تشافيز كان من ألد أعداء الولايات المتحدة. أ.ف.ب

«نظرية المؤامرة» حاضرة في وفاة تشـافيز

توفي الزعيم الفنزويلي، هوغو تشافيز، هذا الشهر، بعد صراع طويل مع مرض السرطان والتهابات الجهاز التنفسي، ومشكلات طبية أخرى. واختفى عن أنظار الجماهير منذ ديسمبر العام الماضي، وأعيد انتخابه غيابيا أثناء وجوده في كوبا لتلقي العلاج الطبي، وأثارت وفاته شائعات بأنه ربما كان ضحية لمؤامرة اغتيال على يد الولايات المتحدة الأميركية.

ولم تكن هذه التكهنات هي الأولى من نوعها، فتشافيز نفسه تحدث عن ذلك عام ‬2011، وفقا لما روته قناة «سي إن إن» الأميركية، عندما تساءل: ما إذا كان باستطاعة الولايات المتحدة إصابة زعماء المنطقة بمرض السرطان. واستهل تشافيز كلمته في حفل عسكري بالعاصمة كراكاس، قائلا، «لا أريد أن أوجه أي اتهامات من دون دليل». لكن الرئيس الفنزويلي ذكر أنه قلق من «شيء يراه غريباً جداً جداً». وتساءل: «هل استطاعت (الولايات المتحدة) أن تبتكر تقنية تصيب الأشخاص بالسرطان، من دون أن يعرف الضحية ذلك؟».

من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا ذكر فيه المتحدث باسمها، باتريك فنتريل، أن «أي حديث عن تورط الولايات المتحدة ـ بطريقة ما ـ في إصابة الرئيس تشافيز بالسرطان، هو أمر سخيف، ونحن نرفض ذلك بشكل قاطع».

في اتهامه أشار تشافيز إلى أن الحكومة الأميركية أجرت تجارب طبية، غير أخلاقية، على سجناء من غواتيمالا، في أربعينات القرن الماضي. وعلى الرغم من أن الرئيس الاميركي، باراك أوباما، دان تلك التجارب، وقدم اعتذارا للرئيس الغواتيمالي، فإن مثل هذه المظالم التاريخية تغذي وقود المشاعر المعادية لأميركا لدى شعوب أميركا اللاتينية.

لقد ثبت من قبل أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) حاولت اغتيال وتسميم بعض قادة الدول الأجنبية، ولعل الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، من بين أبرز هؤلاء الزعماء المستهدفين من أميركا، وحيث إن تشافيز وثيق الصلة بكاسترو، فمن المحتمل أن يكون الاثنان تبادلا قصص صراعهما مع محاولات الاغتيال، سواء كانت حقيقية أو متخلية.

هناك أيضا بعض الأدلة على أن بعض الحكومات استخدمت السم لاغتيال أعدائها المستهدفين، ففي عام ‬2006، توفي العميل السابق لوكالة الاستخبارات السوفييتية (كي جي بي) الكسندر ليتفينينكو، في لندن بعد تعرضه للتسمم بواسطة جرعة من البولونيوم المشع ‬210، وقبل وفاته اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باغتياله.

وفي نوفمبر ‬2012، تم إخراج جثة الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات بعد ثماني سنوات من وفاته بسبب مرض غامض، بعد أن شكت زوجته في أنه تعرض للتسمم بواسطة البولونيوم، الذي ربما تكون دسته له الحكومة الإسرائيلية. ولاتزال الاختبارات جارية، ومن المرجح أن يتم الكشف عن نتائجها في وقت لاحق من هذا العام.

مواد مسرطنة

الأمر الذي يجعل السرطان جزءا من مؤامرات الاغتيال، هو أن مسببات هذا الداء غير معروفة، إذ إن السرطان ليس بمرض واحد محدد، لكنه اسم لمجموعة واسعة من أمراض ذات صلة لها أسباب مختلفة، وهناك عدد لا يحصى من المواد المسببة للسرطان في البيئة المحلية، والتي تراوح بين الفطريات الطبيعية ومادة الإسبستوس، وحتى أشعة الشمس، لهذا من الصعب ربط سرطان معين بحادثة معينة، أو سم محدد.

وعلى سبيل المثال، هناك أدلة دامغة على أن تدخين السجائر يسبب سرطان الرئة، لكن العديد من المدخنين لا يصابون بسرطان الرئة أبدا، والعديد من غير المدخنين يموتون من هذا المرض، وحتى مع عقود من البحث، فإن أسباب الكثير من الأمراض غير مؤكدة تماماً، وإن احتمال إصابة شخص معين بمرض معين تحكمه العشرات، بل المئات، من العوامل المختلفة التي تراوح بين الوراثة والنظام الغذائي ونمط الحياة.

صحيح، كما أشار تشافيز، أن قادة العديد من دول أميركا الجنوبية عانوا السرطان، في السنوات الأخيرة، بما في ذلك زعماء الأرجنتين والباراغواي والبرازيل، لكن في الحقيقة أن العديد من هؤلاء الزعماء ـ على عكس تشافيز ـ أصدقاء للولايات المتحدة، وأن قادة ‬10 دول أخرى في قارة أميركا الجنوبية لم يصابوا بالسرطان، ما يدل على أن هذا الاتهام لا يستند إلى أرضية منطقية.

ومع ذلك، نحن نتحدث عن زعيم، ناري، ديماغوجي، ادعى ذات مرة ـ خلال كلمة ألقاها عام ‬2006 في الأمم المتحدة ـ أنه لايزال يشم رائحة الكبريت «الشيطانية»، التي خلفها (الرئيس الأميركي السابق) جورج بوش، عندما كان في القاعة نفسها في اليوم السابق، وما إذا كان تشافيز يعتقد حقا أنه أصيب بالسرطان من قبل الولايات المتحدة، فإن الحجة التي قدمها تعد ـ في حد ذاتها ـ خطبة جيدة ضد الولايات المتحدة.

محاولات تصفية كاسترو

انتصرت الثورة الكوبية، التي قادها الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، عام ‬1959 على نظام ولغينسيو باتيستا (‬1933 إلى ‬1944)، الموالي للولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي أثر في المصالح التجارية الأميركية في هذه الجزيرة اللاتينية. وبمجرد أن أطاح كاسترو وأتباعه بنظام باتيستا، بدأت أميركا، تحت إدارة الرئيس السابق دوايت أيزنهاور، وأيضا تحت إدارة الرئيس جون كينيدي، بوضع مخططات اغتيال الزعماء الكوبيين وتنفيذ عمليات تخريبية في البلاد، وكانت أول فكرة هي التخلص من لحية كاسترو لإجباره على الاختفاء عن أنظار الجماهير التي عرفته بلحيته.

وفي فبراير من عام ‬1959، ألقى حراس الأمن الكوبيون القبض على الأميركي آلان روبيرت ناي، في غرفة بأحد الفنادق المواجهة للقصر الجمهوري، وكانت بحوزته بندقية بعيدة المدى لقتل كاسترو، عندما يصل إلى القصر. حاولت «السي آي ايه»، ايضا، ابتكار طريقة لتشبيع هواء استوديو الإذاعة، الذي يلقي منه كاسترو خطاباته بعقار الهلوسة، وغيره من العقارات النفسية، إلا أن الفكرة فشلت. وعمدت الوكالة أيضا إلى تشبيع نوع السيجار المفضل لدى كاسترو بالمخدرات المؤثرة في العقل، وفشلت هذه أيضا. وخلال رحلة كاسترو إلى نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ‬1960، حاول عملاء المخابرات الأميركية إنجاز مهمة، أطلقوا عليها «خطة إزالة الشعر»، وكانت الخطة تقضي بوضع أملاح الثاليوم في أحذية كاسترو، أملا أن يسقط السم شعر لحيته، وإذا تم تناول الثاليوم بجرعات كبيرة فإنه يحدث الشلل أو الوفاة، لكن ألغيت المهمة في آخر لحظة. وفي أغسطس ‬1960، أصبح التخلص من كاسترو من أولويات قيادة «السي آي إيه»، إذ دفعت الوكالة أجرا كبيرا لجونى روسيلي، أحد أفراد العصابات في نيويورك لاغتياله، لكنه فشل هو الآخر، رغم أنه أعد أقراص السكارين السامة، لتوضع في طعام كاسترو.

ولم يكن كاسترو الهدف الوحيد والملح على المخابرات الأميركية، فقد كانت هناك محاولات متكررة لاغتيال شقيقه راؤول، وصديقه الثائر الأممي تشي غيفارا.

الأكثر مشاركة