الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو يتحدف إلى الطفل غونزاليس الذي ينظر إليه بطلا قوميا في كوبا. غيتي.

غونزاليس يعود إلى الأضواء بالبـــزة العسكرية

قبل 10 سنوات، أثارت قضية الطفل الكوبي إليان غونزاليس جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة. واليوم يحتفل الشاب بعيده الـ16 وقد تغيرت ملامحه تماماً. ويدرس إليان حالياً في الكلية العسكرية في هافانا ليصبح ضابطاً بعد سنوات. ويشار إلى أن نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور خسر الانتخابات الرئاسية في سنة 2000 بسبب ترحيل إليان من الولايات المتحدة إلى كوبا. إذ صوتت الجالية الكوبية لمصلحة الجمهوريين. ويذكر أن غور خسر ولاية فلوريدا، إذ كان الفارق بينه وبين الرئيس السابق جورج بوش بضع مئات من الأصوات، واضطرت السلطة القضائية للتدخل للفصل في الخلاف بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لمصلحة بوش.

بداية

بدأت القصة عندما قررت والدة إليان الانفصال عن والده والهروب من كوبا بحراً مصطحبة ابنها معها، إلى شواطئ ميامي الجنوبية. ومهما كانت الدوافع والأسباب وراء الهجرة فقد لقيت الأم مصرعها غرقاً، شأنها شأن آلاف الكوبيين الذين يضحون بكل شيء من أجل الوصول إلى «أرض الأحلام». وشاء للفتى إليان أن يصل سالماً إلى فلوريدا، في نوفمبر ،1999 لكنه وصل وحيداً في بلد لا يعرف فيه أحداً. ولم ينج معه من الحادثة سوى رجلين. وسلطت وسائل الإعلام آنذاك الضوء على الطفل، البالغ من العمر ست سنوات، بشكل منقطع النظير. وتولت عائلة كوبية الاعتناء به إلى أن تقرر ترحيله إلى كوبا، إذ طالب والده باسترجاعه.

انقسم الرأي العام الأميركي حينها بين مؤيد لبقائه ومطالب بعودته إلى كوبا وبدأ أبناء الجالية الكوبية في ميامي بتنظيم سلسلة من التظاهرات التي تطالب السلطات الأميركية بعدم إعادة الطفل إلى كوبا، كما تم تنظيم تظاهرات شعبية ضخمة في كوبا تطالب بعودة إليان إلى وطنه. واكتسبت القضية بعداً سياسياً وفرضت نفسها على الانتخابات وعلى مرشحيها وأجبرت المرشح آل غور على الإدلاء بتصريحات حول آرائه والتي سوف تسهم في فوزه أو خسارته لأصوات الناخبين في ولاية ميامي. وبعد جدل واسع رفضت المحكمة الأميركية طلب اللجوء السياسي الذي قدم نيابة عن إليان وتم ترحيله بالقوة إلى كوبا. وقامت وحدة من القوات الخاصة بمداهمة المنزل الذي كان يقيم فيه الطفل وانتزعته بالقوة من أيدي العائلة التي كانت تستضيفه أمام كاميرات الصحافيين.

غونزاليس الضابط الطالب

خففت السلطات الكوبية التعتيم على غونزاليس وسمحت لوسائل الإعلام المحلية والأجنبية بتصويره وإجراء مقابلات معه. وبدا الشاب وهو يرتدي البزة العسكرية متفائلاً بالمستقبل، ويتطلع إلى اليوم الذي يتخرج فيه من المدرسة العسكرية ليصبح ضابطاً في صفوف الجيش الكوبي. وعلى الرغم من تشكيك وسائل إعلام أميركية في ما قاله غونزاليس، بسبب ما قالت إنه يدخل ضمن الدعاية والتضليل اللذين تمارسهما هافانا، إلا أن ملامح الارتياح على وجهه تؤكد أن الشاب الصغير سعيد بوجوده في بلده مع والده.

بطل قومي

أصبح إليان في نظر الكوبيين بطلاً قومياً من خلال تسليط الأضواء على معاناة الشعب الكوبي، والحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة، إضافة إلى الهجرة غير الشرعية والضحايا الذين يسقطون بشكل مستمر خلال رحلتهم إلى شواطئ فلوريدا. وتخليداً لذكرى عودة إليان إلى أرض الوطن يقام حفل سنوي يحضره الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو. ويعتبر الكوبيون عودة إليان انتصاراً معنوياً على جارتهم أميركا. وللمرة الأولى منذ 10 سنوات لم يحضر كاسترو الحفل هذا العام، بسبب تدهور حالته الصحية، وناب عنه في هذه المناسبة «الوطنية» شقيقه وخلفه الرئيس راؤول كاسترو.

يقول رئيس البرلمان الكوبي ريكاردو ألاركون إن قضية إليان بينت للأميركيين أن «الدعاية الامبريالية وصناعة الإحباط لا تنجح»، وللمرة الأولى يسمح لإليان التحدث لوسائل الإعلام الأجنبية منذ عودته قبل 10 سنوات. ومن يدري ربما بدأت الأمور في التغير هناك. ويتوقع المراقبون أيضاً تحولاً في السياسة الأميركية تجاه الجزيرة المعزولة منذ 50 عاماً.

والواقع أن الخلاف السياسي والأيديولوجي مع كاسترو ليس سبباً مقنعاً للاستمرار في هذا الحصار الاقتصادي والإنساني. والأسوأ من ذلك محاولة واشنطن قلب نظام الحكم في هافانا وإزاحة كاسترو من الحكم بالقوة والمؤامرات. ولم تنجح جهود تسعة رؤساء أميركيين في القضاء على كاسترو وأتباعه. وحتى الاتحاد السوفييتي الذي انهار منذ 20 عاماً، والذي كان يدعم هافانا بقوة، لم يعجل في رحيل الزعيم الشيوعي العنيد.

تحول محتمل

لابد أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يدرك أخطاء الإدارات السابقة، وكان الكل يتوقع تحولاً جذرياً للسياسة الأميركية بعد مجيئه إلى الحكم. ويبدو أن المصالحة مع هافانا أصبحت أسهل من أي وقت مضى، ولا أحد سيقول إن سمعة أميركا ستتضرر إذا تصالحت مع كوبا. في المقابل يعتقد الكثيرون في الولايات المتحدة أنه لم يصبح هناك داعٍ لسماع الادانة التقليدية للحصار الأميركي المفروض على الجزيرة، في أروقة الأمم المتحدة. ويذكر أن ملامح التغيير في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة اتضحت معالمها بعد إلغاء بعض القيود المفروضة على السفر إلى هافانا والسماح للجالية الكوبية المقيمة في أميركا بتحويل الأموال إلى ذويهم في كوبا، كما تعززت شبكات الاتصالات الهاتفية بين البلدين. ويقول البيت الأبيض إنه أبدى حسن النية وينتظر رد فعل هافانا، التي لم تحرك ساكناً لحد الآن. وتطالب واشنطن بهامش أكبر للحريات في كوبا وفتح المجال أمام التعددية الثقافية والسياسية. إلا أن موقف الولايات المتحدة لم يجد له آذاناً صاغية في منظمة الأمم المتحدة، الشهر الماضي، إذ لم يدعم واشنطن في موقفها ضد كوبا، سوى إسرائيل ونورو، وهي «دولة مجهرية» في المحيط الهادي.

جيل جديد

لا يكترث الكوبيون المقيمون في الولايات المتحدة كثيراً بما يجري في كوبا، ويختلف جيل الشباب المولود في أميركا عن الجيل السابق، الذي كانت له تجربة مع نظام كاسترو، إذ يشعرون بانتماء أكبر إلى مسقط رأسهم. ويقول مراقبون إن واشنطن تقيم علاقات دبلوماسية واقتصادية مع دول لا تحترم حقوق الإنسان، ويتساءل هؤلاء عن جدوى هذه الازدواجية في المعايير.

وفي هذا السياق، احتج نواب في الكونغرس على استمرار الحصار وطالبوا برفعه والسماح بتصدير المنتجات الزراعية إلى الجزيرة والسماح للأميركيين بالسفر إلى هناك.

ويأمل عدد من النواب الحصول على عدد كافٍ من الأصوات للبدء في استئناف العلاقات التجارية بين البلدين. ويقول السيناتور بوب مننداز، الذي ينحدر من أصول كوبية، إن الوضع اختلف عما كان عليه في عهد بوش الذي ضيق الخناق على كوبا. ويرى مننداز أن الأمور تسير في اتجاه المصالحة والعودة التدريجية للعلاقات. ويستوجب الحصول على 60 صوتاً لتمرير قانون يسمح بـ«التطبيع» مع كوبا.

في الواقع لا أحد يمكن أن يدعي الآن أن هافانا تشكل خطراً يهدد أمن الولايات المتحدة أو أن الجزيرة المترامية في البحر الكاريبي يمكن أن تكون ملاذاً لتنظيم القاعدة، إلا أن البعض يعتقد أن تخفيف الحصار بأي شكل من الأشكال سيكون بمثابة «خيانة» لحركة الديمقراطية المضطهدة في كوبا. ومع ذلك فإن 74 من المعارضين السياسيين بما في ذلك المعتقلون أرسلوا خطابات جماعية ومنفردة إلى أعضاء الكونغرس يؤكدون فيها أن المصادقة على رفع الحصار ولو جزئياً سيصب في مصلحة الشعب الكوبي، بغض النظر عن الفوائد التي سيجنيها النظام. ومهما يكن فإن على الكوبيين الانتظار إلى انتخابات تجديد أعضاء الكونغرس في نوفمبر المقبل، لعرض مشروع القانون على الهيئة التشريعية.

 

الأكثر مشاركة