الاقتصاد الأميركي يمر بمأزق حرج بسبب ارتفاع مستوى الديون
هناك الملايين من فرص العمل التي توفرها سوق العمل في أميركا، كما تشهد البلاد معدل بطالة منخفضاً. وفي الواقع، لم يحدث هذا المستوى المنخفض منذ عقود. قد يعتقد البعض أن هذا يعني أن الاقتصاد في أفضل حالاته، لأن فترات البطالة المنخفضة، ترتبط عموماً بارتفاع معدلات الرخاء الاقتصادي، لكن هناك عدد كبير من العلامات المقلقة في الوقت الحالي، مثل أن نسبة كبيرة ومتزايدة من الناس، خصوصاً الجيل «زد»، باتوا غارقين بمستويات عالية من ديون بطاقات الائتمان، لتغطية إنفاقهم لدرجة أن المقرضين توقفوا عن إقراضهم مزيداً من الأموال.
ويبدو أن هذه هي الحال مع الكثير من البيانات الاقتصادية الأخيرة، حيث لا توجد أدلة دامغة تجعل الاقتصاديين يؤكدون صحة تعافي الاقتصاد. ويقول كبير الاقتصاديين في مؤسسة «ايي واي»، غريغوري داكو: «لن أمنح الاقتصاد شهادة صحية نظيفة» مضيفاً: «يبدو الأمر في ظاهره أن الاقتصاد يتمتع بالقوة، إلا أن هناك جيوباً من القلق».
وفي حين أن حالة الاقتصاد تجعل الاقتصاديين يتريثون في كل عبارة يتفوهون بها، فإن المرشحين الرئاسيين ينظران إليها من منظور أكثر ثنائية. على سبيل المثال، يؤكد الرئيس جو بايدن للناخبين أن الاقتصاد مزدهر، وأن أداءه الآن أفضل من أي وقت مضى، على الرغم من أنه كعادته دائماً يقول إن هناك عملاً يتعين القيام به. ومع ذلك، فمن وجهة نظر الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن «الاقتصاد ينهار» وهو في حالة من الفوضى الكاملة، كما قال في تجمع انتخابي عقد، أخيراً، في ولاية ويسكونسن. وإليكم حقيقة ما يحدث بالفعل للاقتصاد.
الخبر السار
حالياً، هناك 8.5 ملايين وظيفة شاغرة، وهذا يتجاوز عدد الوظائف الشاغرة قبل وباء «كورونا» بمقدار 1.5 مليون. وفي الوقت نفسه، هناك 6.5 ملايين من العاطلين عن العمل، وهذا يعني أن هناك أكثر من وظيفة لكل باحث عن عمل. وفي العقد الذي سبق الوباء، كانت هذه النسبة 0.6 في المتوسط، ما يدل على أن عدد الباحثين عن عمل أكبر من عدد الوظائف الشاغرة.
الخبر السيئ
على الرغم من أن التضخم قد تباطأ بشكل كبير منذ أن وصل إلى ذروته في صيف عام 2022، فإن المزيد من النجاح الذي قد يحرزه الاحتياطي الفيدرالي ليحقق هدفه البالغ 2%، يبدو أنه سيستغرق وقتاً طويلاً. لقد فاجأ هذا المسار العديد من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي، بمن في ذلك محافظ البنك كريستوفر والر الذي اعتقد أن الاقتصاد سيكون في وضع جيد، لخفض أسعار الفائدة الآن. إلا أن والر استدرك في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء: «ومع ذلك، فإن الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 سكبت ماء بارداً على هذه التوقعات، حيث جاءت البيانات المتعلقة بالتضخم والنشاط الاقتصادي أكثر برودة مما كان متوقعاً». لكنه قال: «إن بيانات مؤشر أسعار المستهلك لشهر أبريل، التي أظهرت تراجع مستويات التضخم الرئيسة قليلاً، شكلت ارتياحاً وكانت موضع ترحيب». وأضاف: «إذا كنت أستاذاً واضطررت إلى تخصيص درجة لهذا التضخم، فسوف أمنحه درجة C (+ -) بعيدة كل البعد عن الفشل، لكنها ليست ممتازة بالقدر الكافي». ولكن في الوقت نفسه، يعتقد المستهلكون أن التضخم سيرتفع في العام المقبل، وفقاً لاستطلاعين نظمهما الاحتياطي الفيدرالي.
وبما أن توقعات التضخم يمكن أن تتحكم بشكل فعّال في وتيرة ارتفاع الأسعار، فإن الشركات تأخذ هذه التوقعات في الاعتبار عند تسعير السلع والخدمات. يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار. ومع ذلك، جاءت القراءة المبكرة لإنفاق التجزئة لشهر أبريل أضعف بكثير من المتوقع، حيث قام المستهلكون بكبح إنفاقهم. وهذا أمر جيد، بمعنى أنه لا يمنح تجار التجزئة القدرة على تمرير أسعار أعلى للمستهلكين، إذا لم يكونوا على استعداد لقبولها، وهو ما كانت عليه الحال في السابق، لكن نظراً لأن الإنفاق الاستهلاكي هو أحد أكبر محركات الاقتصاد، فإن التراجع يمكن أن يؤدي إلى آثار سلبية أيضاً.
الخبر الأسوأ
أكبر ضوء أحمر في الاقتصاد في الوقت الحالي، هو مستوى الديون التي يتحملها عامة الشعب. أحد الأسباب وراء استمرار الإنفاق الاستهلاكي بشكل جيد في مواجهة التضخم العالي والمقترن بأعلى أسعار الفائدة منذ أكثر من عقدين، هو أن المستهلكين لا ينفقون بالضرورة في حدود إمكاناتهم. لقد تبخرت المدخرات التي تراكمت لدى الكثيرين أثناء الوباء، ما أدى إلى المزيد من عمليات شراء بطاقات الائتمان التي لا يتم سدادها في الوقت المحدد.
هذا، جنباً إلى جنب مع سوق العمل التي بدأت تتعثر بعض الشيء، ما يقلل من استدانة العمال، ويتسبب في تراكم المزيد من الديون على بعض الأسر، والوقوع في دوامة هذه الديون، وهو ما يؤدي إلى تأخر السداد لأكثر من 90 يوماً. فقد أظهرت بيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة في نيويورك، أن النسبة المئوية لأرصدة بطاقات الائتمان التي تعاني وضعاً خطراً، ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2012.
إذا استمر ارتفاع مستويات الديون الاستهلاكية ومعدلات التخلف عن السداد، فإن ذلك لا يمثّل مجرد مشاكل فردية، حيث كتب أستاذ الاقتصاد والمالية بجامعة لويولا ماريماونت وكبير الاقتصاديين في مؤسسة «اس اس ايكونوميك»، سونج وون سون، في مذكرة حديثة: «يمكن أن يؤدي ذلك إلى آثار على الاقتصاد الكلي، تتطلب اهتماماً من صنّاع السياسات الاقتصادية» ويستنتج أنه «مع توجيه المزيد من الدخل نحو سداد الديون، فإن هناك دخلاً أقل لدى المستهلكين لينفقوه على المشتريات الأخرى».
ويعتقد أن ارتفاع حالات التأخر في السداد من المرجح أن تجبر البنوك والمقرضين الآخرين على إقراض أموال أقل للمقترضين الذين يُعدُّون أكثر خطورة أو إقراضهم بأسعار فائدة أعلى. وفي نهاية المطاف، يمكن لهذه التأثيرات مجتمعة «أن تسهم في تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقاً أو حتى الركود». عن الـ«سي إن إن»
. يعتقد أن ارتفاع حالات التأخر في السداد من المرجح أن تجبر البنوك والمقرضين الآخرين على إقراض أموال أقل للمقترضين الذين يُعدُّون أكثر خطورة أو إقراضهم بأسعار فائدة أعلى. وفي نهاية المطاف، يمكن لهذه التأثيرات مجتمعة، أن تسهم في تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقاً أو حتى الركود.