التقارب الصيني الروسي ضرورة حيوية وطويلة الأمد لكلا البلدين
في مارس من العام الماضي، توقف الزعيم الصيني شي جينبينغ عند باب الكرملين، وقبل أن يودع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عرض عليه فكرة أخيرة، مستخدماً عبارة صينية تمثل ما تعتبره الصين تغييراً تاريخياً في النظام العالمي، قال شي: «دعونا نعززه معاً». وفي 16 مايو التقى الزعيمان للمرة الـ43، وعندها أصبحت روسيا شريكاً متزايد الأهمية في حملة الصين ضد القوة الأميركية. وأصبحت العلاقات الاقتصادية أقوى وبدت في الأفق دلائل على تعميق الروابط العسكرية. وهذا الشهر، شددت الولايات المتحدة مرتين العقوبات على التجارة الصينية الروسية، وردت حكومة شي بشدة، وحثت الغرب على «التوقف عن تشويه الصين».
وكانت الصين الوجهة الأولى لبوتين في الخارج بعد الانتخابات الروسية التي جرت في مارس، والتي منحته ولاية خامسة كرئيس. وخلال تلك الزيارة كان هناك نوع من التماثل مع ما جرى في زيارة عام 2023. وجاء ذلك بعد أن أعطى البرلمان الصيني موافقته المبدئية على أن يخدم شي لفترة ولاية ثالثة كرئيس. وبعد أيام من إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق بوتين، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، كان هذا اللقاء بينهما يمثل ازدراء لجهود الغرب للوقوف ضد جهودهما.
آفاق جديدة في العلاقة
وأصبح دعم الصين لروسيا، الآن، موضع تدقيق مكثف من قِبل الغرب. ويرى الغرب أن صداقتهما ارتقت إلى آفاق جديدة في العديد من المجالات. وقبل وصوله إلى بكين في رحلته الأخيرة، صرح بوتين لوسائل الإعلام الرسمية الصينية بأن البلدين لديهما «ثقة متبادلة عميقة»، وأنهما يعززان «تنسيقهما في السياسة الخارجية، من أجل بناء نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب». وتقول أميركا وحلفاؤها، إن الشركات الصينية تقدّم دعماً حاسماً لصناعة الدفاع الروسية.
والأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للدول الغربية، هو تدفق التكنولوجيا الصينية، وغيرها من العناصر المفيدة إلى الشركات الروسية المصنعة للأسلحة. وخلال زيارتين منفصلتين للصين في أبريل، انتقدت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، المسؤولين الصينيين بشأن هذا الأمر. وقال بلينكن للصحافيين في نهاية رحلته، إن الصين هي «المورد الأكبر» للأدوات والإلكترونيات الدقيقة، وغيرها من العناصر التي تعتبرها أميركا «ذات استخدام مزدوج»، ما يعني أن لها تطبيقات مدنية وعسكرية. وأضاف: «لن تستطيع روسيا مواصلة هجومها على أوكرانيا دون دعم الصين». وفي وقت لاحق، علق رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي، بورج بريندي، بأن التكنولوجيا الصينية مكنت روسيا خلال العام الماضي من إنتاج الأسلحة والذخيرة «بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في تاريخها الحديث، بما في ذلك خلال الحرب الباردة».
وتدعم بيانات التجارة وجهة النظر الأميركية. على سبيل المثال، أدوات تشغيل المعادن اللازمة لصنع الأسلحة. قبل الحرب في أوكرانيا، كان العديد من مزودي روسيا بالأنواع المتقدمة هم من أميركا وأوروبا والدول الغنية في آسيا، إلا أن العقوبات أدت إلى قطع هذه الإمدادات، ما دفع روسيا إلى اللجوء للصين. وفي عام 2022، زادت واردات روسيا من الأدوات الآلية من الصين بنسبة 120% تقريباً إلى 362 مليون دولار، وفقاً لأرقام التجارة الصينية. وفي عام 2023 ارتفعت مرة أخرى بنحو 170%، وارتفعت حصة الصين من هذه الواردات الروسية من أقل من 30% قبل الحرب، إلى نحو 60% في عام 2022، و88% في عام 2023.
ويعتقد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث أميركي، أن رحلة شي إلى موسكو في مارس من العام الماضي أسهمت في تسريع هذا التحول. ففي تقرير عن صناعة الدفاع الروسية، نُشر في أبريل، فإن هناك «زيادة حادة» خلال ذلك الشهر في الشحنات الصينية إلى روسيا، من السلع ذات الاستخدام المزدوج التي صنفتها أميركا على أنها «أولوية قصوى»، وهذا يعني أنها ذات أهمية كبيرة في تصنيع روسيا.
وتعمل أميركا، الآن، على تكثيف الضغوط على الصين لوقف بيع المعدات ذات الأولوية العالية. وفي الأول من مايو، فرضت عقوبات على نحو 300 كيان أجنبي، بما في ذلك 20 شركة من الصين القارية وهونغ كونغ، واتهمتها وزارة الخزانة بمساعدة روسيا في «الحصول على مدخلات رئيسة للأسلحة أو الإنتاج المتعلق بالدفاع»، ومن غير الواضح ما إذا كانت أي من الشركات الصينية تعمل تحت إشراف الدولة.
حدود العلاقة
وفي بعض النواحي تستطيع الدول الغربية أن تطمئن إلى أن العلاقة بين الصين وروسيا لها حدود. ومن الواضح أن الصين تدرك خطر التصعيد مع أميركا. ففي ديسمبر، سمح الرئيس الأميركي جو بايدن لوزارة الخزانة بفرض عقوبات على البنوك الأجنبية المشاركة في صفقات تعمل على مساعدة الجيش الروسي. وأصبح العديد من البنوك المملوكة للدولة في الصين أكثر حذراً، وهي إما أوقفت أو أبطأت المعاملات المتعلقة بكيانات روسية، كما أن الصين لا تتماشى تماماً مع تفكير بوتين في ما يتعلق بأوكرانيا. وينسب بلينكن الفضل إلى شي في إقناع روسيا بعدم استخدام سلاح نووي في أوكرانيا، كما أن الصين لم تبد متحمسة لقرار إعلان روسيا الحرب على أوكرانيا، فهي لا تعترف بشبه جزيرة القرم أو دونباس كجزء من الأراضي الروسية.
ومع ذلك، فإن الصين حريصة في نهاية المطاف على ضمان بقاء النظام الروسي، فهي لن ترغب في أي نتيجة تؤدي إلى خسارة بوتين للسلطة. فهو مفيد للغاية في صراع الصين مع الغرب، ويتجلى هذا بوضوح في العلاقة الوثيقة بين القوات المسلحة الصينية والروسية. ففي مارس، أجرت القوات البحرية الروسية والصينية والإيرانية تدريبات مشتركة في خليج عُمان، وهي الأحدث في سلسلة بدأت في عام 2018، وربما كانت الدورية البحرية المشتركة التي قامت بها روسيا والصين في أغسطس قرب ألاسكا هي الأكبر على مقربة من البر الرئيس الأميركي.
روسيا لن تقاتل إلى جانب الصين
روسيا والصين ليستا مستعدتين بعدُ للقتال جنباً إلى جنب. فقدأفاد آخر تقييم سنوي للتهديدات نُشر في فبراير، بأن المناورات المشتركة لم تسفر إلا عن «تحسينات طفيفة فقط في قابلية التشغيل البيني»، لكنها تبدو أكثر وسيلة للإشارة إلى عمق العلاقة. إحدى الرسائل الضمنية هي أنه إذا ذهبت الصين وأميركا إلى الحرب، فسيتعين على أميركا أن تعتمد على روسيا التي تقدم الدعم غير المباشر للصين، على الأقل.
ونظراً للصعوبات التي تواجهها روسيا في أوكرانيا، فربما تدرك الصين أن مهاجمة تايوان عبر مضيق يزيد عرضه على 125 كيلومتراً مع قوات تفتقر إلى أي خبرة قتالية، ستكون مخاطرة من الأفضل عدم القيام بها لفترة أطول، ومع ذلك يريد شي أن يُظهر لأميركا أنه مستعد للقتال، وأن يجعل بلاده مستعدة لهذا الاحتمال.
وعلى العكس من ذلك فإنه إذا اندلعت حرب بين الصين وأميركا، فإن روسيا تستطيع أن تحافظ على تزويد الصين ببعض الطاقة التي تحتاجها على الأقل، متجاوزة نقاط الاختناق البحرية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، باستخدام خطوط الأنابيب والطرق البرية. وفي العام الماضي، وصلت واردات الصين من النفط الروسي إلى مستوى قياسي بلغ 107 ملايين طن، أي أكثر بنسبة 24% مما كانت عليه في عام 2022. وتزود روسيا نحو خُمس واردات الصين من النفط الخام، ما يجعلها المصدر الأكبر. وارتفعت واردات الصين من الغاز الطبيعي الروسي بنسبة 62%، وتريد روسيا أن تشتري الصين المزيد من خلال خط أنابيب الغاز الثاني المقترح. وقد استمرت المحادثات لسنوات، حيث اتخذت الصين موقفاً صارماً بشأن السعر.
زواج مصلحة
إن حرب بوتين في أوكرانيا لم تجعل الوضع مريحاً بالنسبة لشي. لقد ركزت الحرب في أوكرانيا اهتمام الغرب على الحاجة إلى تعزيز دفاعات تايوان، ما قد يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للرئيس الصيني الهجوم على الجزيرة، كما أنها جعلت الدول الأوروبية أكثر حذراً تجاه الصين، حيث تنظر هذه الدول إلى دعمها لروسيا باعتباره تهديداً غير مباشر لأمن القارة.
ويعد وجود بوتين على سدة الحكم في روسيا صمام أمان للحزب الشيوعي الصيني، لأنه إذا حكم روسيا زعيم ليبرالي موالٍ للغرب، فإن الزعيم الصيني سيخشى أن تصيب العدوى بلاده. وفي اجتماعهما في موسكو العام الماضي، تعهد الزعيمان بالتعاون في محاربة «الثورات الملونة»، ويعد ذلك ليس زواج مصلحة، وإنما ضرورة حيوية طويلة الأمد لكلا الرجلين. عن «الإيكونوميست»
. الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للدول الغربية هو تدفق التكنولوجيا الصينية، وغيرها من العناصر المفيدة إلى الشركات الروسية المصنعة للأسلحة. وخلال زيارتين منفصلتين للصين في أبريل، انتقدت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، المسؤولين الصينيين بشأن هذا الأمر.