بدأ الكتابة في سن الـ 17 وأنجز أحد أعماله تحـت قصف الطـــيران الإسرائيلي
محمود الزهـار.. روائي وكاتب وسينارست
رغم تعقيدات السياسة التي تسيطر على عقول قادة الفصائل الفلسطينية وتشغل أوقاتهم، فإن هناك جوانب أخرى بعيدة عن السياسة في حياتهم، لا يعرفها الكثير، فعضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» في قطاع غزة محمود الزهار له مشوار طويل في كتابة الروايات الأدبية والكتب الثقافية المختلفة، بل يمتلك مهارة كتابة سيناريوهات أفلام سينمائية.
وكان الزهار بدأ مشوار كتابة الروايات والكتب الأدبية والتاريخية منذ أن كان عمره 17 عاماً وهو في المرحلة الثانوية من دراسته عام ،1963 واحتفظ بكتاباته على مدار مراحل حياته، وضاع جزء منها خلال القصف الإسرائيلي لمنزله، ومنها ما نجا معه لتبصر النور عندما تمكن من طباعتها ونشرها، ومنها ما صنع منه فيلم سينمائي.
«الإمارات اليوم» التقت الزهار بمنزله الكائن في حي الصبرة في مدينة غزة، إذ استقبلنا ببشاشة وجهه وضحكته التي استمرت طوال اللقاء من بدايته حتى نهايته. كان لقاء مختلفاً عن لقاءاته التي يجريها مع كل وسائل الإعلام التي تتسم بالجدية التامة، فكان بمثابة جلسة سمر استذكر فيها (الزهار الروائي) مشواره مع الكتابة الأدبية وهو في غاية السعادة.
روائي منذ الشباب
يقول الزهار وهو يجلس في باحة منزله التي تزينها بعض الأشجار الخضراء «إن كتابة الرواية بدأت عندي مبكرا فقد كتبت عام 1963 وأنا في بداية المرحلة الثانوية، وذلك عندما وقع في يدي كتاب أحد المجاهدين عن حياة عزالدين القسام. وكان هذا المجاهد شاهداً على تلك الفترة، فقد كان يقول (ذهبنا، عدنا، كنا)، وأعجبتني هذه القصة كثيراً».
ويضيف «بعد ذلك بدأت أكتب رواية اسمها (عزالدين القسام) بقلم رصاص وعلى دفتر كتب عليه (مدرسة فلسطين الثانوية) ثانية علمي أول 1383هـ، 1963-1964».
ويتابع الزهار قوله «لقد وضعت للقصة البعد الدرامي وهو جزء من الخيال إلى جانب جزء من الواقع، فالواقع كان عزالدين القسام، والخيال هو الملثم صاحب الكوفية وبقيت القصة هكذا على مسودة إلى يومنا هذا».
بقيت قصة عزالدين القسام محفوظة بأوراقها المسودة لدى الزهار ولم ينطفئ بريقها رغم أن صفحاتها قُرضت أطرافها، حتى قرر أن يعيد كتابتها كما كتبها عام 1963 خلال العام الجاري 2010 ولكن بعنوان جديد تحت اسم «شمعة لم تنطفئ»، فهي قصة تاريخية تؤرخ لفلسطين من عام 1921 عندما جاء القسام إلى فلسطين حتى عام 1935 عندما استشهد.
ويكشف الزهار أن رواية «شمعة لم تنطفئ» جاهزة للطباعة خلال الأسبوع المقبل وسيعرضها على النقاد والأدباء قبل الطباعة.
في عام 1963 الذي يعتبر بداية المشوار الأدبي المبكر للزهار كتب روايات وكتباً عدة منها «من الحريات الحمر» التي تدور تفاصيلها حول معارك ،1956 وكتاب «في ظل الله»، ولكن هذه القصص ضاعت عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية منزله عام 2003 فقدر له النجاة وضاعت هذه القصص إلى جانب مسرحية كتبها عام 1971 عندما كان يدرس الطب في مصر، وتدور فكرتها عن تأمل الإنسان في حال الدنيا.
ويوضح الزهار أن كتابته للروايات وكتب الأدب هي فطرة لم يتعلمها في معاهد أو جامعات، ولكنه يعلم جيداً أصول الرواية والكتابة الأدبية بالإضافة إلى استماعه إلى النقاد والأدباء في الأعمال التي يكتبها.
روايات أبصرت النور
عام 1984 كتب الزهار رواية في «أعماق صخرة»، وهي تناقش فترة حياة الشاب الفلسطيني في مصر، وتدور تفاصيلها عن شاب متدين لكنه غير ناضج خصوصاً في علاقته مع الآخرين، يفاجأ بأن شقيقه الموجود في السعودية يرسل إليه رجلاً وابنته حتى يرعاهما وهو في الأسابيع الأخيرة من دراسته الجامعية، ويكون الشاب في فترة لا يدرك فيها طبيعة العلاقات مع وجود فتاة مظلومة تحتاج إلى من يسمعها وكل الدلائل تقول إنها مجرمة.
كانت قصة «في أعماق صخرة» في البداية بحسب الزهار، اسمها «صرخة في أعماق صخرة»، وهي تتحدث عن الفتاة التي صرخت في جوف صخرة ولم يسمعها أحد، وكان ثمن هذه الصرخة أن فارقت الحياة، وقد حذف الزهار كلمة الصخرة حتى يعطي القصة تشويقاً أكبر.
وفي عام 1985 كتب القيادي في «حماس» رواية «الرصيف»، تناول فيها قصة شاب قدم من ليبيا مرورا بمحطات الإسكندرية والقاهرة وصولاً إلى فلسطين لتنفيذ عملية استشهادية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفي طريقه في مرسي مطروح ومن خلال شخصيته المكتملة وعلاقاته العابرة مع الناس في أرصفة المحطات والسيارات والقطارات حاول أن ينظف كل ما على الرصيف واستطاع أن يحقق ما يريد.
وأعاد الزهار صياغة رواية الرصيف التي لم تنشر عام ،1985 وتمكن من طباعتها ونشرها في عام 2002 وتُدرس في قسم الأدب في الجامعة الإسلامية بغزة.
فيلم في مصر
بعد أن حقق الزهار نجاحاً في طباعة ونشر روايتي «في أعماق صخرة» و«الرصيف» سار في طريق تحويلهما إلى سيناريو أفلام سينمائية، فقد تمكن من تحويلهما خلال ستة أيام في شهر يناير عام 2010 رغم انشغالاته الكثيرة، وأرسل سيناريو الرصيف مع فنان مصري من الذين قدموا إلى غزة لدراسته، وإمكانية تحويله إلى عمل سينمائي، لاسيما أن معظم أحداث القصة تدور في مصر.
ويقول «قصص الروايتين بقيت كما هي ولكن حذفت بعض المشاهد التي من الصعب أن تتحول إلى سيناريو مثل المشهد الموجود في قصة (في أعماق صخرة) في الشارع الرابط بين الإسكندرية والقاهرة وعلاقته التاريخية مع الاسكندر الأكبر ونابليون بونابرت، وكل المواقف التاريخ، حيث كان هذا الشارع يصنع شيئاً في التاريخ».
أفلام سينمائية
قبل أن يحول الزهار روايتي «الرصيف» و«في أعماق صخرة» إلى سيناريوهات أفلام سينمائية، كان قد كتب سيناريو فيلم «عماد عقل» عام ،2000 وتم إنتاج هذا الفيلم عام 2008 في غزة رغم ظروف الحصار.
ويقول عضو المكتب السياسي لـ«حماس» عن ذلك «فيلم عماد عقل هو قصة شاب مقاوم من مؤسسي كتائب الشهيد عزالدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس»، وهو نموذج للشاب الذي بدأ العمل العسكري مبكراً، وكانت ذروة قصة عماد عقل في عام 1993 عندما استشهد وعمره 22 عاماً في الفترة التي كنت مبعداً فيها إلى مرج الزهور وكان برفقتي شقيقه».
ويوضح الزهار أنه لم يشرف على جميع مشاهد فيلم عماد عقل خلال تصويره وذلك بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة التي كانت تسود قطاع غزة، ولكن بعد الانتهاء من صناعة الفيلم شاهده مرات كثيرة وأبدى ملاحظاته وأدخل عليه بعض الإضافات مثل الموسيقى التصويرية وأنشودة فنية.
ويشير إلى أن الفيلم بعد أن تم عرضه في غزة أحدث نهضة ثقافية في القطاع، فقد تشكلت بعد إنتاجه رابطة كتاب وأدباء فلسطين في غزة، كما عكس وجود اهتمام بالبعدين الأدبي والفني من قبل «حماس»، كما أقنع الناس بوجود نهضة ثقافية ملتزمة ووطنية.
بعد أن نجح سيناريو الزهار في قصة عماد عقل في أن يتحول فيلما سينمائيا، قرر أن يواصل كتابة سيناريو آخر يكمل مسيرة عماد بعد استشهاده، فكتب سيناريو «عاشق البندقية»، الذي تدور تفاصيله حول مقاوم آخر من مقاومي كتائب القسام، هو «عوض سلمي»، الذي تسلم المهام الجهادية بعد عقل كما أن سلاح عماد الشخصي بقي معه.
وقد أنهى الزهار كتابة سيناريو «عاشق البندقية» بشكل كامل، وفي يوم الأحد الماضي تم تكليف مخرج لإخراجه، كما تم تحديد اللجان التي ستشرف على الإنتاج، ويتوقع الزهار أن يتم الانتهاء من تصويره خلال العام الجاري.
ويوضح الزهار أن فيلم «عوض سلمي» سيكون البعد الإنساني فيه أكثر وضوحاً من فيلم «عماد عقل»، فعوض كنا متزوجاً وله أبناء على عكس عماد الذي استشهد وهو شاب أعزب.
كتاب خلال الحرب
من المفارقات الغريبة في المشوار الأدبي للقيادي في «حماس» رغم انشغالاته وحجم الخطر الذي يتعرض له كونه مستهدفاً من قبل الاحتلال، أنه أتم كتابة كتاب «الحقيقة الكونية للحضارات»، رداً على كتاب «صاموئيل هيلتون» خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
وعن ذلك يقول «خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وفي وقت القتل والدمار لم أكن خائفا أو مرتجفا، بل قمت بإنهاء هذا الكتاب الذي بدأت كتابته قبل الحرب، وهو جاهز الآن للطباعة».
يكتب في الفجر
وسط انشغالاته الكثيرة يحاول الزهار استثمار الأوقات التي تقل فيها المسؤوليات، وعن ذلك يقول، «أكتب في كل مكان أجد فيه وقتاً حتى لو كان دقائق معدودة، فأكتب كل ما يجول في خاطري على أي ورقة كي لا تضيع الفكرة بسبب كثرة المشاغل وهموم السياسة، وأفضل الكلمات هي التي كنت أكتبها بعد صلاة الفجر فكنت أكتب جميع الأفكار على ورق مسودة حتى لا تضيع، وبعد ذلك أعيد صياغتها».
ويضيف «في السابق كانت معظم كتاباتي في وقت الفجر ولكن حالياً بسبب كثرة المشاغل أضطر للنوم متأخراً، وبعد صلاة الفجر لا يكون هناك متسع إلا لسماع نشرة الأخبار، وبعد ذلك أرتاح قليلا، ثم أفيق من النوم فأمارس عملي السياسي، ولكن عندما تتبادر إلى ذهني أي فكرة أحاول أن أدونها في أي ورقة».
مؤلّفات الزهار
من الكتب التي ألفها الزهار كتاب «لا مستقبل بين الأمم»، الذي كتبه عام 1999 رداً على كتاب بنيامين نتنياهو «مكان تحت الشمس»، ويدحض في هذا الكتاب أكاذيب الصهيونية.
وكان الزهار أرسل هذا الكتاب مع زائر جزائري إلى غزة، وطبع في الجزائر في 630 صفحة وقدم له الشيخ الجزائري الكبير «الشيباني»، والأستاذ المقري أحد قيادات الحركة الإسلامية في الجزائر، وأصدرته المكتبة الخلدونية هناك.
وكتب الزهار في صعيد بعيد عن الأدب كتباً عدة، منها: «التدخين في قطاع غزة وبلاؤه ومآسيه» عام ،1987 وتم نشره، وترجم كتاب «الحرب المقدسة» للكاتب الألمـاني فلهم دايتل، وتم نشره عام ،1997 ونشر كتاب «إشكاليات الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر»، ثم كتاب «إشكاليات مجتمعنا المعاصر.. دراسة قرآنية» في سبتمبر .1998
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news