دعت إلى عدم تصديق آلة الحرب في واشنطن
محللة أميركية: أجندة بوتين لا تتضمن غزو أي دولة حليفة لـ «الناتو»
السبب الرئيس في استمرار تدفق الدولارات والأسلحة إلى أوكرانيا، التي من الواضح أنها أصبحت أفغانستان أخرى، هو أننا إذا لم نفعل ذلك، سيقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالزحف إلى أوروبا، ويغزو دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مثل بولندا، إضافة إلى دول البلطيق، وستقوم الولايات المتحدة في هذه الحالة بنشر قواتها المسلحة لمحاربة الروس وحماية الدول الأوروبية، وهذه هي النقاط التي يستخدمها رجال المؤسسة السياسية الحاكمة في واشنطن، وتابعوهم من المعلقين في وسائل الإعلام، لإقناع الشعب الأميركي بمواصلة التخلي عن أموالهم التي يكسبونها بشق الأنفس. وفي الحقيقة، فإن رئيس مجلس النواب مايك جونسون، وهو عضو يميني في الكونغرس، الذي عارض تمويل جهود الحرب الأوكرانية، وقّع أخيراً، على حزمة ضخمة من المساعدات الخارجية قيمتها 95 مليار دولار، معظمها مخصص لكييف. وقال جونسون مبرراً إنفاق 61 مليار أخرى على ما ذهب المحللون الجادون إلى تقييمه بأنه حرب لا يمكن الانتصار فيها: «أعتقد أن بوتين سيواصل الزحف إلى أوروبا إذا سمحنا له بذلك»، وأضاف مشدداً: «أعتقد أنه ربما يتجه إلى دول البلطيق لاحقاً أو دولة أخرى من حلفائنا في حلف (الناتو)».
فهم طريقة تفكير بوتين
ولكن هل هذا الكلام صحيح؟ تشير الدلائل على أن المبرر لتبديد أموال الخزانة، وترسانة الأسلحة الأميركية، يمثل افتقاراً لفهم طريقة تفكير بوتين، والاستراتيجية الأمنية الروسية، وانعدام كفاءة جهاز أمننا الوطني. وفي أسوأ الظروف، فإنها كذبة يقدمونها كي تنطلي على الشعب الأميركي، بغية الوصول إلى أهداف أخرى.
وفي ما يلي الأسباب التي تدفع إلى القول إن بوتين لن يغزو أياً من دول حلف «الناتو»:
يعتقد العديد من الغرب أن بوتين دكتاتور طائش، يتمتع بطموحات للهيمنة. وباعتباري شخصاً أمضى حياته المهنية في مجال الأمن لدراسة وتحليل تفكير بوتين والعقيدة الروسية في استراتيجية الحرب، والأمن، أقول إنه «ربما لدى بوتين طموح للبقاء في السلطة، إلا أنه شخص عقلاني إلى حد كبير».
ودخل بوتين إلى أوكرانيا كي يفرض نسخته الخاصة من عقيدة «مونرو» (عقيدة مونرو هي ما قام به الرئيس الأميركي جيمس مونرو عام 1832 من توجيه تحذير لأوروبا بعدم التدخل في الجزء الغربي من العالم)، والهدف من ذلك منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف «الناتو»، واستعادة المنطقة العازلة التي اعتمدت عليها روسيا من أجل أمنها منذ قرون. ولن يسمح أي قائد عسكري عاقل لتحالف الأعداء بأن يتموضع على طول حدوده، البالغ طولها نحو 1000 ميل.
أهداف موسكو الاستراتيجية
وأعلن بوتين أسباب دخوله إلى أوكرانيا ولم يبقها سراً، إضافة إلى دول الاتحاد السوفييتي السابقة، مثل بيلاروسيا، ومولدوفا، وجورجيا. وأعلن رجل روسيا القوي في خطاب علني له، وبوضوح، أن دول ما بعد الاتحاد السوفييتي، بما فيها أوكرانيا، هي محظورة على النفوذ الغربي، وأن قبولهم في حلف الناتو يعتبر تجاوزاً للخط الأحمر.
وإضافة لذلك، فإن كل وثيقة تخطيط استراتيجي لروسيا الفيدرالية، مثل مفهوم السياسة الخارجية، واستراتيجية الأمن القومي، والعقيدة العسكرية، وما شابه ذلك، منذ عام 2000، وفي بعض الحالات منذ عام 1993، تدون أهداف موسكو الاستراتيجية، المتمثلة في إعادة الاندماج مع جيرانها من دول ما بعد الاتحاد السوفييتي، في تحالف يتجاوز الحدود الوطنية، وأطلقت عليه موسكو «الاتحاد الأوراسي».
وبالمقارنة ليس هناك خطط لـ«الاندماج» أو الاستيلاء بالقوة على دولة عضو في «الناتو» تم الإعلان عنها في أي وثيقة، أو خطاب رسمي صدر عن بوتين أو الكرملين.
رموز وكلمات مشفرة
وباعتباري ضابطاً في وكالة المخابرات الدفاعية، وأحد كبار ثلاثة من المحللين في العقيدة والاستراتيجية الروسية، التي تعمل مع الخدمات الوطنية السرية التابعة للمخابرات الأميركية المركزية (سي آي إيه)، فقد وصلت إلى المعلومات الاستخباراتية الأكثر حساسية وأهمية، بما فيها الاستخبارات السرية جداً، المحمية برموز وكلمات مشفرة، إلا أنني لم أجد أي معلومات استخباراتية تكشف أو تشير إلى أن بوتين خطط لاحتلال دول أوروبية أبعد من دول الاتحاد السوفييتي. وقمنا بتنفيذ ألعاب حرب متعددة على الكمبيوتر، تحاكي الحرب بين روسيا والولايات المتحدة وحلف «الناتو»، وجربنا جميع السيناريوهات الممكنة، مثل اندلاع حرب محلية بين روسيا وإحدى جاراتها من دول الاتحاد السوفييتي السابق، ومن ثم تتحول إلى حرب مع الولايات المتحدة وحلف الناتو. ولم يكن هناك أي سيناريو يتضمن روسيا تهاجم إحدى دول حلف «الناتو»، والتي لا تعتبر جزءاً من استراتيجية روسيا المتعلقة بالمنطقة العازلة. وفي الحقيقة، فإن جميع التقييمات الصادرة عن مكتب مدير الأمن القومي، بما فيها ما يتعلق بعام 2024، يتضمن تحليلاً يشير إلى قيام بوتين بغزو دولة عضو في «الناتو». وإذا كان مثل هذه المعلومات موجوداً، يمكنك التأكد من الكشف عنها في الحال، لأنها تخدم الغرض الأساسي للطبقة السياسية، المتمثل في قيام الشعب الأميركي بالاستمرار في تمويل حرب لا نهاية لها، فقد كشفت وكالات المخابرات في السنوات الماضية عن معلومات غاية في الحساسية، لأنها كانت تخدم مصلحة الطبقة السياسية، وهي تقوم بتسريب مثل هذه المعلومات لوسائل الإعلام، مثل: «واشنطن بوست»، و«نيويورك تايمز».
تناقض مع المؤسسة السياسية
ولكن على النقيض من ذلك، فإن العديد من تقييمات الاستخبارات الأميركية يتناقض مع خطاب المؤسسة السياسية، الذي مفاده أن بوتين يريد غزو دول أعضاء في «الناتو». ويدرك بوتين أن أي حرب مع دول في حلف الناتو تثير المادة الخامسة في ميثاق الحلف، وهي الدفاع الجماعي عن دول الحلف، وهو أعلن مراراً وتكراراً أنه لا يريد حرباً مع حلف «الناتو». وفي نهاية المطاف، عرف قادة حلف «الناتو» منذ نحو 2013، وربما في وقت سابق، الكثير عن خطط بوتين لاستعادة محيط الأمن الاستراتيجي لروسيا. وكوني مسؤولة كبيرة سابقة في مجتمع الاستخبارات الأميركية، فقد كنت، شخصياً، أقدم، ولمرات عدة، موجزاً عن خطط بوتين واستراتيجية الحرب لدى روسيا، لموظفي الأمن القومي في البيت الأبيض في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وقدمت مثل هذا الموجز مرات كثيرة لقادة الجيش وموظفي وزارة الدفاع الأميركية، إضافة إلى وزراء حلف «الناتو» والقادة العسكريين، بما فيها خلال فترة ما قبل بضعة أشهر من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.
بوتين ليس انتحارياً
وباعتبار الرئيس جو بايدن كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما في ذلك الوقت، والشخص المطلع على سياسة أوكرانيا، ومهندس إعادة «ضبط» استراتيجية روسيا، كان لابد من اطلاعه على مثل هذه الموجزات. ولو اعتقد أحد في الولايات المتحدة أو من كبار قيادة حلف «الناتو» أن بوتين سيغزو دولة عضو في حلف «الناتو» فلماذا لم يعززوا الإنفاق الدفاعي هناك قبل أن تقوم روسيا بالهجوم في عام 2022؟ حتى هذا اليوم فقد فشل معظم دول حلف «الناتو» في التوصل إلى إنفاق 2% من إجمالي الناتج القومي، على الدفاع.
ومهما قلنا عن بوتين، فإن المؤكد أن الرجل ليس انتحارياً، ولهذا فإن غزو دولة عضو في حلف «الناتو» ليس من ضمن أجندته. وإذا كانت النخبة الحاكمة في واشنطن تريد مواصلة تمويل حرب أخرى بلا نهاية، بحيث أنها تفقر الشعب الأميركي، نظراً إلى أن التضخم يتزايد في بلادنا، يتعين عليهم أن يجدوا سبباً أكثر ذكاء ومنطقية مما يطرحونه حالياً.
ريبيكا كوفلر* *محللة في معلومات الاستخبارات العسكرية الاستراتيجية الأميركية وكاتبة مستقلة عن مجلة «نيوزويك»
. تشير الدلائل إلى أن المبرر لتبديد أموال الخزانة، وترسانة الأسلحة الأميركية، يمثل افتقاراً لفهم طريقة تفكير بوتين والاستراتيجية الأمنية الروسية.
. العديد من تقييمات الاستخبارات الأميركية يتناقض مع خطاب المؤسسة السياسية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news