تركيا تسحب البساط من تحت أقدام روسيا في آسيا الوسطى
منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في أواخر فبراير 2022 والعقوبات الغربية على موسكو تحولت العلاقات التركية الروسية إلى عملة ذات وجهين. الوجه الأول يظهر عليه تقارب غير مسبوق على الصعيد الاقتصادي بعد أن أصبحت تركيا مستورداً رئيساً للمنتجات الروسية، خصوصاً الغاز الطبيعي ومركزاً لإعادة تصدير المنتجات الأوروبية، في ظل القيود الهائلة المفروضة على حركة التجارة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، وعلى الوجه الثاني يظهر تمدد النفوذ التركي في دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز مع انكماش النفوذ الروسي بسبب انشغال موسكو بالحرب الشاملة التي تخوضها في أوكرانيا وتداعيات العقوبات الغربية الواسعة ضدها.
ويقول المحلل في مركز استوكهولم للدراسات الشرق أوروبية، يوهان إنجفال، إن التمدد التركي الحالي الذي يستهدف دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز الناطقة باللغة التركية يستهدف منطقتين تعتبرهما روسيا منطقتي نفوذ حصري لها، وجزءاً مهماً من صورتها كقوة عظمى، في الوقت نفسه فإن التعاون التركي مع دول المنطقة عبر أذربيجان يشمل مجالات متنوّعة تراوح ما بين الأمن والتجارة والثقافة.
ويمكن القول إن تصاعد النفوذ الجيوسياسي التركي في منطقة بحر قزوين ككل يعود إلى جولة 2020 من حرب ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان، ففي تلك الحرب وبفضل الدعم العسكري التركي الكثيف نجحت أذربيجان في استعادة أجزاء كبيرة من الإقليم الذي كانت تسيطر عليه أرمينيا وأنشأت فيه جمهورية غير معترف بها منذ أوائل التسعينات. وفي حين نجحت وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الجانبين ونشر قوة حفظ سلام روسية في منطقة النزاع، فإنها لم تغير من الأمر شيئاً وهو أن أذربيجان حققت نصراً عسكرياً ساحقاً على أرمينيا حليفة روسيا، ولذلك أوجدت تركيا لنفسها حضوراً عسكرياً في جنوب القوقاز، لتكسر الاحتكار الروسي للنفوذ العسكري في المنطقة.
وبفضل نجاح معركة ناغورنو كاراباخ عام 2020، قرّرت تركيا وأذربيجان الدخول في تحالف استراتيجي عام 2021، يتضمن التزامات دفاعية متبادلة ويتيح لأذربيجان بديلاً أمنياً حقيقياً لموسكو. وفي سبتمبر 2023 استكملت أذربيجان السيطرة على الإقليم بعملية عسكرية خاطفة تحت أعين قوة حفظ السلام الروسية، وتحت ضغط الحرب في أوكرانيا أعلنت روسيا انسحابها الفوري والكامل من المنطقة في أبريل 2024.
ويرى إنجفال، أن النصر الأذربيجاني بدعم تركيا في معركة ناغورنو كاراباخ جعل دول آسيا الوسطى ترى أن التعاون مع تركيا يمكن أن يحقق فوائد أمنية كبيرة لها، ورفعت كازاخستان وأوزبكستان مستوى علاقاتهما مع تركيا إلى «شراكة استراتيجية شاملة» ووقعتا اتفاقيات معها لتطوير التعاون العسكري في مجالات مثل التعليم العسكري والتدريبات المشاركة والتعاون الاستخباراتي، علاوة على ذلك حققت الصناعات العسكرية التركية سيطرة واضحة على سوق الطائرات المسيرة في هذه المنطقة لتكسر احتكار روسيا لتوريد الأسلحة في هذه المنطقة.
في المقابل، لم تعد الضمانات الأمنية التي تقدمها روسيا لدول آسيا الوسطى مقنعة في ضوء انشغال الأولى بحربها في أوكرانيا وتراجع وجودها في جنوب القوقاز، فعندما وقعت اشتباكات حدودية بين جيشي قيرغيزستان وطاجيكستان عامي 2021 و2022 وكلتا الدولتين من أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا التي تحتفظ بقواعد عسكرية في الدولتين، جاء ردّ الفعل الروسي فاتراً للغاية، في المقابل كثفت تحركاتها لدعم جهود تحقيق السلام بين قيرغيزستان وطاجيكستان، ما أسفر عن تحقيق تقدم أخيراً نحو توقيع اتفاق حدودي بين الدولتين.
وكما فعلت روسيا مع دول آسيا الوسطى والقوقاز عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، تروج تركيا لمنظمة الدول التركية التي تضم الدول الناطقة باللغة التركية، والتي تحولت من منصة للحوار بين تلك الدول إلى منظمة للتعاون الشامل المتقدم في كل مجالات الحياة. وتتبنى دول المنظمة وهي تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان تصوراً طموحاً شعاره «رؤية العالم التركي 2024»، وتحول الهدف إلى جعل هذه المنظمة معادلاً للاتحاد الأوروبي يضمن حرية حركة السلع ورؤوس الأموال والخدمات والتكنولوجيا والأشخاص بين الدول الأعضاء في المنظمة.
. التمدد التركي الحالي في دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز الناطقة باللغة التركية يستهدف منطقتين تعتبرهما روسيا منطقتي نفوذ حصري لها، وجزءاً مهماً من صورتها كقوة عظمى.
. النصر الأذربيجاني بدعم تركيا في معركة ناغورنو كاراباخ جعل دول آسيا الوسطى ترى أن التعاون مع تركيا يمكن أن يحقق فوائد أمنية كبيرة لها.