معايير مزدوجة في التعامل مع مبادئ حقوق الإنسان
طالبو اللجوء في بريطانيا.. ضحايا الترحيل والإذلال
هربوا من الفقر والاضطهاد والتمييز والقلاقل السياسية والعنف في بلادهم، وقدموا الى بريطانيا التي تمثل ملاذاً لطالبي الحرية ومكاناً مناسباً لبدء حياة طبيعية جديدة، ليعانوا سوء المعاملة والتضييق والمراقبة والحرمان من الخدمات والترحيل القسري الى الخارج. وبعد طول معاناة يتم حرمانهم من الجنسية أو حق الاقامة، وآخرون يولدون على ارض بريطانيا ويحملون جنسيتها ويتمتعون بحقوقهم كاملة، ومع ذلك يرتكبون جرائم مدنية مروعة او يتورطون في اعمال ارهابية او مخلة بأمنها الوطني فيرحّلون. هذا ما يردده المتعاطفون مع طالبي اللجوء من الليبراليين واليساريين في مجلس العموم - البرلمان - ووسائل الاعلام، إذ ينتقدون الحكومات البريطانية المتعاقبة ويتهمونها بالتنكر لقسم كبير من مبادئ حقوق الانسان والتعامل مع هذه المبادئ بانتقائية، ويقولون إنها تقوم بالكيل بمعايير مزدوجة.
رحلات سرّية تقوم بهذه الرحلات السرية عادة وكالة الحدود البريطانية، في اطار من التكتم وسلسلة من الاحتياطات من جانب جميع الجهات المعنية من سلطات الهجرة والمطار الى الشركات المشاركة والمقاولين المتعهدين بمرافقة المبعدين، مع ضمان عدم وصول ملفات التحقيقات مع هؤلاء الى وسائل الاعلام او منظمات حقوق الانسان تفادياً للمتاعب التي قد تفسد إتمام هذه الرحلات على النحو المطلوب. وبعد تحقيق استقصائي مكثف قامت به حول هذه الامور خلصت «الانديبندنت» الى أن: -- الخطوط البريطانية وشركة« بي ام آي» وشركات طيران أخرى تشارك في هذه الرحلات مقابل اجور معينة. ليس هناك ما يمنع تشغيل اشخاص مجرمين وذوي سجلات امنية خطيرة كحراس لمرافقة طالبي اللجوء الذين يتم ابعادهم. -- يتمتع هؤلاء الحراس بسلطات كبيرة منها تقييد المبعدين بالاصفاد ومراقبة حركاتهم وسكناتهم وقمعهم، واتخاذ الاجراءات التي يرونها مناسبة حسب مقتضيات الظروف وتغيرها. -- يحصل الحراس المرافقون على حوافز مادية مغرية لتأمين اتمام عمليات الابعاد بشكل سليم ودون اراقة دماء وبعيداً عن الاضواء. |
رحلة سرية
في صباح مشمس من أبريل الماضي، أقلعت طائرة من مطار هيثرو متجهة نحو الساحل الجنوبي في رحلة غير عادية وغير مدرجة على جدول الرحلات، وركابها ليسوا من طالبي الاستجمام والاستمتاع باجازاتهم او رجال الاعمال او المستثمرين، فقد كانت هذه الرحلة السرية تقلّ 51 من طالبي اللجوء في بريطانيا الذين تم ترحيلهم بالقوة بعد أن تم رفض طلباتهم ومعهم 54 من رجال الامن المكلفين بحراستهم ومراقبتهم، وكان من بين هؤلاء الكاميروني - إيفيس يتغنا نجيتشوا - البالغ من العمر 43 عاماً والذي يقول: «كان الموجودون على متن الطائرة يصرخون ويبكون وفي حالة من الخوف الشديد على حياتهم وكانت الاصفاد تقيد يديّ ورجليّ وتم السماح لي بالذهاب الى دورة المياه لقضاء حاجتي والباب مفتوح واربعة من الحراس يحدقون بي».
ووصل نجيتشوا الى بريطانيا عام 2005 وتقدم على الفور بطلب اللجوء الذي قال فيه انه تعرض طويلاً للملاحقة والتعقب في بلاده وان الشرطة في الكاميرون مارست معه مختلف انواع التعذيب، ومنها اطفاء اعقاب السجائر في مناطق مختلفة من جسمه، بسبب آرائه السياسية، وأن اخاه الذي كان عضواً في احد المجالس المحلية قتل لانتمائه الى حزب معارض.
وأظهر تقرير طبي تم ارفاقه بطلب اللجوء ان كل ما تقدم به من معلومات عما تعرض له من تعذيب كان صحيحاً، وعلى الرغم من ذلك امر القاضي البريطاني الذي نظر في طلبه بابعاده الى خارج المملكة المتحدة.
وجرت في التاسع من ابريل محاولة لابعاده بوضعه على متن رحلة جوية للطيران الكيني متجهة الى نيروبي برفقة ممرض وعنصري حراسة احدهما فتاة في اطار عملية مقاولات قامت بها احدى الشركات الأمنية المتخصصة.
ويضيف نجيتشوا «أوضحت لهم في مطار هيثرو الاسباب التي تمنعني من العودة الى الكاميرون فرد علي احد الحراس المرافقين: «بالنسبة لنا هذا الامر لا يعنينا من بعيد او قريب، واذا لم نقم بترحيلك ونرافقك الى كينيا فلن نتقاضى أجورنا، ولدى وصولك الى هناك ورفضت التوجه الى الكاميرون فيمكننا اعادتك الى هنا ثانية».
وبعد تلك المحاولة الفاشلة كتب محاميه في شكوى ضد وكالة الحدود البريطانية المسؤولة عن عمليات الترحيل يقول: «لقد ابلغوه انه اذا قبل التوجه الى كينيا فذلك يعني زيادة في اجورهم وانه سيقضي 31 ساعة في قاعة الترانزيت في مطار نيروبي قبل توجه رحلته الى الكاميرون، والمحوا له انه اذا اصر على الرفض فإنه يمكنه العودة معهم ثانية الي بريطانيا».
فوضى
وبعد وصول الطائرة الى مطار العاصمة الكينية نيروبي امضى نجيتشوا يومه في قاعة الترانزيت حتى الخامسة مساء، إذ تقدم منه الحراس وطالبوه بالتحرك نحو بوابة الرحلة المتجهة الى الكاميرون، لكنه رفض وتحول الى مزاج عنيف، إذ اخذ يضرب الجدران برأسه ويديه ويصرخ: «ثمة احد ما سيموت اليوم»، وسادت حالة من التوتر والفوضى استدعت تدخل الشرطة الكينية التي استمعت لشرح من الحارسة المرافقة له ثم أخذت تجره عنوة نحو بوابة الرحلة المتجهة الى الكاميرون بعد ان وضعوا الاصفاد في يده اليمنى وحاولوا ضم يديه خلف ظهره وهما مقيدتان.
ويقول: «ولكنني استجمعت كل ما لدي من قوة لمنعهم من ذلك، ليبدأوا بركلي وقرصي وعضي ودفعي والتضييق علي ثم طرحوني ارضاً ووضعوا اقدامهم على رجلي وساقي وصدري، وعانيت من ضيق التنفس وخارت قواي وتمكنوا من ضم يديّ الى الخلف وهما مقيدتان، وكان أنفي ينزف ورسغي يؤلمني».
وتم اقتياد نجيتشوا الى مكتب الهجرة والجوازات وامضى فيه ساعة والاصفاد في يديه، ولكن الطائرة التي كانت متجهة الى الكاميرون كانت تواجه مشكلات فنية ادت الى تأخير الرحلة، ثم رفض قائد الطائرة حمل نجيتشوا ضمن رحلته بسبب حالة الهيجان والتوتر الشديد الواضحة عليه وامضى الرجل مع الحارسة والممرض تلك الليلة في المطار ليقلعوا في رحلة جوية جديدة الى جزر العذارى في المحيط الاطلسي في طريق عودتهم الى بريطانيا.
وبعد مضي اربعة ايام على ما حدث في مطار نيروبي تم اخضاع نجيتشوا لفحص طبي شامل في احدى الجمعيات الخيرية تبين من خلاله وجود كدمات في الوجه والضلوع وانه كان مقيداً بشكل مؤلم للغاية حول العنق والرسغين. وقد خلص الدكتور تشارمين غولدواين الذي أجرى الفحص الى وجود «جروح وكدمات متفاوتة الخطورة والالم في اليدين والذراعين والعنق والصدر والساقين نتيجة لما تعرض له من اعتداءات في مطار نيروبي، وانه لا يمكن القبول بأي تفسير بسيط أو بريء بأن ما حدث له كان عادياً وطبيعياً وفي اطار القانون».
وبعد انكشاف تفاصيل الفضيحة امام وسائل الاعلام، نفى المرافقون الثلاثة في بيان لهم ان يكونوا قد قطعوا وعداً لنجيتشوا بعدم ارساله الى الكاميرون اذا ما وافق على التوجه الى كينيا.
تنكيل
ويقول محللون في جماعات ناشطة لحقوق الانسان في لندن ان ما تعرض له الكاميروني نجيتشوا ليس الحكاية الأولى ولن يكون الاخيرة، وانهم استمعوا لروايات عدد كبير من طالبي اللجوء قدموا من بلدان مختلفة وما تعرضوا له من مراقبة وتضييق وتعقيدات من جانب السلطات البريطانية، وان مرافقيهم في عمليات الابعاد يقومون بعملهم في التنكيل والقمع والتقييد على افضل وجه ممكن بسبب الحوافز المادية والاجور المرتفعة التي تنتظرهم بعد الانتهاء من مهمتهم والتي يتم احتسابها بالساعة. وفي هذا الشأن ينفي ناطق باسم شركة «جي 4 اس» للتعهدات الامنية والتي تنفذ عمليات ابعاد طالبي اللجوء أن يكون للحوافز المادية اي دور في كيفية أداء عناصرها لعملهم على النحو المطلوب. ويقول: «رجالنا ينجزون المهمة المطلوبة بقدر كبير من الاحتراف والمهنية العالية بغض النظر عن الامور المادية».
ضحايا
وفي الثالث من فبراير الماضي، تم إبعاد النيجيري برنس باباتوندي بكري (37 عاماً) على متن رحلة طيران «فرونتيكس» المتجهة من لندن الى نيجيريا التي كان قد فر منها الى بريطانيا هارباً من التعذيب والاعتقال.
ويقول: «إن عدداً كبيراً من النساء والاطفال كانوا على متن تلك الرحلة، وان الطائرة توقفت في ايرلندا واسبانيا لتحميل طالبي لجوء مطرودين».
ويصف الوضع على متن الطائرة بانه كان صعباً للغاية وسط صراخ الاطفال من الخوف، والهلع الذي يسيطر على النساء وسط الصرخات المرعبة من الحراس المرافقين الذين ينشرون أجواء الرعب والتوتر، لكن متحدث باسم شركة فرونتيكس نفى وقوع اعتداءات بالضرب او حدوث معاملة سيئة على متن الطائرة.
إهانات
أما العراقي الكردي برزان ناصر (28 عاماً) فقد تم ابعاده من بريطانيا الى بغداد العام الماضي، بعد اعتقاله مع آخرين في مركز «كولنبروك» القريب من مطار هيثرو.
يقول ناصر وهو من كركوك: «كان حارسان يراقباننا من كل جانب على مدار الساعة، وتم نقلنا بالحافلات من المركز الى الطائرة التابعة للخطوط الجوية الايطالية مباشرة وسط جو من الترهيب، إذ يمسك حارس من جانب ويدفعك آخر من الخلف ويسير امامك ثالث حتى تصعد الى الطائرة».
ويضيف «لقد تعاملوا معنا كمجرمين ومعتقلين بعيداً عن مراعاة أدنى الحقوق والاعتبارات الانسانية، حقاً انني لن انسى ذلك اليوم ما حييت».
واستناداً الى تقرير لمعهد العلاقات العرقية - ريس ريلايشنز - لعام ،2005 فقد تم تسجيل 11 حالة وفاة اثناء عمليات ابعاد لطالبي اللجوء من الدول الأوروبية منذ عام ،1991 وان المبعدين كانوا مكبلين بالاصفاد ويتعرضون لمعاملة سيئة بل والتنكيل. وفي عام 2009 تم تسيير 64 رحلة جوية تحمل 2000 من طالبي اللجوء من بريطانيا الى بلدان كثيرة منها افغانستان والعراق ونيجيريا والكونغو الديمقراطية، في حين بلغ العدد الاجمالي للمبعدين من مختلف الدول الغربية خلال العام الماضي 6855 مبعداً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news