أزمة السكن في أوروبا تُجبر الشبان على العيش مع والديهم
خلال طفولته كان الشاب الإيرلندي كونر (25 عاماً) والذي رفض الإفصاح عن اسمه الكامل، يشاهد إخوته الكبار وهم ينتقلون من مسكن العائلة إلى سكن خاص بهم وهم في بداية العشرينات من أعمارهم، لكنه عندما بلغ الـ20 من العمر تغيرت الصورة على نحو مختلف تماماً، وتغيرت العادة في دائرته الاجتماعية في العاصمة دبلن، حيث تضاعفت أجور المنازل منذ عام 2013، ما أجبر الشبان على العيش في منازل والديهم حتى يبلغوا منتصف العشرينات. وقال كونر: «يعيش أصدقائي في الجامعة مع آبائهم أو أقربائهم، ولا يرجع ذلك إلى قلة الطموحات، وإنما نتيجة غلاء أجور المنازل».
وعلى الرغم من أن كونر انتقل إلى غرفة استأجرها من أحد أصدقائه فإنه اضطر للعودة إلى بيت عائلته نظراً للارتفاع الكبير في أجور المنازل. وعلى الرغم من أن كونر وأصدقاءه يدخرون المال من أجل شراء شقة فإن ارتفاع أسعار العقارات يعني أن الآخرين عاجزون عن الادخار من رواتبهم. ويقول كونر: «البعض يقول: لقد فشلت، وسأذهب لأعيش مع عائلتي إلى الأبد».
وسجلت إيرلندا ارتفاعاً كبيراً للغاية في أعداد البالغين الذين يعيشون مع آبائهم خلال فترة جائحة كورونا، وفي ظل أزمة السكن الحادة فيها، وفي الفترة ما بين 2017 و2022، حيث أحدث بيانات العام المتاحة، ارتفعت نسبة العاملين الذين تراوح أعمارهم بين 25 و34 عاماً والذين يعيشون مع والديهم من 27٪ إلى 40٪، وفقاً لتحليل أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي «يوروفاوند» المهتمة بتحسين حياة السكان.
وتقول حكومة إيرلندا إنها تهدف إلى توفير نحو 33 ألف منزل جديد في كل عام حتى عام 2030 على الرغم من أن منظمة الإسكان الأوروبية غير الحكومية تقول إن هذا الرقم أقل مما تحتاجه إيرلندا. وفي أغسطس الماضي أظهرت بيانات شركة «إيربنبز» التي تعمل في مجال تأجير المنازل، أن عدد من استأجروا من خلالها لفترات طويلة على أصحاب الفترات القصيرة كنسبة 14 إلى 1 في إيرلندا، كما أن التنظيم الذي طال انتظاره لفترات الإيجار القصيرة الأمد لايزال قيد التنفيذ.
وفي الوقت الحالي يقوم كونر، الذي يعمل في شركة تقنية، ويدفع لوالديه 500 يورو شهرياً مقابل سكنه معهم، بدراسة الخيارات المتاحة أمامه، وقد يبقى في مكانه ويحاول الحصول على قرض عقاري بمفرده، رغم أنه يدرك أنه باعتباره المشتري الشاب والوحيد فإنه سيكون في وضع ضعيف في التنافس ضد الأزواج الأكبر سناً الذين لديهم ودائع أكبر.
وعلى الرغم من التكاليف العالية للإيجارات الجديدة في دبلن والتي يبلغ متوسطها نحو 2098 يورو فإن هذا الوضع ربما يضطر المستأجر لمحاولة ثانية من أجل الاستقلال عن أسرته. وقال كونر: «الوضع ليس مثالياً، فأنا أريد أن أكون مستقلاً وأجد الفرصة كي أهتم بنفسي، وإذا كنت مرتبطاً مع أحد فلا أستطيع دعوته إلى المنزل، وهذا ربما يشكل تحدياً كبيراً أيضاً».
أشعر بأن النظام خذلني
في قارة تتصارع مع أزمات السكن التي باتت متفجرة على الصعيد السياسي، أصبح تزايد تعداد الشبان العاملين والذين يعيشون في بيوت آبائهم ليس أمراً تختص به إيرلندا. وأظهرت تحليلات صادرة عن وكالة «يوروفاوند» التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي تعمل على تحسين ظروف حياة الناس، ارتفاعاً في أسعار الإيجارات في العديد من دول القارة، ففي إسبانيا زادت من 35% إلى 42% في الفترة ما بين 2017 و2022.
وبخلاف كونر، عاشت الإسبانية لورا حياتها مستقلة لنحو عقد من الزمن حتى وقت قريب، وعلى الرغم من بلوغها سن الـ30 من العمر فإنها اعتقدت أن أيام عيشها مع والديها كانت من الماضي، ولكن عندما انتهى عقد إيجار الشقة التي تعيش فيها شراكة مع آخرين في برشلونة، وجدت نفسها تنتقل للعيش مع والدها، وكانت تعتقد أن ذلك بمثابة حل مؤقت سيكون لفترة قصيرة حتى تجد مكاناً تستأجر فيه منزلاً خاصاً بها، ولكن انقضى نصف عام حتى الآن ولم تجد مثل هذا المكان.
وتقول لورا التي تعمل في عمل إداري: «أبحث عن شقة منذ ستة أشهر دون إحراز أي نجاح، وأتطلع للعيش وحدي بشقة إيجارها 1000 يورو، وشاهدت منذ أيام إعلاناً عن شقة بأجر 990 يورو شهرياً، لكن من دون نوافذ، ويقول الإعلان إن هذه الشقة للأشخاص الذين يريدون النوم فيها فقط، ويوفرون المال».
وشعرت لورا بأن النظام يعمل ضد جيلها، وقالت: «أنا في وضع متميز، فأنا أحمل شهادة ولدي عمل جيد، لكن على الرغم من ذلك أشعر بأن النظام يخذلني، وفعلت كل شيء ممكن ولكني لم أتمكن من الحصول على استقلاليتي، ويشعر جميع أصدقائي بالشعور نفسه، ونحن نناقش ذلك دوماً». وخرجت الاحتجاجات إلى الشوارع نتيجة ما يعانيه الشبان من أزمة سكن خانقة.
وكانت برشلونة في دائرة الضوء منذ انقلابها ضد السياحة المفرطة، ورفعت شعارات انتشرت على جدران المنازل تقول: «أيها السياح ارجعوا إلى بلادكم». وأخيرا يقال إن أسعار الإيجارات ارتفعت في الأحياء التي يقطنها العاملون الرحل بالأجهزة الرقمية، والذين تتجاوز قوتهم المالية الرواتب المحلية.
وقامت المدينة بالعديد من الخطوات من أجل معالجة أزمة السكن المستمرة لفترة طويلة، بما فيها تنظيم الإيجارات لفترة قصيرة، وزيادة الضرائب على السياح، وفي الوقت ذاته أدخلت إسبانيا العام الماضي تشريعات تهدف إلى دعم الإسكان الاجتماعي، وتقديم أحكام لضوابط الإيجار، والتي تبنتها برشلونة في مارس الماضي.
وعلى الرغم من أن لورا كانت محظوظة لأنه كان لها مكان تعيش فيه في برشلونة، فإنها وجدت صعوبة في التكيف. وقالت إن أزمة السكن سلطت الضوء على الانقسامات الاقتصادية بين أقرانها. وأضافت: «لدي أصدقاء لم أخبرهم بما أعانيه، لأنني أشعر بالخجل من الوضع رغم أنه خارج عن إرادتي، ولن أدعو أصدقائي لتناول العشاء هنا».
مغادرة المدن
وفي البرتغال أيضاً بات الوضع الذي تعيشه لورا شائعاً لدى الجميع، وأدى تحرير سوق الإسكان والتأجير لفترة قصيرة والذي يدر أرباحاً كبيرة، وتزايد أعداد العاملين عن بعد، والسياح، إلى دفع العديد من السكان المحليين إلى مغادرة مدن مثل لشبونة، ما دفع الحكومة إلى تنفيذ حملة صارمة على تأجير العطلات، وفرض قيود على نظام «التأشيرة الذهبية»، وارتفع معدل العاملين البالغ أعمارهم ما بين 25 و34 عاماً ويعيشون مع أبويهم من 41% في عام 2017 إلى 52% في عام 2022، وفق تحليلات وكالة «يوروفاوند». عن «الغارديان»
تخصيص الشقق للسياح
أمر شائع في البرتغال أن تبلغ ال 30 وأنت تعيش مع والديك. أرشيفية
عاش فرانسيسكو (28 عاماً) مع والديه منذ عام 2020 بعد عودته من الدراسة في الخارج. وهو لا يبحث عن شقة للإيجار، وإنما يأمل في الادخار من أجل شراء شقة.
وشعر فرانسيسكو بأن خيارات الإسكان المتاحة له في السوق الحالية كانت محدودة، وقال: «ليس من الممكن في الوقت الحالي الحصول على سكن، إذ أصبحت الإيجارات مرتفعة الثمن بصورة مفرطة حتى بالنسبة لشقة صغيرة تتألف من غرفة واحدة في الضواحي، وببساطة ليس من الممكن الحصول على سكن وسط برشلونة، لذا فإن معظم الشقق السكنية أصبحت مخصصة للسياح، وإذا كنت تريد العيش هناك فيجب أن تحصل على راتب من بلد مختلف».
وفرانسيسكو طالب يعد شهادة الدكتوراه، ويبلغ من العمر 28 عاماً، كما أنه ليس وحيداً الذي يعيش هذه الظروف، وحتى من يعملون في أعمال تُدر عليهم رواتب كبيرة، وهو يقول: «إنه أمر شائع في البرتغال أن تبلغ الـ30 من العمر وأنت تعيش مع والديك، ولن يُصدر الآخرون عليك أية أحكام، وفي الوقت الحاضر فإن الطريقة الوحيدة التي تستطيع تخيل نفسك وأنت تعيش مستقلاً وحدك هي أن تعيش فترة من الزمن مع والديك حتى تتمكن من ادخار بعض المال».
تدني الأجور
كالينيتش قالت إنها تتوقع البقاء في منزل عائلتها نحو 3 سنوات. أرشيفية
سجلت كرواتيا ارتفاعاً في نسبة الشبان الذين يعيشون في منازل والديهم، وخلال السنوات الأخيرة كانت الشابة الكرواتية جيلينا كالينيتش (25 عاماً) تواظب على مشاهدة مواقع التأجير، وهي تفكر في الانتقال من منزل عائلتها إلى ضواحي مدينة زغرب العاصمة الكرواتية، لكنها قالت بعد دخول كرواتيا نظام «شينغن» الذي يُعفي من الفيزا لدخول الدول الأوروبية الأخرى ومنطقة عملة اليورو في يناير من العام الماضي، إنها قررت البقاء مع والديها وجدتها في الوقت الحاضر، بالنظر إلى أن العقارات ارتفعت أسعارها بنسبة 14% في الربع الأول من عام 2023.
وتقول كالينيتش التي تعمل بدوام كامل في المبيعات والتمويل بينما تكمل دراستها أيضاً، إن الارتفاع في التكاليف يعني أنها مثل العديد من أقرانها من المرجح الآن أن تبقى في منزل عائلتها حتى تتمكن من توفير ما يكفي من المال لشراء شقة.
وتؤكد أنه في الوقت الذي أصبح فيه إيجار الشقة المشتركة مرتفعاً أيضاً «ارتفع الحد الأدنى للأجور في هذا العام، لكن مقارنةً بالسكن فهو ليس جيداً. وارتفعت كلفة الشقق في الضواحي أيضاً، ولم يعد من الممكن استئجارها بمفردنا بالأجور التي نحصل عليها».
وتضيف كالينيتش أنها تشعر بالامتنان لأن والديها متفهمان، لكنها تحدثت بصراحة حول سلبيات العيش في منزل العائلة، وهو الأمر الذي ستقوم به لنحو ثلاث سنوات على الأقل. وتختتم بالقول: «أستطيع أن أدعو أصدقائي إلى المنزل، ولكن لنكن واقعيين فأنا لا أستطيع أن أقيم أي حفلة في منزل عائلتي. ودعوني أقل إن حياتي الاجتماعية صعبة بعض الشيء، فالعيش مع والديك في سن 25 عاماً أمر محبط بعض الشيء».
. رغم التكاليف العالية للإيجارات الجديدة في دبلن والتي يبلغ متوسطها نحو 2098 يورو، فإن هذا الوضع ربما يضطر المستأجر لمحاولة ثانية من أجل الاستقلال عن أسرته.
. قامت مدينة برشلونة بالعديد من الخطوات من أجل معالجة أزمة السكن المستمرة لفترة طويلة، بما فيها تنظيم الإيجارات لفترة قصيرة، وزيادة الضرائب على السياح.