليا المجاورة لمتابعة سياسة خارجية غير منحازة.
وبدأت العلاقات تتحسن في عام 2010، عندما وقّعت حكومة رئيس وزراء نيوزيلندا، جون كي، على إعلان ويلينغتون، الذي دعا إلى زيادة المشاركة الاستراتيجية والتعاون العملي مع الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهادئ.
ونجا هذا التقارب مع انتقال السلطة إلى رئيسة وزراء حزب العمال، جاسيندا أرديرن، وتعززت العلاقات خلال فترة حكمها. وفي عام 2022، أصبحت أرديرن أول رئيسة وزراء نيوزيلندية تشارك في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقد فعل خليفتها العمالي، كريس هيبكنز، ذلك مرة أخرى في عام 2023. وخلال هذه القمم، أعرب قادة نيوزيلندا عن مخاوف جدية، ليس فقط بشأن روسيا، بل الصين أيضاً، حيث قالت أرديرن في عام 2022 «أصبحت الصين في الآونة الأخيرة أكثر حزماً، وعلى استعداد لتحدي القواعد والأعراف الدولية، وهنا يجب علينا الرد».
نقطة الضعف الناعمة
إن انتقاد بكين هو تكتيك جديد في قواعد اللعبة التي تمارسها نيوزيلندا. وفي عام 2008، وقّعت الدولتان اتفاقية تجارة حرة، وهي الأولى من نوعها بين بكين ودولة غربية. ومنذ ذلك الحين، ركزت نيوزيلندا بشكل عام على العلاقات التجارية، مع تجاهل أو التقليل من المسائل الأخرى. وفي نظر حلفائها الغربيين ظاهرياً، كان موقف ويلينغتون «المنبطح» في التعامل مع الصين مثيراً للقلق. وفي عام 2018، وصف تقرير للحكومة الكندية نيوزيلندا بأنها «نقطة الضعف الناعمة» لشبكة تبادل المعلومات الاستخباراتية (العيون الخمس)، التي تضم أيضاً أستراليا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة.
وكان من الممكن أن تستمر ويلينغتون على هذا المسار، لولا أن تصرفات بكين نفسها جعلتها تفكر مرتين قبل المشاركة، وهو اتجاه واضح دفع الفلبين في الآونة الأخيرة إلى البحث عن علاقات عسكرية أوثق مع اليابان والولايات المتحدة. وفي نيوزيلندا، كان اكتشاف التدخل السياسي الصيني على نطاق واسع في الانتخابات الوطنية لعام 2017 هو الذي بدأ في تحويل السرد الصيني من الفرصة إلى القلق.
وقد دفعت هذه التطورات أرديرن إلى السير عكس اتجاه سياسة بلادها تجاه الصين. وفي مايو 2022، أصبحت نيوزيلندا عضواً مؤسساً في الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، تحت إشراف إدارة بايدن، وهي سياسة محدودة تسعى إلى تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية بين الدول الصديقة، في حين لا تصل إلى حد أن تكون اتفاقية تجارة حرة فعلية. وفي مخاطبة الصين مباشرة، اتفقت أرديرن وبايدن في واشنطن على أن «الولايات المتحدة ونيوزيلندا تشتركان في القلق من أن إقامة وجود عسكري مستمر في المحيط الهادئ من قبل دولة لا تشاركنا قيمنا أو مصالحنا الأمنية من شأنه أن يغير التوازن الاستراتيجي بشكل أساسي».
وبعد شهر، انضمت نيوزيلندا أيضاً إلى شركاء إدارة بايدن في «المحيط الهادئ الأزرق»، وهي مجموعة من الدول التي تنسق بشأن استراتيجية جزر المحيط الهادئ، بما في ذلك أستراليا وبريطانيا واليابان.
وفي الآونة الأخيرة، يرسل رئيس الوزراء كريستوفر لوكسون وحكومته الائتلافية المحافظة، المنتخبة في أكتوبر 2023، إشارات قوية بأنهم يخططون للبقاء على هذا المسار، على الرغم من الترويج لسياسات صديقة للصين في السابق.
التقدمية وعدم الانحياز
وعلى سبيل المثال، لا يبشر تعيين ونستون بيترز وزيراً للخارجية بالخير بالنسبة لبكين. وفي عام 2018، كان بيترز هو العقل المدبر وراء استراتيجية ويلينغتون لإعادة ضبط المحيط الهادئ المصممة لمواجهة نفوذ بكين المتزايد في منطقة جزر المحيط الهادئ. وفي خطاب ألقاه أخيراً، شكك بيترز في الأساس الذي تقوم عليه سياسة ويلينغتون الخارجية: التقدمية وعدم الانحياز.
وفي حين أن هذه السياسة لعبت بشكل جيد وبشكل خاص في منطقة جزر المحيط الهادئ في مرحلة ما بعد الاستعمار والحرب الباردة، يبدو أن بيترز عازم على مقايضتها بمواءمة نيوزيلندا في منافسة القوى العظمى ضد الصين. وعلى وجه التحديد، دعا بيترز ويلينغتون إلى رفع دورها في «العيون الخمس»، والمعاهدة الأمنية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (أوكوس)، وحلف شمال الأطلسي.
ويمكن أن تشهد «أوكوس» قريباً تعاون نيوزيلندا في موضوعات أمنية غير نووية، بما في ذلك الحرب السيبرانية، والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت (الفرط صوتية)، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الكمومية، والقدرات تحت سطح البحر، وغيرها. وفي أول زيارة خارجية له في أستراليا، أشار لوكسون بقوة إلى أن ويلينغتون تمضي قدماً في التعاون مع المؤسسات الأميركية. وكانت وزيرة الدفاع جوديث كولينز أكثر حذراً بشأن «أوكوس»، ولكن اتصالاتها الأخيرة مع وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ونائب وزير الخارجية، كيرت كامبل، أدت إلى تعميق التعاون بشأن الخطط المشتركة.
وأكد بيترز أيضاً هذا الشهر أن نيوزيلندا تسعى إلى تنفيذ برنامج شراكة رسمي مع «الناتو». وإذا تم إبرام الاتفاقية قبل مشاركة لوكسون في قمة حلف شمال الأطلسي هذا الصيف، فسيكون ذلك تحولاً هائلاً آخر في سياسة ويلينغتون الخارجية، بعيداً عن «عدم الانحياز»، ونحو التكامل مع الدول الديمقراطية الأخرى.
ومع ذلك، فإن محور ويلينغتون الاستراتيجي يمثل أخباراً جيدة لواشنطن وحلفائها، ولو كان لايزال من غير الواضح كيف سيدعم محور نيوزيلندا على وجه التحديد الأهداف الأميركية الملموسة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخارجها. ومع ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تخفف من توقعاتها، فمن المرجح أن تستمر نيوزيلندا في الحفاظ على علاقات مثمرة مع الصين، بينما تؤكد أهمية إقامة علاقات أمنية أقوى مع واشنطن.
• استمرت القطيعة عقوداً عديدة حيث انفصلت نيوزيلندا ليس فقط عن الولايات المتحدة، بل أيضاً عن أستراليا المجاورة.
• يمكن أن تشهد «أوكوس» تعاون نيوزيلندا في موضوعات أمنية غير نووية، منها الحرب السيبرانية، والأسلحة الفرط صوتية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news