ألمانيا تخاطر بالاحتكاك مع جيرانها في الاتحاد الأوروبي
تخاطر ألمانيا بالاحتكاك مع جيرانها في الاتحاد الأوروبي، بعد إعلانها عن عمليات تفتيش حدودية في محاولة لإعادة المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء للدول الأوروبية التي أتوا منها. وستفرض من بين تدابير أخرى ضوابط على جميع الحدود البرية للبلاد لمدة ستة أشهر اعتباراً من يوم الإثنين المقبل، لمنع المهاجرين غير الشرعيين من دخول البلاد، على الرغم من أن تفاصيل قواعد رفض قبول أو إبعاد اللاجئين لم يتم الكشف عنها بعد. وتأتي التدابير الطارئة، التي أعلنت عنها وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فايزر، في أعقاب الهجمات الأخيرة التي نفذها طالبو لجوء في ميونيخ وسولنجن.
وقالت قبل المشاورات مع البرلمان الوطني «نحن نعزز أمننا من خلال العمل الملموس، ونواصل موقفنا الصارم ضد الهجرة غير الشرعية». وأضافت فايزر التي تنتمي للحزب الديمقراطي الاجتماعي «لكي نضمن حماية قوية للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، علينا فرض سيطرة كاملة على حدودنا الوطنية وبشكل أوثق، وهذا من شأنه أن يحد من الهجرة غير الشرعية بشكل أكبر، والحماية من مخاطر الإرهاب». وتصر على أن خططها تتضمن «نموذجاً للرفض الفعال للاجئين غير الشرعيين الذي يتوافق مع القانون الأوروبي»، بعد رد فعل النمسا المجاورة بغضب، حيث حذّر وزير الداخلية النمساوي، جيرهارد كارنر، من أنه من دون مفاوضات واتفاق مع الجيران بشأن الإجراءات الرسمية، لن يتم قبول أو رفض المهاجرين غير الشرعيين. وقال لصحيفة بيلد الألمانية: «لا مجال للمناورة هناك، إنه القانون، لقد وجهت رئيس الشرطة الفيدرالية بعدم السماح بأي عودة لأي من اللاجئين المرفوضين، وبالتالي لن تقبل النمسا أي شخص مرفوض من ألمانيا».
ضوابط الحدود
وحذّر زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فريدريش ميرز، كلاً من فايزر والمستشار أولاف شولتس، قائلاً «إذا كانت الحكومة الفيدرالية تريد منا أن نسلك هذا المسار معاً، فلن يحدث ذلك إلا إذا رفضنا دخول المهاجرين الحدود الخارجية لألمانيا».
ويأتي الإعلان عن ضوابط الحدود قبل مناقشة الائتلاف الحكومي والمعارضة الرئيسة لسياسة الهجرة في ألمانيا. وطلب زعيم مجموعة المعارضة، ميرز، من الحكومة أن تعلن بوضوح عن نيتها قبل بدء الجولة الجديدة من المحادثات. وقال: «لقد أخطر وزير الداخلية الاتحادي، الحكومة الاتحادية، بروكسل بشكل صحيح بشأن ضوابط الحدود على جميع الحدود الخارجية لألمانيا، ولكن لم يتضح بعد ما إذا كان هذا يعني أنه ستكون هناك إعادة قسرية شاملة وليست محدودة». وأضاف ميرز أنهم لن يقبلوا أي نسبة أو طريقة محدودة للرفض. وتطالب المعارضة المحافظة في ألمانيا بإعادة جميع الأجانب الذين لا يحملون وثائق، أو طالبي اللجوء المسجلين بالفعل في دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي، إلى الحدود.
وأخطرت ألمانيا المفوضية الأوروبية بالخطط التي تندرج ضمن القواعد التي تسمح بإجراء عمليات تفتيش مؤقتة على الحدود داخل منطقة شنغن الخالية من جوازات السفر في الاتحاد الأوروبي في حال حدوث أزمة. وأبلغت برلين بروكسل أن هذه التدابير مبررة بسبب «العبء الإجمالي المرتفع باستمرار على ألمانيا»، و«حماية الأمن الداخلي ضد التهديدات الحالية للإرهاب والجريمة العابرة للحدود».
وبموجب قواعد اللجوء الأوروبية الحالية، يمكن إعادة المهاجرين إلى المكان الذي دخلوا منه للمرة الأولى إلى الاتحاد الأوروبي، لكن هذا يتطلب موافقة الدولة المعنية والإجراءات الرسمية للقيام بذلك. وتهدف قواعد الاتحاد الأوروبي بشأن «الإعادة القسرية» أو «الدفع للخلف» إلى منع إعادة طالبي اللجوء ذهاباً وإياباً عبر الحدود، لكن فايزر رفضت الاعتراضات. وقالت: «لست خائفة من تأثير الدومينو، حيث مازلنا نعمل على ضبط التفاصيل النهائية، لكنني متأكدة من أننا سنقدم نموذجاً يتوافق مع القانون الأوروبي». ولا تعيد ألمانيا حالياً المهاجرين غير الشرعيين القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي إلا إذا مُنع شخص ما من دخول البلاد، أو لم يكن لديه تأشيرة، ولم يتقدم بطلب اللجوء.
لقد اهتزت الحكومة الألمانية بفعل ردود سياسية عنيفة، بعد هجوم إرهابي بالسكين في سولنجن في أغسطس، أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، نفذه طالب لجوء كان ينبغي ترحيله. وفي الوقت نفسه، يواجه الديمقراطيون الاجتماعيون هزيمة ساحقة في انتخابات الولاية في معقلهم في براندنبورغ في غضون أسبوعين، ويسعون إلى إقناع الناخبين بأن الحكومة جادة في مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب.
الأبواب المفتوحة
إن فكرة الضوابط الحدودية تتعارض مع سياسة الأبواب المفتوحة التي تنتهجها برلين على مدى العقد الماضي. وفاز حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتشدد بأول انتخابات محلية له في وقت سابق من هذا الشهر في تورينجيا، كما حقق أداء قوياً في ولاية شرقية أخرى، ساكسونيا. ومنذ أن فرضت ألمانيا ضوابط جزئية على الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك وسويسرا في ديسمبر، تم إبعاد نحو 30 ألف شخص. وستشمل الضوابط الجديدة أيضاً ضوابط على الحدود مع فرنسا ولوكسمبورغ وهولندا وبلجيكا والدنمارك.
ويقول خبراء الهجرة إن ردود الفعل العنيفة كانت تتراكم في ألمانيا منذ أن استقبلت أكثر من مليون شخص، معظمهم فروا من بلدان مزقتها الحرب، مثل سورية، خلال أزمة المهاجرين في عامي 2016/2015. ثم وصل الوضع إلى نقطة تحول في بلد يبلغ عدد سكانه 84 مليون نسمة، بعد أن منحت تلقائياً اللجوء لنحو مليون أوكراني، فروا من حرب بلادهم مع روسيا عام 2022، في الوقت الذي كانت فيه ألمانيا تكافح من خلال أزمة الطاقة والاقتصاد.
ومنذ ذلك الحين، وافقت الحكومة الألمانية على قواعد ترحيل أكثر صرامة، واستأنفت نقل المجرمين المدانين من الجنسية الأفغانية إلى وطنهم، على الرغم من تعليق عمليات الترحيل بعد تولي «طالبان» السلطة في عام 2021، بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.
كما أعلنت برلين، العام الماضي، عن ضوابط أكثر صرامة على حدودها البرية مع بولندا وجمهورية التشيك وسويسرا. وقالت يوم الإثنين الماضي إن هذه الضوابط على الحدود مع النمسا سمحت لها بإعادة 30 ألف مهاجر منذ أكتوبر 2023. وقد تخلق هذه الضوابط أزمة للوحدة الأوروبية، إذا أدت إلى مطالبة السلطات الألمانية لدول أخرى باستعادة أعداد كبيرة من طالبي اللجوء والمهاجرين. وبموجب قواعد الاتحاد الأوروبي، لا يُسمح للدول في منطقة شنغن، التي تضم كل دول الاتحاد، باستثناء قبرص وإيرلندا، بإجراء عمليات تفتيش على الحدود إلا كملاذ أخير لتجنب التهديدات للأمن الداخلي أو السياسة العامة. وتشترك ألمانيا في حدودها البرية التي يبلغ طولها أكثر من 3700 كيلومتر (2300 ميل) مع الدنمارك وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وفرنسا وسويسرا والنمسا وجمهورية التشيك وبولندا.
وتقول الباحثة بمعهد سياسة الهجرة، سوزان فراتزكي، إن هذه الإجراءات قد لا تؤدي على الفور إلى إبعاد المزيد من المهاجرين على الحدود، ولكنها قد تؤدي إلى المزيد من العودة إلى دول أوروبية أخرى في المستقبل، فضلاً عن كونها بمثابة رادع. ووفقاً لإحصاءات حكومية، انخفض عدد طلبات اللجوء في ألمانيا بالفعل بنسبة 21.7% في الأشهر الثمانية الأولى من العام. عن «التايمز» اللندنية
• طلب زعيم مجموعة المعارضة الألمانية فريدريش ميرز من الحكومة أن تعلن بوضوح عن نيتها تجاه المهاجرين قبل بدء الجولة الجديدة من المحادثات حول القضية.
• الإجراءات الألمانية قد لا تؤدي على الفور إلى إبعاد المزيد من المهاجرين على الحدود، ولكنها قد تؤدي إلى المزيد من العودة إلى دول أوروبية أخرى في المستقبل.