كلوني (وسط) : حصلت على أفضل مهنة وأملك أجمل منزل وأتمتع بحياتي على أفضل وجه. غيتي

باريس « تمتّعت » بحياتها اللاهية أيام مقاومة النازي

عندما زحف الجيش الألماني النازي إلى فرنسا واحتل عاصمتها باريس، أصيب الفرنسيون بالمهانة، لكن الذي فاجأهم ان جنود هذا الجيش الغازي من الشبان الشقر لم يعمدوا إلى اغتصاب النساء الفرنسيات، كما توقع الفرنسيون، وانما قاموا بتوزيع الخبز وقطع الحلوى. وإضافة الى ذلك فقد كانوا يتمتعون بالوسامة والشجاعة مقارنة بالجنود الفرنسيين السكارى الذي استسلموا في المعارك.

ولم ينقضِ الكثير من الوقت على الاحتلال الألماني لفرنسا حتى اصبح أطفال فرنسيون كثيرون يصرخون علناً انهم يريدون ان يصبحوا ألمانا، في حين طاردت شابات فرنسيات كثر القادمين الجدد لمصادقتهم، كأنهم حلفاء وليسوا اعداء محتلين، حتى انهن اخذن يقدمن لهم البرتقال والفواكه الاخرى، ويقفن أحيانا على رؤوس اصابعهن، كي يتمكن من مشاهدة السيارات الالمانية الفارهة من الداخل.

وأصبحت الزوجات الفرنسيات المحرومات من أزواجهن الجنود الذين اصبحوا أسرى حرب في المانيا، يصادقن جنود الاحتلال، الامر الذي بات مبعث السرور لديهن. ولطالما بذل الفرنسيون جهوداً جبارة للتعتيم على هذه السمات التي ميزت الاحتلال الالماني لبلادهم، تفاخروا بأعمال المقاومة البطولية ضد المحتل الالماني، في حين ان الحقيقة كانت تشير إلى ان الفرنسيين كانوا متعاونين مع المحتل.

والآن، وبعد مرور عقود على الحرب العالمية الثانية، قام مدير القناة الفرنسية التاريخية باتريك بيسون بعمل جريء، حيث ألّف كتاباً بعنوان «1940-1945: السنوات الشهوانية»، إذ يظهر المدى الذي ذهب اليه ابناء جلدته من الفرنسيين في استمتاعهم بسنوات الحرب. ويأتي هذا الكتاب وما يكشف عنه في وقت يطلب فيه من باريس ان تقبل سلسلة من الذكريات المزعجة عن فترة الحربين، بعد ان اظهر معرض للصور في مكتبة تاريخ باريس ان سكان المدينة كانوا يتمتعون جدا بحياتهم خلال الاحتلال. وقال نائب المحافظ إنه يشعر بالتقزز عند رؤية هذه الصور.

وتظهر بعض الصور المواطنين الفرنسيين وهم يرتدون ملابس جميلة ويتسوقون الى جانب الجنود الالمان، إضافة الى صور نساء في لباس السباحة وهن يلهون مع جنود ألمان عند بركة سباحة، مدى سعادة الفرنسيات بالجيش المحتل، وكل هذه الصور كانت تعطي الانطباع بأن الحياة خلال الاحتلال كانت بعيدة جدا عن الجوع والخوف والمقاومة، وانما كانت عبارة عن حفلة كبيرة.

ويقول بيسون في كتابه، ان هذا السلوك جاء من قمة الهرم القيادي في فرنسا، إذ ان الماريشال بيتان، الذي كان يدير حكومة فيشي، والذي اتهم بالتعاون مع المحتل بعد الحرب، كان يسمح له بأن يطلق العنان لنفسه وهو في الـ،84 فيقوم بإغواء الشابات العاملات معه بلا ادنى خجل، وفي الوقت ذاته كان يوصي بقية الشعب بالتمسك بالشعار الذي مفاده «العمل، ثم العائلة، ثم الوطن».

ويشير بيسون إلى ان الزوجات الفرنسيات في باريس المحتلة تصرفن على نحو مشابه لهذا الرجل، كما ان باريس تعاملت مع التوقيت الصيفي الالماني، الامر الذي ضمن مع تقنين الكهرباء، هبوط الظلام أبكر بساعتين من المعتاد.

وبعد ذلك جاءت قسوة اول شتاء تحت الاحتلال، إذ كانت غرف النوم هي الأكثر دفئاً من الاماكن الاخرى. لكن الامر كان اكثر تعقيداً من ذلك، إذ ان الطرفين لجآ الى الجنس سلاحاً في الحرب، ووسيلة للبقاء. ففي منطقة رينلاند الالمانية كان الاسرى الفرنسيون يستمتعون بالفتيات الالمانيات، باعتبارها طريقة للانتقام، في حين كانت زوجاتهم في فرنسا يقمن علاقات حميمة مع الجنود الالمان، او لنقل مع أي شخص يمكن ان يقدم لهن الطعام والدفء والملبس.

وحسبما قال بيسون فإن الفتيات الفرنسيات كن يخضعن لرؤسائهن في العمل أو لجيرانهن، حتى للبقال، اذا كانوا مدينين له بالمال. وأصبحت النسوة بارعات في التخفي عن كل ما يمكن ان يسبب لهن الازعاج مثل والدة الزوج، عندما يواصلن البحث عن المتعة. وكانت دور السينما من الاماكن المفضلة لدى هؤلاء الفتيات خلال سنوات الاحتلال الاربع، فقد كان جميع السكان يذهبون الى دور السينما مرة واحدة على الاقل اسبوعيا، حيث يتركون الاطفال وحدهم في المنزل. وبلغت ارقام مرتادي السينما ارقاما مذهلة، ففي عام 1941 بلغ تعداد التذاكر التي بيعت 114 مليوناً، وارتفع هذا الرقم ليصل الى 310 ملايين في عام ،1943 بعد ان اعتاد الفرنسيون على التهرب نحو الدفء والمغامرات والظلام الذي تقدمه دور السينما.

الأكثر مشاركة