30٪ من سكان الولايات المتحدة مع حق امتلاكه للدفاع عن النفس
«لوبي» السلاح في أميركا.. قوة تفوق نفوذ صانعي القرار
خرج لوبي السلاح في الولايات المتحدة عن صمته، أخيرا، ليكشر عن أنيابه في وجه كل من تسول له نفسه المساس بالحقوق الأميركية المنصوص عليها في الدستور، والتي تضمن حق امتلاك السلاح للدفاع عن النفس، ولم تفلح الجهود في إقناع منظمة السلاح الأميركية، التي تعتبر أقوى المنظمات في أميركا وتضم ملايين الأعضاء، بضرورة تعديل المادة الثانية من الدستور، تمهيدا لوضع قيود على اقتناء وتملك السلاح الشخصي.
وقد وافق رئيس المنظمة الأميركية للسلاح، ديفيد كين، على غير عادته، على إجراء مقابلة مع مراسل صحافي (يعمل لمصلحة لوفيغارو)، في أحد المقاهي الشهيرة، بالعاصمة واشنطن، في الوقت الذي يفضل فيه نائبه واين لابيار البقاء في الخفاء وتفادي أي احتكاك مع وسائل الإعلام، ويعتبر لابيار شخصية استفزازية ومحل هجوم دائم من قبل الصحافة الأميركية، خصوصا بعد ندائه الأخير للأميركيين بضرورة التسلح في مواجهة «استبداد الحكومة». وأمضى كين نحو 30 عاما على رأس اتحاد المحافظين الأميركيين، ليصبح عضوا في المجلس الإداري للمنظمة الأميركية للسلاح، منذ 2000، ويعتقد أن الانضمام للمنظمة شرف لكل أميركي.
ويعترف كين بأن منظمته تمر بأوقات عصيبة في هذه المرحلة التي تمر بها بلاده، خصوصا بعد حادث إطلاق النار في مدرسة ساندي هوك بولاية كنتكوت، ديسمبر الماضي، الذي راح ضحيته 20 طفلا، إلا أن رئيس المنظمة يرى أن ولاية الرئيس الاميركي السابق بيل كلنتون كانت أصعب بكثير. وأوكلت مهمة تعطيل أي قرار يقيد تداول السلاح إلى لابيار، الذي أثبت أنه الرجل المناسب لمثل هذه المهام.
مشكلة القوانين ينص التعديل الثاني في الدستور الأميركي على حق الناس في الاحتفاظ بـِ وحمل السلاح وهو حق لا يمكن المساس به، ووجود مجموعات منظمة بطريقة جيدة ضروري للأمن العام، إلا أن هذا النص قابل للتأويل، وفسرت المحكمة العليا في واشنطن التعديل الثاني المتعلق بامتلاك وحمل السلاح على أنه حق لكل أميركي، يقع في نطاق حدود الحرية الفردية والحماية الشخصية التي كفلها الدستور. وترفض المحامية شيري أوين، التي ترعرعت في الريف الأميركي، حيث يمتلك معظم السكان سلاحا واحدا لكل فرد بالغ على الأقل، تفسير المحكمة للمادة الدستورية. وأوضحت أنها لا تعتقد أن من حق الأميركيين امتلاك السلاح لمجرد أن الدستور يسمح بذلك. وأضافت أنه إذا تمت قراءة التعديل في سياقه التاريخي، فسيتبين أنه لا ينطبق على ما يراه كثير من الأشخاص، حسب تعبيرها. وأكدت أن رفضها تفسير المحكمة لا يعني أنها تعارض حمل السلاح، بل تؤيده تماما، لكنها قالت إن المشكلة تتعلق بالقوانين والنصوص، المتعلقة بشراء واقتناء الأسلحة في البلاد. |
واقترحت المنظمة، في المقابل، تجنيد حراس مسلحين في المدارس من أجل وضع حد للهجمات. وفي ذلك يقول كين ان استطلاعات الرأي باتت تشجع هذه الفكرة. ويوجد في الولايات المتحدة 130 ألف مدرسة، تمتلك 30 ألفاً منها حراسا مسلحين. ويقول كين لا يجب توجيه التهم إلى السلاح، ولكن يتعين التعامل مع المجرمين الذي يستخدمونه للقتل. ويشير إلى تقاعس القضاء الأميركي حيال قضايا الإجرام.
منظمة شرسة
تسجل المنظمة الأميركية للسلاح حضورا قويا في الساحة السياسية ويحسب لها الأعضاء المنتخبون في الكونغرس 1000 حساب، ولا يوجد في الساحة لوبي ينافس هذه المنظمة الشرسة باستثناء ـ ربما ـ «أيباك» المساند لإسرائيل. وعلى مدى عقود نجحت المنظمة، التي تضم أربعة ملايين عضوا، في مواجهة كل المساعي الرامية لفرض قيود على السلاح. وتمكن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون من منع تداول البنادق الهجومية، في 1994، إلا أن المنظمة استطاعت أن تلغي القانون بعد 10 سنوات من تنفيذه. وتزايد نفوذها بشكل لافت في ما بعد وذلك لأسباب أهمها قاعدة عريضة من الناشطين الملتزمين بالدفاع عن حق حمل السلاح، فضلا عن ذلك، الدعم الذي توفره الأموال الطائلة التي تدرها هذه الصناعة، دون أن ننسى الآلة السياسية التي تمتلكها المنظمة في العاصمة وغيرها من الولايات والتي تقوم بالتأثير في صناع القرار من المنتخبين وحكام الولايات.
نفوذ قوي
تعد فلوريدا الولاية الأنسب، منذ فترة طويلة، التي يتم فيها اختبار التشريعات الخاصة بتنظيم السلاح، وفي هذه الولاية تتمتع الرئيس السابق للمنظمة الأميركية للسلاح، ماريون هامر، بنفوذ قوي داخل البرلمان المحلي، ويقال إنها تمسك بزمام الأمور والقرار الأخير بيدها. وفي ذلك يقول المدير التنفيذي لمركز سياسات العنف، جوش شوغرمان «عندما يريد قادة لوبي السلاح تمرير تشريعات لمصلحتهم، يقومون أولا بتجنيد القاعدة الشعبية، ثم تبدأ الرسائل والمكالمات الهاتفية تنهال على النواب»، موضحا، «خوفا من أن يخسروا مقاعدهم، يوافق النواب على التشريعات». ولفهم كيفية عمل وحدات المنظمة يجب الانتقال إلى معرض السلاح الشخصي في ولاية فيرجينيا، حيث يقول أحد العارضين المتخصص في بنادق الصيد والبنادق الهجومية، إن مبيعاته زادت بنسبة 70٪، مقارنة بالعام الماضي. ويتاح في المعرض اختبار السلاح المختلف بما في ذلك الرشاشات الثقيلة، ويقول أحد الباعة إن بضاعته توشك على النفاد، ولديه بعض البنادق الخاصة فضل عرضها للإيجار مقابل 2000 دولار.
تقول أميركية شقراء، جاءت للمعرض بصحبة ابنتيها البالغتين من العمر خمس وست سنوات، ان ما حدث في مدرسة نيوتاون (التي شهدت مقتل أطفال على يد مسلح) استخدمت من قبل الحكومة ووسائل الإعلام الليبرالية لتشويه الحقيقة. وتضيف السيدة التي تقول إنها علمت ابنتيها على الرمي، إذ بدأت ترمي بالبندقية منذ سن الـ16 و«لا أحد سيقرر نوع السلاح الذي سأقتنيه»، في إشارة إلى مساعي الحكومة لمنع أنواع محددة من الأسلحة الفردية تقول انها فتاكة. ويدعي أحد أعضاء لوبي السلاح ويدعى تشاك ان الأسلحة الفردية تنقذ الأرواح، ويضيف الناشط الذي أتى للتو من مناظرة ضد السيناتور الديمقراطي جو مانشين الذي تجرأ وأعلن مساندته لمراقبة السلاح في أميركا، «قلنا له إنه لن يعاد انتخابه أبدا». ولا يرى تشاك أي علاقة بين عدد قطع السلاح الهائل الموجودة بأيدي الأميركيين، وعدد ضحايا الهجمات الذي يبلغ نحو 34 ألفا سنويا، وهو أمر قياسي في البلدان الصناعية. ويضيف الناشط «لن نسمح بمنع البنادق الهجومية، في حين بإمكان الشرطة أن تحمل مثل هذه البنادق، في أميركا المواطنون يعتمدون على أنفسهم وليس على الشرطة».
ميل إلى التشدد
يقول رئيس المنظمة المستقلة لأصحاب السلاح، ريتشارد فلدمان، «هذه العقلية مهمة لفهم أميركا، هنا الملايين من الناس يقيسون الديمقراطية من خلال الأسلحة»، ويضيف فلدمان الذي كان عضوا بارزا في المنظمة الأميركية للسلاح، «إذا لم تأتمنهم الحكومة على السلاح سيسحبون، بدورهم، ثقتهم منها». ويلاحظ الخبراء اختلافا واضحا في آراء مالكي السلاح في الولايات المتحدة ويقدر عددهم بنحو 110 ملايين شخص (30٪ من مجموع السكان). ويعتقد شوغرمان أن هناك ميلا للتشدد في قيادة لوبي السلاح، منذ 1977، موضحا ان «رفض المنظمة المطلق لأي تشريعات تنظيمية منذ ذلك الوقت يخفي وراءه المصالح المادية التي تنطوي عليها هذه الصناعة». ويشير الباحث إلى تراجع عدد مالكي السلاح الأمر الذي يجعل مصانع السلاح تسعى لبيع المزيد.
وفي هذا السياق، أفادت تقارير صحافية بأن حضور منتجي السلاح في مجلس اللوبي بات واضحا، فضلا عن الدعم الذي يقدمه هؤلاء والذي تقول المصادر إنه يقدر بملايين الدولارات. ويرد رئيس المنظمة، ديفيد كين على هذه الادعاءات قائلا، «أعرف هذا الخط الهجومي جيدا وأريد أن أقول لكم إن صناعة السلاح تمثل 4٪ من مدخولنا فحسب، وآمل أن يكون أكثر». مضيفا انه يرى تهديدات تستهدفه على الانترنت.
نظام مراقبة
تقول دراسة أعدها «مركس بيو» للأبحاث إن معظم الأميركيين يؤيدون مراقبة منتظمة لحاملي السلاح، ولا يمانع تسعة أميركيين من 10 إدراج نظام مراقبة كل الأشخاص الذين يقتنون السلاح، ووضع قاعدة بيانات تسجل فيها كل المعلومات حولهم، وتضم أسماء المجرمين والمختلين عقليا. ويعارض لوبي السلاح هذه المراقبة لأنها تفرض قيودا على تداول السلاح في العائلة الواحدة. ويقول كين ان «المجرمين لا يذهبون إلى معارض السلاح (المرخصة) بل يشترون أسلحتهم من السوق الموازية».
واتهم كين الحكومة الديمقراطية بسعيها لإغلاق المعارض عوض تفعيل أنظمة المراقبة الموجودة. وفي هذا السياق يقول الخبير كولين غودار ان المنظمة باتت «تحترف المناورة وهي تسعى لزرع الخوف في قلوب الناس بأن كل مراقبة هي مشروع لمصادرة الأسلحة، انها تلعب على شعور عدم الثقة الموجود بين الشعب والحكومة». ويتساءل غودار «إذا كان الأمر كما يزعمون فنحن سنكون البلد الأكثر أمنا على وجه الأرض، لأن لدينا 300 مليون قطعة سلاح».
الانتخابات الأميركية
يلعب لوبي السلاح في الولايات المتحدة دوراً مهماً في الانتخابات الرئاسية والمحلية خصوصا الجماعات الداعمة للحق في حمل السلاح مثل «المنظمة الأميركية للسلاح» و«ملاك البنادق الأميركيون».
ويكمن عنصر الإسهام الرئيس لهذه الجماعات في تقديم الدعم المالي للمرشحين سواء لانتخابات الكونغرس أو الانتخابات الرئاسية، إلى جانب التصويت لهؤلاء المرشحين. وتتفاوت هذه المنظمات في ما بينها في حجم الدعم المالي الذي تقدمه، فالجماعات المؤيدة للحق في حمل السلاح تنفق أضعاف ما تنفقه نظيرتها الداعية لتقييد هذا الحق. وبالنظر إلى البيانات يتضح هذا الفارق. ففي الفترة من عام 1997 إلى 2003 أنفقت المنظمات المؤيدة لحمل السلاح ما يزيد على 35 مليون دولار مقابل 2.4 مليون لكل من «حملة برادي» و«الائتلاف للتصدي للعنف الناتج عن البنادق». وتظهر تلك البيانات قوة لوبي السلاح داخل أميركا، وحجم التأثير الذي يستطيع ممارسته، حصوصا المنظمة الأميركية للسلاح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news