ألحقت أضراراً كبيرة بالأسطول البحري الروسي
القوارب الانتحارية.. سلاح أوكرانيا الفعال لحماية الإمدادات الغذائية العالمية
مع إغلاق الحرب طرق الشحن في البحر الأسود خلال صيف عام 2022، فعل فولوديمير فاربانيتس، ما يقول إن معظم زملائه المزارعين في منطقة أوديسا فعلوه بمحاصيلهم. ويقول صاحب مزرعة تبلغ مساحتها 540 فداناً، حيث يزرع القمح والشعير وعباد الشمس، ومحاصيل أخرى في التلال: «كان التصدير صعباً ومكلفاً مع إغلاق الطرق البحرية، لذلك احتفظنا بمحاصيلنا في الصوامع»، خارج مدينة أوديسا الساحلية. لكن هذا العام، يتوقع فاربانيتس العودة إلى تصدير نحو 70% من محاصيله إلى الأسواق الخارجية، كما يقول، بفضل قدرة الجيش الأوكراني على إعادة فتح ممر التجارة البحرية على طول ساحل البلاد على البحر الأسود.
وفي ذلك يقول مدير جمعية المزارعين في منطقة أوديسا التي تضم 4200 عضو: «لا أعرف بالضبط ما هي البلدان التي تتلقى القمح والمحاصيل الأخرى». ويضيف وهو يقف في حقل من القمح المتموج: «ما أعرفه هو أن الحبوب الأوكرانية مطلوبة لإطعام العالم، تماما كما يتعين علينا أن نبيع تلك الحبوب لمواصلة الزراعة».
والواقع أن عودة الحبوب الأوكرانية إلى سوق الغذاء العالمية تشكل خبراً طيباً، ليس فقط بالنسبة لمزارعي البلاد، بل أيضاً بالنسبة للعديد من البلدان النامية في الشرق الأوسط وإفريقيا، وجنوب شرق آسيا التي اعتمدت على واحدة من سلال الخبز الرئيسة في العالم، لإمداداتها الغذائية قبل الهجوم الروسي واسع النطاق في فبراير 2022.
ومع تعطيل الحرب لطرق التجارة التي كانت تنقل قسماً كبيراً من صادرات أوكرانيا من الحبوب، وغيرها من الصادرات الغذائية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى عنان السماء، وانتشر انعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم. وقد خففت صفقة تجارة الحبوب متعددة الجنسيات أزمة الغذاء إلى حد ما، حتى انسحبت روسيا من الصفقة في يوليو 2023.
ولكن على مدار العام الماضي، أدى النجاح المذهل وغير المعلن - إلى حد كبير - الذي حققته أوكرانيا في فتح ممر شحن آمن ويمكن الاعتماد عليه في البحر الأسود، إلى وضع البلاد على المسار الصحيح لإعادة صادراتها من الحبوب إلى مستويات ما قبل الحرب تقريباً. ووصلت صادرات أوكرانيا من الحبوب في أبريل إلى 6.3 ملايين طن، وهو أكبر عدد منذ شهر واحد قبل الحرب.
الاستخدام الفعال
هناك عدد من التفسيرات لهذا النجاح، لكن ربما يكون أهمها تطوير أوكرانيا قوارب صغيرة غير مأهولة (من دون قائد)، دفعت خلال الأشهر الأخيرة، البحرية الروسية الهائلة بعيداً عن الساحل الجنوبي لأوكرانيا، وعن الموانئ البحرية الرئيسة مثل أوديسا.
لقد تسببت القوارب غير المأهولة التي تشبه الزوارق السريعة الصغيرة ويمكنها حمل ما يصل إلى 1000 رطل من المتفجرات، في إغراق عدد كبير من السفن البحرية الروسية، ما اضطر روسيا إلى سحب عملياتها البحرية إلى مياه أكثر أماناً.
ويقول الجيش الأوكراني إنه من بين 80 سفينة حربية خصصتها روسيا للبحر الأسود قبل الحرب، تم تدمير ثلثها على الأقل أو تعطيلها. وقد تسببت القوارب «الانتحارية» الصغيرة في كثير من هذا الضرر.
ويقول دانييل فيوت الذي يرأس برنامج الدفاع وفن الحكم في كلية بروكسل: «إن هذه القوارب غير المأهولة تشبه المقلاع في أيدي الأوكرانيين عندما يهاجمون الروس». ويضيف: «إنها قادرة على العمل ليلاً ونهاراً وتوجيه ضرباتها القاتلة بشكل مفاجئ، ويمكننا أن نرى الأدلة التي تثبت أنها تؤثر بشكل كبير في الروح المعنوية الروسية». ويرى فيوت أن هذا يعد دليلاً على خسارة روسيا لهيمنتها على البحر الأسود.
ويضيف الخبير البلجيكي أن «اللدغة بلاشك أكثر حدة»، لأنها تأتي على يد دولة ليست لديها قوة بحرية يمكن الحديث عنها.
والقوارب المحلية من دون ربان ليست كافية لتحديد مسار الحرب التي تظل - في المقام الأول - عبارة عن معركة برية شاقة على حدود أوكرانيا الشرقية والشمالية مع روسيا، ولكن السفن تلعب دوراً حاسماً في إحباط هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المتمثّل في تركيع الاقتصاد الأوكراني، كما يقول العديد من الخبراء والمسؤولين.
وبالنسبة للروس، فمن الواضح أن هذه الحرب اقتصادية.
ويقول أرتيم فاشتشيلينكو، منسق خطة مجتمع الأعمال لبناء اقتصاد جديد متنوع في ميكولايف، عاصمة بناء السفن السوفييتية السابقة: «إن الأمر كله يتعلق بتدمير نقاط القوة الصناعية والاقتصادية في أوكرانيا».
ويوضح: «عندما بدأت الحرب كانت السفن البحرية الروسية الكبيرة عنصراً مهماً في هذه الحرب الاقتصادية. لقد سيطرت على البحر وأثارت الخوف فينا، ما أدى إلى خنق اقتصادنا». ويضيف: «لكن هذه القوارب الصغيرة غيّرت نموذج الحروب البحرية. ورسالتها هي: لا تخافوا من الروس، الآن حان دورهم للخوف منا».
ممر تجاري
ومع ذلك، فإن القوارب البحرية من دون ربان ليست حلاً سحرياً للساحل الجنوبي لأوكرانيا. وعلى الرغم من فاعليتها، فإنها لا تساعد ميكولايف، الواقعة على مصب النهر وقبالة قطعة أرض تسيطر عليها روسيا. وخلال الأشهر الماضية، أثبتت القوارب أنها غيرت قواعد اللعبة على بُعد 80 ميلاً غرباً في الموانئ في أوديسا وقربها.
ويقول دميترو بارينوف، نائب الرئيس التنفيذي لهيئة الموانئ البحرية الأوكرانية في أوديسا: «لدينا الآن 100 سفينة شحن يومياً تريد أن تأتي وتحمل الحبوب الأوكرانية وخام الحديد، وهي زيادة كبيرة على ما كانت عليه قبل بضعة أشهر فقط»، موضحاً: «نحن مدينون بالكثير من هذا النجاح للقوارب الهجومية غير المأهولة، وبعض الضربات الصاروخية التي دمرت كثيراً من السفن الروسية التي هددت موانئنا وممراتنا الملاحية».
ويبتسم بارينوف وهو يعرض خريطة توضح الانسحاب المستمر للسفن الحربية الروسية بعيداً عن أوكرانيا إلى مياه البحر الأسود الأكثر أماناً جنوباً وشرقاً: «لقد قاموا بإزالة سفنهم حتى من شبه جزيرة القرم (شبه الجزيرة الأوكرانية التي احتلتها روسيا منذ عام 2014)».
ويقول بارينوف إن «الممر التجاري الأوكراني» - الذي يعانق ساحل البلاد على البحر الأسود حتى يصل إلى المياه الآمنة لدول «الناتو» المجاورة - كان بمثابة نعمة للاقتصاد الأوكراني الذي مزّقته الحرب، لكنه يضيف أنه يوفر أيضاً الإغاثة للجياع في العالم.
ويقول المسؤول الأوكراني: «عندما تتذكر أن نصف الإمدادات الغذائية لبرنامج الغذاء العالمي تأتي من الحبوب الأوكرانية، فإنك تدرك أهمية هذا الممر التجاري للناس في أجزاء كثيرة من العالم».
وبالنظر إلى المستقبل، يقول بارينوف، إن استمرار أمن الممر التجاري سيكون أمراً بالغ الأهمية لتحقيق الهدف التالي لموانئ أوكرانيا، وهو توسيع الصادرات إلى ما هو أبعد من الحبوب التقليدية وخام الحديد، إلى السلع الأخرى، بما في ذلك الأسمدة ومواد البناء ومنتجات الصلب.
. مع تعطل الطرق التجارية ارتفعت أسعار المواد الغذائية وانتشر انعدام الأمن الغذائي حول العالم.
. تسببت القوارب التي يمكنها حمل نحو 1000 رطل من المتفجرات في إغراق عدد كبير من السفن البحرية الروسية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news