الهجرة إلى الصين.. حلم الأفارقـة الجديد
في مدينة غوانزهو الصينية توجد منطقة مساحتها 10 كيلومترات مربعة يطلق عليها سائقو التاكسي اسم «مدينة الشوكولاتة» نظراً لسكانها السود الوافدين من إفريقيا، ففي كل يوم تعج هذه المنطقة بالسود الذين يتجولون في الأسواق ويدخلون المتاجر بحثاً عن البضاعة الرخيصة المرفوضة من قبل السلطات المختصة نظراً لعدم استيفائها شروط الجودة. وتبيع تلك المتاجر ملابس الجينز وأجهزة التلفزيون التي لا تحمل علامة تجارية والهواتف النقالة المجمعة يدوياً، وغيرها من البضائع الأخرى بأسعار زهيدة. ففي افريقيا هناك اسواق في أكثر من 50 دولة متعطشة لمثل تلك البضائع التي سرعان ما تستوعبها جميعها.
وتستقطب مدينة غوانزهو، التي تقع جنوب الصين، مئات الآلاف من المهاجرين الافارقة منذ العقد الماضي قدموا من بوركينا فاسو والصومال وساحل العاج وغانا وتنزانيا وانغولا، لأغراض التجارة وغيرها من الاغراض الانسانية، كما انهم يمارسون أعمالهم الخاصة أيضا في المطاعم ومحال الحلاقة وغيرها، وتجتذبهم أسعار البضائع الرخيصة في منطقة «بيرل ريفر دلتا» القريبة من المدينة ويشترون قطع غيار الجرارات ومكيفات الهواء واقراص الـ«دي في دي» المقلدة.
مركز اهتمام
وفد وليامز إلى الصين قبل عام وفتح صالون حلاقة في أحد محال التسوق. جميع الاشياء في الصالون من ورق حائط ومقاعد ومساند وكراسي تتخذ لونا واحدا هو اللون الاحمر الباهر، كما أن زبائنه من بني جلدته.
يقول وليامز: «صالونات الحلاقة الصينية لا تفهم أسلوب الحلاقة الافريقي، ولهذا يأتي الأفارقة الى هنا».
وعلى العموم فإن الأفارقة يعتمدون على الآخرين من جنسهم، وينادون بعضهم بعضاً بعبارة «أخي» و«أختي».
ويقول مدير مركز التسوق، شين ليانرين إن أي متجر جديد يفتحه افريقي يصبح مركز اهتمام الأفارقة الآخرين الموجودين في المدينة، ويجتذب المزيد من المشترين الأفارقة، الامر الذي يزيد عدد المشترين في مركز التسوق، ولهذا السبب فإن إدارة المركز تخفض رسوم الايجار بالنسبة للأفارقة.
ويتشارك بعض المهاجرين الأفارقة امثال وليامز «حلما صينيا» يتمثل في افتتاح شركات او مراكز خدمات لتحقيق أرباح عالية خلال فترة وجيزة، والاستفادة من العلاقات التجارية الصينية الافريقية المزدهرة.
أحلام
وفد ايرك روفيتو من الكونغو الديمقراطية قبل 10 سنوات، لم يشاهد صينياً في حياته قبل مجيئه إلى الصين، ولا يعرف سوى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وعشقت عائلته روح الصين الجديدة اذ تتحدث ابنته ذات الـ12 عاما اللغتين الصينية والانجليزية بطلاقة وليس اللغة الفرنسية (لغة والديها).
روفيتو المعجب بالصين يقول «الصين تتقدم باستمرار أما أوروبا فلا». إلا أن للمهاجر النيجيري نيكروكا أوبي نظرة سلبية حيال الصين، فهذا المهاجر كان ينوي الذهاب إلى أوروبا إلا أن الحصول على تأشيرة حال دون ذلك، ففضل المجيء الى هنا لشراء ملابس وقطع غيار للكمبيوتر بما توافر لديه من الاموال خلال عمله في ليبيا والغابون، ويقول «أخبرني صديقي الصيني ان هنا سوقا رائجة، وبعد وصولي اخذني إلى إحدى الشقق لأرتاح من عناء السفر لكنني اكتشفت انه سرق كل ما لدي من أموال».
وتشددت الصين في إجراءات الاقامة قبل فترة طويلة من اقتراب دورة الألعاب الآسيوية في غوانزهو المنعقدة هذه الايام. ويقول الوافدون الأفارقة إن الطلبة ورجال الاعمال الحاصلين على اقامة لا يعانون تجديد التأشيرة إلا ان الآخرين عليهم السفر الى هونغ كونغ او مكاو والعودة مرة اخرى لتجديد التأشيرة، الا ان أوبي الذي انتهت تأشيرته قبل أسبوعين لم تكن تتوافر لديه تذكرة أو مبلغ 5000 يوان لدفعها غرامة نظير مخالفته الاقامة.
مضايقات
يشكو الأفارقة من أنهم مستهدفون دائماً من الحملات التفتيشية، إذ تطالب الشرطة أي شخص أسود بإبراز جواز سفره. وأصبح أوبي لا يستقر في مكان واحد فهو دائم التسكع في المطاعم او اللجوء إلى منازل الاصدقاء.
ويقول: «إذا شاهدت الشرطة فإنني أهرب بعيدا عنهم، وأصبحت هذه طريقة عيشي». ومن تقبض عليه الشرطة فإنه يظل في الاعتقال لثلاثة أسابيع اذا لم يتمكن من دفع غرامة المخالفة، ويمكث في المعتقل لوقت أطول إذا لم تتوافر لديه تذكرة عودة إلى بلاده. وفي بعض الاحيان يسمح ضباط الشرطة للمخالف ان يهرب إذا دفع لهم رشوة من 2000 الى 10 آلاف يوان (188 الى 940 جنيه استرليني). ويقول البعض إن الكثير من المخالفين يخاطرون بحياتهم او يتسببون في كسر أحد أعضائهم اثناء الهروب من الشرطة كأن يقفزوا من مبنى عال مثلاً.
وعاد رئيس الجالية النيجيرية أوجوكو إيما لتوه ليخبر إحدى العائلات النيجيرية ان ابنها مات بعد ان قفز من الطابق الخامس خلال حملة تفتيشية، وان المستشفى الذي تم نقله اليه رفض إمداده بالأجهزة المساندة للحياة وتركه يموت لأن بقاءه سيصبح عبئا عليه.
وبناء على الاحصاءات الرسمية فإنه منذ 2003 بدا عدد الأفارقة في هذه المدينة يزداد بنسبة 30 الى 40٪ في العام، وتؤكد بعض الاحصاءات ان عددهم في غوانزهو ربما يصل الى 100 ألف نسمة.
وليس لدى المهاجرين الأفارقة الكثير من الاصدقاء الصينيين، ولا يفتحون حسابات لهم في البنوك الصينية والقليل منهم يشتري تذاكر عبور بالحافلات على الرغم من أنها وسيلتهم الوحيدة للتنقل، الا ان هذه المدينة بدأت تشهد تناقصاً مستمراً في أعداد الأفارقة المهاجرين، ويعود ذلك الى ان السلطات الصينية المحلية تضيق عليهم الخناق.
جذور تاريخية كشفت دراسة عالمية أن أصول الصينيين لا تعود الى «إنسان بكين» شمال الصين، كما كان يعرف من قبل وإنما من الشعوب القديمة في شرق إفريقيا، الذين نزحوا عبر جنوب آسيا وصولاً الى الصين قبل 100 ألف عام تقريباً. وكشف فريق البحث الذي قاده البروفيسور جين لي بجامعة شنغهاي أن الإنسان الحديث تطور من أصل واحد، لا من أصول متعددة كما يعتقد بعض الخبراء. وفي الصين تقر الكتب الدراسية أن الجنس الصيني قد تطور من «إنسان بكين» بناء على النظريات القائلة بأن الجنس البشري تطور في اوروبا وآسيا من الانواع المحلية. إلا ان جين وزملاؤه اكتشفوا أن الانسان الأول ينتمي الى أنواع متعددة وأن الانواع الشرق افريقية فقط هي التي تطورت ليتمخض عنها الإنسان الحالي. وهذا الكشف الجديد يلغي تلك النظرية القائلة بأن أجداد الصينيين الحاليين ينحدرون من«إنسان بكين» الذي عاش شمال الصين قبل 400 ألف عام مضت. ويقول لي لو، أحد أعضاء الفريق، إن تحليل الحمض النووي لما يصل الى 100 عينة تم جمعها من حول العالم، توصل إلى ان عدداً من العائلات الإنسانية تطور في شرق إفريقيا قبل 150 ألف عام تقريباً، وقبل 100 ألف عام مضت بدأت بعض هذه المجمعات بالنزوح عن إفريقيا عبر جنوب وجنوب شرق آسيا. |
ويقول رئيس الجالية النيجيرية التي تشكل جاليته نصف المهاجرين الأفارقة، إن الشرطة تضايق المهاجرين في منازلهم وفي الطرقات وفي المطاعم وداخل الحافلات، وتدعوهم للذهاب الى بلادهم. ويضيف إيما أن هذه الحملات التفتيشية جعلت الأفارقة الوافدين يختفون من على سطح الارض ويمارسون الجريمة في الوقت الذي ينبغي ان تستفيد المدينة منهم.
عنصرية
يقول البائعون الصينيون المعتمدون على الزبائن الأفارقة ان حجم الاعمال هبط الى الثلث، وان الوافدين الأفارقة بدأوا مغادرة المدينة الى مكان آخر أكثر شفقة.
تقول ميري نغوم (اسم غير حقيقي) إنها تفضل العودة الى بلادها في غرب افريقيا على أن تتعرض لحملات الشرطة والتفرقة العنصرية. وكانت نغوم تتحدث بعد ان خرجت من مدرسة رفضت توظيفها لأنها سوداء. وتقول ان الصينيين يسدون أنوفهم عندما تجلس بجانبهم في الحافلات، وتعتقد ان غوانزهو من أسوأ المدن الصينية «لأن سكانها كثيرا ما يتحدثون عن اللون والعرق».
وفي المقابل، يقول الصيني آه لينغ، صاحب متجر لبيع القمصان، إن على الأفارقة ان ينصاعوا للقوانين الصينية، إذ ان بعضهم يتاجر في المخدرات ويمارس الجريمة، الا انه لم يقل إن هناك من الأفارقة من يلتزمون بالقوانين.
عندما أجرى البروفيسور في جامعة هونغ كونغ، باري ساتومان مسحاً على السكان وجد أن نصفهم لهم انطباع محايد حيال الجاليات الافريقية، ونسبة أكبر منهم لهم انطباع حسن أو جيد نحو هذه الجاليات، فالتجار الأفارقة غالباً ما يعتمدون على المسؤولين الصينيين، وتطورت علاقات صداقة بينهم، وان ما يصل الى 500 نيجيري متزوجون بصينيات.