نهاية تغريبة «الولد الشقي» بين الصحف والسجن والمنفى
رحل ساخر الصحافة العربية الأول محمود السعدني، الذي عمل في مصر ودولة الامارات العربية وبلدان عربية وبريطانيا، وعرف بأسلوبه الخاص وبقدرته على إلقاء النكتة اللاذعة، ولقب نفسه ألقاباً كثيرة، من ضمنها «الولد الشقي» وألف تحتها العديد من الكتب والمقالات منها «الولد الشقي في السجن» و«الولد الشقي في المنفى» و«مذكرات الولد الشقي».
وله في حياته حكايات طريفة مع زعماء عرب بعضها كاد يدفعه إلى الهلاك.
مع عبدالناصر
أثناء زيارة صحافية إلى سورية قبيل الوحدة بين البلدين، طلب أعضاء الحزب الشيوعي السوري من السعدني توصيل رسالة مغلقة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، فقام بتسليمها إلى أنور السادات، دون أن يعلم محتواها. وكان في الرسالة تهديد لعبدالناصر، لذا تم إلقاء القبض عليه وسجن ما يقارب العامين، أفرج عنه بعدها.
مع السادات
كان السعدني على خلاف كبير جداً مع الرئيس المصري السابق أنور السادات، وهو الذي قام بسجنه ونفيه خارج مصر، بعد معارضته سياساته وانتقاده اتفاقية كامب ديفيد وخلافها من الامور السياسية. وخلال عمل السعدني مدير تحرير لصحيفة الفجر في الإمارات، تشاء الظروف ان يلتقي السادات خلال زيارة له إلى الدولة. ويحكي السعدني ذلك اللقاء بكثير من الطرافة والنكات، يقول في كتابه «الولد الشقي في المنفى»، انه دخل الحجرة التي يجلس فيها السادات، وعندما رآه «وضع ساقاً على ساق وتقلصت عضلات وجهه وراح يمضغ الهواء بين أضراسه في حركة عصبية ظاهرة، قلت وأنا أصافحه علي الطلاق ما أنت واقف يا ريّس، فبدا على شفتيه شبح ابتسامة سرعان ما أجهضها، وكان مصدر عصبيته بلا شك هو هذا الموقف الذي وجد نفسه فيه فجأة، فالمفروض أنني من اعدائه، والأكيد أنني تطاولت عليه بالنكتة والشائعة، وهي امور ثابتة في محاضر التحقيق واشرطة التسجيل، وكان لابد ان يلقاني بتجهم وينهرني بشدة، ولكن لاني محمود السعدني، ولان بيني وبينه روايات وحكايات طويلة، فكان لابد ان يضحك، ومن هنا كانت عصبيته، فهو يخشى ان ينفجر ضاحكاً، فينهار الموقف الدرامي».
ويقول انه قبل ان يهم بالكلام بادره قائلا «اللهم صل على النبي يا ريّس، وشك زي القمر، ويشهد الله اني كنت كاذباً فيما أقول، ولكنه ارتاح للاطراء وخفت حدة توتره». وقال بلهجة عادية وبصوت خفيض : انا ببني مصر يا وله.. مصر بقت حاجة تانية يا وله.. انا عاوزك جنبي يا وله.. تعالَ ابني معايا يا وله. واستوقفتني عبارة (تعالَ جنبي)، حيث تذكرت ان الامير قطز بطل معركة عين جالوت التي اباد فيها صنف التتار، فقد حياته بسبب عبارة مثل هذه، فقد حدث بعد انتصاره ان طلب إليه الظاهر بيبرس احد قواده ان يفي بوعده ويمنحه ولاية حلب، ولكن السلطان قطز قله: لا سيبك من حلب دي، انا عايزك في مصر جنبي، فخاف الظاهر بيبرس من العبارة (عاوزك جنبي) وافتكرها حكم بسجنه في القلعة، لان مقر السلطان والسجن متجاورين ويضمهما سور القلعة، وفي الحال طعنه الظاهر بيبرس وقتله، وجلس مكانه على عرش مصر».
مع القذافي
من حكايات السعدني انه ذات مرة كاد يقتل العقيد الزعيم الليبي معمر القذافي حيث انه (السعدني)، كتب مقالاً ساخراً عن السياسي المصري احمد حمروش المشهور بغزارة كتاباته عن ثورة يوليو ودوره فيها وتأثيره في افرادها. كان السعدني يعتقد ان كل ما يرويه حمروش عن دوره في يوليو ادعاءات، فصاغ رؤيته هذه بطريقته في مقال ساخر أطلق عليه «ثورة 23 حمروش». وبعد فترة من الزمن سافر السعدني إلى ليبيا وطلب لقاء القذافي إلا ان المسؤولين اخبروه ان القذافي رفض استقباله. ويقول السعدني انه تمكن في النهاية من لقائه بعد ان علم انه اجرى جراحة في بطنه. وعندما دخل عليه غرفته في المستشفى امسك القذافي بطنه من شدة الالم وانفجر من الضحك، ويقول السعدني، «اكتشفت عندها انه كان مانعا لقائي به، حتى لا يتذكر مقال «23 حمروش» الذي كتبته، فيتسبب ضحكه بفتح جرح العملية الذي لم يلتئم بعد».