اغتيال الرؤساء الأميركيين أمر مألوف للغاية في السياسة

يتساءل أكثر من مراقب، هل سبق أن شهدت الولايات المتحدة انتخابات مثل هذه؟ محاولتان لاغتيال رئيس سابق ومرشح جمهوري، هو دونالد ترامب، وانسحاب رئيس من السباق الرئاسي، وهجمات خطابية شرسة، لا تؤدي إلا إلى زيادة التوترات الوطنية.

قال الرئيس جو بايدن بعد أن أصاب مسلح أذن ترامب، وقُتل أحد أفراد جمهوره في 13 يوليو، «إن فكرة وجود عنف سياسي أو عنف في أميركا، أمر غير مسبوق». وكرر هذه العبارات نفسها يوم الأحد، بعد أن قال مكتب التحقيقات الفيدرالي، إنه يحقق في محاولة «واضحة» لاغتيال ترامب في ملعب الغولف الخاص به في فلوريدا.

لكن كل ذلك ليس استثناء في السياسة الأميركية، إنه أمر مألوف للغاية بشكل مخيف. فمنذ اندلاع المعارك الكلامية بين جون آدامز الرئيس الثاني، وتوماس جيفرسون الرئيس الثالث، اكتسبت الحملات الانتخابية سمعة سيئة، بسبب الخطاب الفاضح، واحتمال الفوضى.

في عام 1800، كان نواب الخصمين اللدودين هم من يوجهون الضربات لبعضهما، يقول أنصار آدامز، «إذا فاز جيفرسون سينتشر القتل والسطو والاغتصاب والزنا علناً»، بينما يصف الفريق الآخر آدامز بأنه «متشدد مثير للاشمئزاز»، وأنه «لا يتصرف كرجل ولا كامرأة، بل يمتلك بدلاً من ذلك شخصية خنثى بشعة».

العنف ليس بعيداً أبداً، فقد اغتيل أربعة من أصل 45 رئيساً أميركياً أثناء توليهم مناصبهم، وواجه 16 آخرون محاولات اغتيال مباشرة. كان التعديل الأول للدستور علامة بارزة في السياسة الديمقراطية التي دافعت عن حقوق الأميركيين في التعبير عن آرائهم، وكثيراً ما تم اختباره إلى أقصى حدوده في الحملات السياسية.

وفي حين دعا ترامب، في البداية على الأقل، إلى الوحدة بعد المحاولة الأولى لاغتياله، فقد خرج الآن ليلقي باللوم على منافسيه الديمقراطيين، ويستخدم المحاولة الأخيرة كصرخة حاشدة حزبية، «خطابهم يتسبب في إطلاق النار عليَّ، بينما أنا من سينقذ البلاد وهم من يدمرونها».

يلوم الجمهوريون بايدن على المبالغة في وصف ترامب مراراً وتكراراً بأنه «تهديد للديمقراطية»، ووصف فلسفته بأنها «شبه فاشية». لقد ازدادت التهديدات ضد أعضاء الكونغرس عشرة أضعاف بين عامي 2016 و2021، في حين ارتفع الإنفاق على الأمن الشخصي في الكونغرس خمسة أضعاف بين عامي 2020 و2022، وفقاً لبحث استشهد به الباحثان الأميركيان المتخصصان في العنف السياسي، ناثان كالمو وليليانا ماسون في ورقة بحثية بعنوان «التهديدات باعتبارها نوعاً من الاتصال السياسي».

العديد من المراقبين، مثل مستشار الأمن القومي السابق لترامب، هربرت ماكماستر في كتابه «نحن في حرب مع أنفسنا»، ألقوا بعض اللوم على أجواء اليوم المحمومة، وعلى حرائق الشائعات والشتائم التي تشتعل بسرعة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تقدم الملياردير إيلون ماسك، المالك والمسؤول عن منصة «إكس»، أحد المنتديات الرائدة في مجال حرية التعبير في العالم، ليرد على منشور يتساءل «لماذا يريدون قتل دونالد ترامب؟» بكتابة، «ولكن لا أحد يقدم حتى على محاولة اغتيال بايدن - كامالا»، لكنه سرعان ما أدرك أن هذه العبارات مثيرة للجدل، وحذف المنشور. ومع ذلك لن تصبح هذه الانتخابات أكثر هدوءاً.

هناك سبب آخر أيضاً وراء هذه الأجواء المتقلبة، هو شخصية ترامب نفسه، الذي بنى حياته المهنية في مجال الأعمال على عقلية الفوز بأي ثمن. كانت حملة عام 2024 استثنائية، لكنها ليست بعيدة عن التوترات التي شهدها عام 1968، عندما انسحب الرئيس ليندون جونسون، وقُتل روبرت كينيدي بالرصاص، بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في كاليفورنيا، وكانت هناك احتجاجات في المؤتمر الوطني للحزب في شيكاغو.

قبل ذلك تعرض المرشح الرئاسي آنذاك جورج والاس، الذي رفض إدانة العنف السياسي، لإطلاق النار أثناء حملته الانتخابية في انتخابات عام 1972، بينما استُهدِف الرئيس جيرالد فورد بمحاولتي اغتيال في غضون 17 يوماً في عام 1975. فما رد فورد على احتمالات حدوث سفك دماء سياسي في أميركا؟ لقد تم إقناعه بارتداء معطف واقٍ من الرصاص، واستمر في حملته كالمعتاد. وستستمر الدعوات اليوم إلى الهدوء، وسيتم تعزيز الأمن، وسيستمر الساسة في عملهم أيضاً كالمعتاد كأن شيئاً لم يكن. عن «التايمز» اللندنية

• يلوم الجمهوريون بايدن على المبالغة في وصف ترامب مراراً وتكراراً بأنه تهديد للديمقراطية ووصف فلسفته بأنها «شبه فاشية».

ترامب يلوم الديمقراطيين في محاولة اغتياله الأخيرة

 

ترامب تعرض لمحاولتي اغتيال. رويترز

لنا أن نتخيل ما كان سيحدث لو قُتل دونالد ترامب بالرصاص، بعد لعبه للغولف في الحفرة الخامسة بملعبه في فلوريدا نهاية الأسبوع. على الرغم من أن العديد من الناس قد يحبون موت رجل حرض الآخرين على العنف، فإن حادثة نهاية الأسبوع هذه دفعت إلى دعوات لتشديد الأمن حول الرئيس السابق، ووجد إدانة شديدة من منافسته كامالا هاريس، التي تقول إنها «منزعجة بشدة» من محاولة الاغتيال، وغرّدت «أنا سعيدة لأنه آمن، العنف ليس له مكان في أميركا». ومن المفارقات أن موت ترامب قد يكون أكثر خطورة من ترامب حياً.

إن وفاة ترامب على يد قناص منفرد كانت ستدفع السياسة الأميركية والانتخابات الرئاسية في نوفمبر إلى حالة من الارتباك التام. ومن شأن وفاته المفاجئة أن تخلق فراغاً سياسياً غير مسبوق، ولا يمكن التنبؤ به بالتأكيد، وربما فوضوياً في الداخل والخارج.

قد يبدو عالم ما بعد ترامب مختلفاً تماماً، فقد ورد أن القاتل المزعوم في فلوريدا، يحمل آراء قوية مؤيدة لأوكرانيا، ومارس الضغوط، وسافر إلى هناك للتعبير عن دعمه لها. ليس سراً أن الحكومة الأوكرانية المحاصرة، تخشى أن تضع ولاية ترامب الثانية نهاية للمساعدات العسكرية والمالية الأميركية، وتسوية غير متكافئة مع موسكو. وعلى النقيض من ذلك، فإن رئاسة كامالا هاريس تعِد باستمرار سياسة الدعم الحذر التي ينتهجها الرئيس جو بايدن. لن يكون هناك من هو مبتذل إلى الحد الذي يجعلهم يقولون ذلك، لكن رحيل ترامب المفاجئ قد يكون بمثابة راحة لكييف.

وعلى نحو مماثل، قد يشعر الساسة في جميع أنحاء أوروبا، خصوصاً في بريطانيا، بالسعادة إذا لم يعد ترامب المعادي وكاره الأجانب موجوداً لإلقاء الإهانات عبر الأطلسي، وتذكيرهم بالوعود التي حنثوا بها بشأن الدفاع والأمن.

ولكن في الداخل، سوف يشعر الناس بموت ترامب المفاجئ بشكل أقوى. سوف يصوره أتباعه من حملة «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» ووسائل الإعلام التي تدعمهم على أنه «شهيد». وربما يزعمون، كما حدث بعد محاولة الاغتيال الفاشلة في يوليو في بنسلفانيا، أن إدارة بايدن والديمقراطيين كانوا بطريقة ما جزءاً من مؤامرة لقتله. ورغم أن ترامب نجا يوم الأحد، فإن هذا يحدث بالفعل مرة أخرى، فهل كان من الممكن أن تندلع اضطرابات عنيفة لو مات ترامب؟ يبدو الأمر مرجحاً. عن «الغارديان»

الأكثر مشاركة