حلم استقلال أسكتلندا يتلاشى مع تراجع أداء الحزب الوطني
أكد رئيس وزراء أسكتلندا حمزة يوسف، لدى استقالته من منصبه أخيراً، بعد انهيار حكومته، أن الاستقلال «بات قريباً» رغم بعض الإحباط. وبالنسبة لأولئك الذين يحلمون بأسكتلندا المستقلة، فإن الأمر يبدو كما لو أن لا شيء أبعد عن الحقيقة.
لقد تراجع أداء الحزب الوطني الأسكتلندي الذي كان قوياً ذات يوم، والذي يدير الحكومة، ويشغل الغالبية العظمى من المقاعد البرلمانية، على مدى السنوات الثلاث الماضية، وقد يؤدي المزيد من الانتكاسات في الانتخابات المقبلة إلى ترك النضال من أجل الاستقلال. ويعاني الحزب حالياً غياب القيادة، بعد أن استقال يوسف من منصبه، بعد أن انهارت حكومته الائتلافية.
وقد استقالت زعيمته السابقة، نيكولا ستورجون، فجأة، في العام الماضي، وتورطت منذ ذلك الحين في فضيحة بعد اعتقالها خلال تحقيق طويل الأمد في الشؤون المالية للحزب الوطني الأسكتلندي. ولم يتم توجيه اتهامات إلى ستورجون، ولكن تم اتهام زوجها، الرئيس التنفيذي السابق للحزب الوطني الأسكتلندي بيتر موريل، في وقت سابق من شهر أبريل في ما يتعلق باختلاس الأموال. ونفت ستورجون ارتكاب أي مخالفات، بينما لم يعلق موريل علناً.
وقاد الزعيم السابق، أليكس سالموند، الحزب الوطني الأسكتلندي إلى أول استفتاء على الاستقلال في عام 2014. ومع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة لتأسيسه، هذا الخريف، يتوقع قليلون أن تكون النتيجة أقرب إلى التصويت بنعم الآن من الخسارة التي تكبدها سالموند بنسبة 45 صوتاً مقابل 55 صوتاً في ذلك الوقت، وهذا على الرغم من انتقال المملكة المتحدة من أزمة إلى أخرى في السنوات الفاصلة.
«لا.. إنه أمر محبط، والاستقلال ليس قريباً»، قال أحد أعضاء البرلمان في الحزب الوطني الأسكتلندي، الذي رفض الكشف عن هويته للتحدث بصراحة، عندما سئل عما إذا كانوا يتفقون مع تقييم يوسف بأن الاستقلال أصبح قاب قوسين أو أدنى. وأضاف عضو البرلمان «نحن بحاجة إلى أن نكون واقعيين بشأن ما سيتطلبه الأمر لتحقيق ذلك، وهو بناء دعم ثابت ومستدام»، متابعاً «لم نصل إلى هناك بعد».
أزمة نهائية
تتقبل الشخصيات المؤيدة للاستقلال أن الزخم نحو الاستقلال قد توقف. وقال كبير الاستراتيجيين لحملة «نعم أسكتلندا» غير الناجحة لعام 2014، ستيفن نون، لصحيفة «بوليتيكو»: «لقد اقتربنا كثيراً في عام 2014، وتزايد الزخم في السنوات التي تلت ذلك، لاسيما رداً على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
واعترف نون قائلاً «أعتقد أن الطاقة التي تولدت من موجة 2014 قد تلاشت». وأضاف «لكن من خلال القيام بذلك (موجة 2014) أخذتنا إلى مستوى مرتفع جديد، مع وصول دعم الاستقلال إلى أعلى مستوياته التاريخية»، مشيراً إلى استطلاعات الرأي التي تظهر أن ما يقرب من نصف الأسكتلنديين يدعمون الاستقلال.
ومع عدم وجود استفتاء ثانٍ في الأفق، ووجود حزب الاستقلال في حالة من الفوضى، فمن غير المرجح أن يتمكن السياسيون من القيام بالخطوات العملية اللازمة لتأمين استقلال أسكتلندا في أي وقت قريب.
وفي الواقع، يشير البعض إلى أن الأزمة الحالية قد تكون بمثابة نهاية لحركة الاستقلال.
وأعلن أندرو نيل، وهو صحافي وحدوي بارز، أن فكرة أسكتلندا المستقلة «ماتت منذ جيل»، في عمود بعد رحيل يوسف. وحتى بيلا كاليدونيا، وهي مدونة مؤيدة للاستقلال بشدة، ويقرأ لها العديد من كبار القوميين، وصفت تصريحات الوزير الأول المنتهية ولايته بشأن الاستقلال بأنها «وهمية».
وفي تدخل أكثر دقة، كتب النائب عن الحزب الوطني الأسكتلندي، ستيوارت ماكدونالد، في صحيفة «سكوتسمان»، أن الزعيم الذي سيحل محل يوسف «يجب أن يعترف بأن محاولة الاستقلال الثانية لن تكون قريباً»، موضحاً «لاتزال هناك عقبات سياسية وفكرية كبيرة، ولا يمكننا الاستمرار في التظاهر بخلاف ذلك».
وفي عام 2020، تولت نيكولا ستورجن السلطة، وبدا الاستقلال أقرب من أي وقت مضى. ومع انتشار جائحة «كوفيد19»، في المملكة المتحدة، أصبحت زعيمة الحزب الوطني الأسكتلندي وجه استجابة أسكتلندا، حيث يتناقض أسلوبها الهادئ بشكل إيجابي مع الفوضى النسبية في إدارة بوريس جونسون للوباء من لندن.
وقال مارك ديفلي، أحد منظمي استطلاعات الرأي، متحدثاً في يناير الماضي، عن شعبية ستورجن «كانت معدلات قبولها أعلى من السقف إلى حدٍ كبير»، متابعاً «عندما كنا نجري استطلاعات في وقت قريب من الوباء، كنا نتحدث غالباً مع الناخبين الذين لم يكونوا من أنصار الحزب الوطني الأسكتلندي، ولم يكونوا من أنصار الاستقلال، ولكنهم يخبرون أنهم يعتقدون أنها كانت تقوم بعمل جيد حقاً في إدارة الجائحة».
ومع تحسن شعبية ستورجن، أعقبت تقييماتها ارتفاعاً طفيفاً في دعم الاستقلال، ما أدى إلى استطلاع صادم، يشير إلى أن دعم أسكتلندا المستقلة قد وصل إلى أعلى مستوى مسجل على الإطلاق. وفي سعيهم للاستجابة للمطالب القومية المتحمسة لإجراء استفتاء آخر كان من الصعب تجاهله، حدد وزراء حكومة المملكة المتحدة في صيف عام 2021 الشروط التي يمكن أن تؤدي إلى تصويت جديد، مستويات «ثابتة» من الدعم لهذه الخطوة في استطلاعات الرأي.
وأدى خلاف علني للغاية بين سالموند وستورجن، والذي اندلع في الخلفية، إلى انقسام في الحزب الوطني الأسكتلندي، أدى إلى نشوب خلاف داخلي. وكان سالموند قد حوكم عام 2020 في 13 تهمة بالاعتداء الجنسي، وتمت تبرئته، لكن تداعيات القضية كانت عميقة.
انتكاسات انتخابية
ويمكن أن تسوء الأمور دائماً على الرغم من كل الدراما النفسية التي تعرض لها الحزب الوطني الأسكتلندي. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن قضية الاستقلال قد لا تكون ميتة، وأنه حتى لو أضعفتها الانتكاسات الانتخابية، فإن العجز ليس من الضروري أن يكون نهائياً. وعلى الرغم من تراجع دعم الاستقلال منذ مطلع العام، إلا أن الحركة لاتزال مستقرة نسبياً مع تقدم بسيط فقط لنسبة الرافضين للاستقلال عن بريطانيا، وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة «بوليتيكو».
غالباً ما يشير القوميون إلى الدعم القوي للانفصال بين الشباب الأسكتلنديين كإشارة إلى أنه حتى لو لم يكن الأمر قريباً، فإن الاستقلال لايزال محتملاً في مرحلة ما. وقال نون، المدير السابق لـ«نعم أسكتلندا»: «أعتقد أن هناك موجة جديدة (نحو الاستقلال) آخذة في التشكل، حتى لو كان ما يعنيه ذلك على وجه التحديد ليس واضحاً بعد»، متابعاً «المرحلة التالية من الرحلة لن تكون هي المرحلة نفسها التي أدت إلى موجة عام 2014 وما بعده، لكنها ستأتي».
ولكنْ هناك قبول بين أعضاء البرلمان الأسكتلنديين بأن النتيجة الضعيفة في الانتخابات العامة المقبلة، المتوقعة في الخريف، ستضر بالقضية بشكل أكبر، وأن فقدان السلطة تماماً، بعد أكثر من 16 عاماً، في انتخابات البرلمان الأسكتلندي المقبلة في عام 2026 ستكون نكسة كبيرة.
وكتب أحد أعضاء البرلمان المخضرمين في الحزب الوطني الأسكتلندي، تومي شيبارد، في مناسبات عديدة «إذا خسر الحزب الوطني الأسكتلندي الانتخابات في أسكتلندا، فإن النقاش حول الاستقلال سيتوقف». ومع وجود اختبارين انتخابيين حاسمين يواجهان زعيماً جديداً للحزب الوطني الأسكتلندي في غضون العامين المقبلين، فإن الواقع هو أن التوقعات من الممكن أن تسوء دائماً بالنسبة لحركة الاستقلال.
• الزخم تزايد في السنوات التي تلت موجة المطالبة بالاستقلال، لاسيما رداً على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
• مع وجود حزب الاستقلال في حالة من الفوضى، فمن غير المرجح أن يتمكن السياسيون من تأمين استقلال أسكتلندا في أي وقت قريب.