فرنسا تراقب مدنها بـ 570 ألف كاميرا
تتجه دول كثيرة حول العالم إلى مراقبة شوارعها والمباني الرسمية بواسطة الكاميرات، في محاولة لمكافحة الجريمة والأعمال التخريبية. واختلفت المواقف بين مؤيد لهذه الوسائل الحديثة التي يرى فيها خطوة إيجابية تهدف إلى حماية المجتمع والممتلكات العامة، ومعارض يرى فيها تهديداً للحريات وتعدياً على الخصوصية. واحتدم النقاش أخيراً في فرنسا حول هذه المسألة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة التي ترفض وضع كاميرات في الأماكن العامة. وتشير الأرقام الرسمية إلى أنه تم زرع نحو 570 ألف كاميرا حتى الآن في العديد من المحافظات الفرنسية، فوق المباني وفي محطات النقل العام والشوارع الرئيسة. وتمول الحكومة مشروع المراقبة بنسبة 40٪، ويتوقع تخصيص ميزانية أكبر في السنوات المقبلة.
تعتزم السلطات وضع 3500 كاميرا جديدة، هذا العام، في عدد من المدن بتكلفة 30 مليون يورو. ويعارض الاشتراكيون هذا المشروع، في الوقت الذي يقول فيه تقرير للإدارة العامة للتفتيش إن «مفعول الكاميرات كان أكبر بالنسبة لحالات العنف التي تعرض لها الأشخاص في الأماكن العامة، وكان التعامل الأمني أفضل في الأماكن التي تتوافر فيها كاميرات المراقبة».
ويضيف التقرير أن العنف ضد الأشخاص تراجع إلى النصف منذ سنة 2000 في الأماكن المراقبة. في المقابل تصر المعارضة على موقفها من أنظمة المراقبة، وتشبّه الكاميرات بـ «الفزاعة» التي ينصبها الفلاح في الحقل لإبعاد الطيور. وفي مدينة لي، شمال البلاد، يقوم الاشتراكيون بقيادة أمينة الحزب مارتن أوبري، بحملة ضد أنظمة المراقبة، ولتقتصر المراقبة هناك على المباني الحكومية فقط. وترى أوبري أن من الأفضل زيادة عدد عناصر الشرطة في الشارع وأماكن التجمعات، عوضاً عن وضع كاميرات.
تغيير المواقف
تبدي مدن مثل كاين ولافال وكليرمون-فيرون حساسية كبيرة ضد كاميرات المراقبة، إذ تعارضها المجالس المحلية ذات الأغلبية الاشتراكية بشدة. إلا أن بعض المدن التي يديرها الاشتراكيون غيرت موقفها إزاء المراقبة، بعد أن كانت ترفضها بشدة. ومنها مدينة غرونوبل، فقد صرح عمدتها ميشال ديستو، في ،2005 بأن سلطات المدينة لن تراقب تحركات الناس «لن نحصل على الأمن من خلال مراقبة مستمرة وغير مبالية للناس في الأماكن العامة». أما اليوم فقد تغيرت الأمور في غرونوبل، حيث سمحت السلطات المحلية بوضع عدد محدد من الكاميرات في المباني الحكومية ومرافق النقل العام، كما تخطط البلدية لزرع المزيد في الشوارع الموجودة في وسط المدينة، إضافة إلى القرية الأولمبية. ويقول محلل، فضّل عدم الكشف عن هويته، «منذ ،2008 سمحت مدن يديرها الاشتراكيون بوضع كاميرات المراقبة في الأماكن العامة، بعد أن أدركت أهميتها». أما في تولوز، الواقعة في جنوب غرب فرنسا، فقد استعان عمدة مدينة بيار كوهين بمجموعة من الخبراء لتقييم استخدام الكاميرات، على الرغم من أنه يعتقد أنها «ليست عملية». وتتوقع الحكومة أن يؤدي التوسع في استخدام كاميرات المراقبة إلى خفض عدد الجرائم، وأشارت إلى انخفاض معدلات الجريمة في يناير الماضي بمدينة ليون بنسبة 18٪. وتعتزم الحكومة تقديم مساعدات إضافية للمجالس المحلية لزيادة عدد الكاميرات.
تأثير ضعيف
قام عمدة ليون جيرار كولومب بمضاعفة عدد الكاميرات في وسط المدينة وضواحيها منذ ،2001 وعلى الرغم من أنه ينتمي إلى المعارضة الاشتراكية، فإنه يساند جهود الحكومة في زرع المزيد من أجهزة المراقبة. ويقول المسؤول عن الأمن في الحزب الاشتراكي، جون جاك إيرفوا، إن المسؤولين المنتخبين يعتقدون أن الكاميرات يمكن أن تكون رادعة في الأماكن المغلقة، إلا أنها غير فعالة في الأماكن المفتوحة. وفي ذات السياق كشفت تقرير أمني أن كل كاميرا ساعدت في القبض على شخص واحد كل عام في ليون، في الوقت الذي شهدت فيه شوارع المدينة أكثر من 20 ألف مخالفة للقانون. ويقول كبير الباحثين في المركز الوطني للبحث العلمي لوران موشييلي، «تبدو النتيجة واضحة، وهي أن مساهمة أجهزة المراقبة في مكافحة تشرد المراهقين في ليون لا تتعدى 1٪». مضيفاً «تكلف المراقبة التلفزيونية مبالغ كبيرة، ولكنها ليست مجدية».
تعد مدينة ليون مختبراً للتجارب الأمنية، حيث تبذل السلطات قصارى جهدها لمكافحة التخريب والسلوك العدواني لدى المراهقين، إضافة إلى مساعدة ضحايا الجريمة ودعم عناصر الشرطة. وتسعى المدينة إلى توسيع رقعة المراقبة، لتشمل معظم الشوارع والأحياء، ويتم وضع الكاميرات أمام أعين السكان لكي يقتنعوا بأنها لحمايتهم وليست للتجسس عليهم. ويقول ناشطون في الحقوق المدنية إن أجهزة المراقبة «قد تشكل مشكلات قانونية»، في حال اعتمد عليها في التحقيقات. وبلغ عدد الكاميرات في غرونوبل، التي تأتي في المرتبة الثالثة من حيث السكان، نحو 219 في .2009 ويحاول كولومب ألا يخسر الدعم الشعبي لحزبه من خلال إطلاق حملة يقوم بها لإقناع السكان بضرورة زرع المزيد من الكاميرات في المدينة التي ترتفع فيها مستويات الجريمة والسلوك المنحرف. ويقول مراقبون إن أنظمة المراقبة لم تساعد في الحد من ظاهرة الانحراف عند المراهقين، وتعتبر جهات غير حكومية وضع الكاميرات في الشوارع والأماكن العامة إجراءً ثانوياً، ويجب الاعتماد على العنصر البشري في مكافحة الجريمة.
استهداف المساجد
احتج مصلون في مسجد النور بضاحية درانسي، في مارس الماضي، على وضع كاميرات داخل المسجد وخارجه. واكتشف مرتادون للمسجد وجود كاميرات وضعت في أماكن مختلفة، وحتى في مصلى النساء. وتبين أن الأمن والاستخبارات الفرنسيين يقومان بتسجيل ما يجري في مكان العبادة، خصوصاً في أوقات الصلاة. ويخشى المسلمون ألا يكون مسجد درانسي الوحيد المستهدف من الجهات الأمنية، إذ بات المصلون في المساجد المنتشرة عبر التراب الفرنسي يتأكدون من عدم وجود أجهزة تنصت أو كاميرات في أماكن العبادة. يذكر أن السلطات الأمنية بررت وضع كاميرات في المسجد المذكور بتعرض إمامه للاعتداء من طرف بعض المصلين.
|
وسيلة مكملة
يعتقد وزير الداخلية السابق دانيال فايون، أن تقنية الرقابة الحديثة لن تكون بديلاً لعناصر الشرطة والدرك، ولكنها وسيلة مكملة ومساعدة، ويجب ألا يُعتمد عليه بشكل كبير. ويشكك فايون في مساعي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يشن حالياً حملة لاسترجاع الأمن في عدد من المدن الفرنسية، بقوله إن «ساركوزي يتصرف كأنه مرشح للانتخابات وليس رئيساً للجمهورية».