نتيجة الفشل في استيعاب الاختلافات التاريخية والثقافية لموسكو       

تزايد مخاطر نشوب صراع نووي بين روسيا والغرب

صورة

حققت روسيا إنجازات تاريخية، بدءاً من اجتياح بولندا وليتوانيا في القرن الـ17، والسويد في القرن الـ18، ومواجهة نابليون في القرن الـ19، ثم ألمانيا في القرن الـ20. كل هذا يجعلها تشعر بجنون العظمة التاريخية.

لقد شكلت هذه الأحداث الموقف الدفاعي الروسي، وعقّدت المحاولات الغربية للتنبؤ باستجاباتها خلال التصعيد العسكري. والواقع أن الغرب، الذي كثيراً ما يسقط وجهات نظره على روسيا، يفشل في استيعاب هذه الاختلافات التاريخية والثقافية بشكل كامل، الأمر الذي يؤدي إلى لعبة خطرة من الافتراضات. وهذا صحيح بشكل خاص عندما نأخذ في الحسبان أن روسيا وحدها في الوقت الحاضر قادرة على إلحاق الضرر الشامل بالولايات المتحدة، وقد ينهي وجودها عملياً في أقل من 30 دقيقة.

وفي حين يركز الكثير من القلق المعاصر بشأن التصعيد النووي في سياق الحرب بين روسيا وأوكرانيا على خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الأسلحة النووية، والمراجعة الأخيرة للعقيدة النووية لموسكو، فإن الخطر الحقيقي يكمن في مكان آخر. ومن المرجح أن يصمد الردع، ولا ينطبق هذا الردع على سوء الفهم أو الحوادث المتعلقة بسوء التواصل، وتنشأ الحوادث عادة في ضباب الأزمات الحديثة. وبينما يتصارع صناع القرار مع كميات هائلة من المعلومات، فإن خطر التفسيرات الخاطئة الكارثية يلوح في الأفق.

إن الفشل التكنولوجي، خصوصاً في أنظمة الإنذار المبكر النووية الروسية القديمة نسبياً، يؤدي إلى تفاقم هذا الخطر. ومن الأمثلة الأخيرة على ذلك ضربة الطائرات بدون طيار التي شنتها أوكرانيا على نظام الإنذار المبكر الروسي في مايو 2024، حيث حلقت طائرة بدون طيار أوكرانية أكثر من 1800 كيلومتر لضرب محطة رادار «أرامفير». ويمكن لمثل هذه الحوادث أن تؤدي عن غير قصد إلى تصعيد التوترات من خلال تقديم معلومات مضللة. ورغم أن احتمالات الرد النووي من جانب روسيا ضئيلة، فلا يمكن استبعادها بالكامل، وقد أظهر لنا التاريخ مدى اقتراب العالم من الكارثة النووية بسبب سوء الفهم والأخطاء الفنية.

ضغط هائل

لنأخذ على سبيل المثال قصة فاسيلي أرخيبوف في عام 1962، فخلال أزمة الصواريخ الكوبية، كان أرخيبوف على متن الغواصة السوفييتية «ب-59»، التي كانت مخولة إطلاق طوربيد نووي إذا تعرضت للهجوم. وفي لحظة من الضغط الهائل، أقنع أرخيبوف القبطان بتأخير القرار، الأمر الذي أدى إلى تجنب حرب نووية محتملة، وكان حكمه الهادئ والمنطقي في مواجهة الفوضى سبباً في إنقاذ العالم من الكارثة.

لننتقل الآن إلى عام 1979، عندما كاد إنذار كاذب في قيادة الدفاع الجوي الفضائي لأميركا الشمالية (نوراد) أن يؤدي إلى ضربة نووية أميركية على الاتحاد السوفييتي، فقد كاد خطأ بسيط ــ شريط تدريب تم إدخاله عن طريق الخطأ في جهاز كمبيوتر ــ أن يؤدي إلى كارثة. لقد تم اكتشاف الخطأ في الوقت المناسب، ما منع وقوع الكارثة، وكان بمثابة تذكير صارخ بمدى اقترابنا من حافة الهاوية. وفي الأسبوع الماضي، مرت الذكرى الـ41 لليوم الذي واجه فيه الضابط السوفييتي ستانيسلاف بتروف موقفاً مماثلاً، وربما أنقذ العالم. فقد أشار نظام الإنذار المبكر الذي كان يراقبه إلى إطلاق صاروخ أميركي بشكل خاطئ. ووثق بتروف في غرائزه على حساب البروتوكول، فحدد الإنذار باعتباره إنذاراً كاذباً، واختار عدم الإبلاغ عنه باعتباره هجوماً، وكان هذا قراره، ولكن انتهاك البروتوكول السوفييتي حال دون وقوع ضربة انتقامية وصراع نووي محتمل.

ثم كانت حادثة الصاروخ النرويجي في عام 1995، حيث أخطأت روسيا في فهم إطلاق صاروخ علمي سلمي فوق النرويج على أنه هجوم صاروخي نووي. وعلى الرغم من الإنذارات الأولية، قررت القيادة الروسية عدم الرد، وذلك بفضل الثقة بين الرئيسين بوريس يلتسين وبيل كلينتون، وهي الثقة التي غابت بشكل ملحوظ في المناخ الجيوسياسي اليوم.

وتؤكد هذه الحوادث على هشاشة الردع النووي، حيث حالت القرارات الفردية والحظ المحض دون وقوع كارثة. إن أسطورة «بروميثيوس»، الذي جلب النار للبشرية، تعمل كاستعارة مؤثرة للهدية الخطرة المتمثلة في التكنولوجيا النووية، والتي قد تكون مفيدة ولكنها محفوفة بالمخاطر.

مصلحة مشتركة

وكما كانت لهدية بروميثيوس عواقب غير مقصودة، فإن قوة الأسلحة النووية، التي شبهها الرئيس جون كينيدي ذات يوم بـ«السيف فوق رؤوسنا»، لها العواقب نفسها.

لقد أكد وزير الخارجية السابق، هنري كيسنجر، منذ فترة طويلة، على المصلحة المشتركة في تجنب الحرب النووية «التي لا يمكن تصورها». وقد سلط عمله في مجال الأسلحة النووية الضوء على أهمية التفاهم المتبادل للمخاطر لمنع التصعيد. وتظل رؤى كيسنجر ذات مغزى، وتذكرنا بضرورة إدارة الترسانات الذرية بعناية لتجنب الاستخدام العرضي أو غير المصرح به.

ومع تطور الصراع في أوكرانيا، تسلط إمكانية سوء التواصل أو الفشل التكنولوجي الضوء على الحاجة الملحة إلى حلول دبلوماسية، والمخاطر التي تواجه العالم عالية، وخطر الخطأ يمتد إلى ما هو أبعد من أوكرانيا.

ومن المؤسف أن النقاش المُعمق حول المخاطر النووية لا يحدث بشكل كافٍ. والواقع أن العديد من الأميركيين ربما لا يدركون تماماً التهديد بالدمار الذي يلوح فوق رؤوسهم كل دقيقة من كل يوم، فضلاً عن مدى المغامرة التي تخوضها حكومتهم عندما يتعلق الأمر بروسيا. وربما يتعين عليهم أن يقرأوا كتاب آني جاكوبسن الأخير «الحرب النووية: سيناريو». ورغم أنه يرسم صورة لتقارب غير محتمل إلى حد ما للأحداث، فإنه ليس خيالاً، فالصراع النووي ممكن للغاية، وستكون نتائجه مروعة. وعلاوة على ذلك، فمن المرجح أن يتجلى في ضباب حرب أوكرانيا، خصوصاً مع بدء أوكرانيا في التهديد باستخدام صاروخ باليستي مصمم محلياً.

لقد حان الوقت لإبرام صفقة، وقد حدد المرشح لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس أخيراً عناصر سيناريو واقعي إذا فاز هو والرئيس السابق ترامب في نوفمبر. وفي حين أن النتيجة من غير المرجح أن ترضي المتشددين الأخلاقيين، فإن مخاطر الكارثة ستنمو فقط كلما طال أمد الصراع. وإذا ظهرت سحب أول قنبلة ذرية، فلن يهم ما هي الحجج الأخلاقية حول الحرب في أوكرانيا.

وعلى حد تعبير جيمس روبرت أوبنهايمر «الأمر أشبه بعقربين في زجاجة، كل منهما قادر على قتل الآخر، ولكن فقط على حساب حياته». ويجسد هذا الاقتباس التوازن الدقيق بين الردع النووي والحتمية المتمثلة في منع التصعيد، ولو كان ذلك على حساب الوازع الأخلاقي. عن «ناشيونال إنترست»

 

* محلل بموقع ويكيسترات

• رغم أن احتمالات الرد النووي من جانب روسيا ضئيلة، فلا يمكن استبعادها بالكامل.

الردع النووي هش، حيث حالت القرارات الفردية والحظ المحض دون وقوع كارثة.

تويتر