يتعرضون للخطف والابتزاز والقتل قبل وصولهم

هاربون من إريتريا مضطهدون في إسرائيل

صورة

ولد أبلال ونشأ في إريتريا، لكنه يعلم أنه يحتاج إلى الهجرة، وبالفعل تمكن الشاب مع عشرات الآلاف من اللاجئين الفارين من الدكتاتورية والأزمة الاقتصادية المستمرة، من عبور الحدود الشمالية، وعبر السودان من جنوبه إلى شماله ليصل إلى مصر، حيث وقع في قبضة قبيلة من البدو، ولم يطلقوا سراحه إلا بعد أن دفع فدية كبيرة.

ويختلف ثمن الحرية من ضحية إلى أخرى، لكن البديل لدفع الفدية أصعب من المال بكثير، فالتعذيب أمر روتيني، والاغتصاب مألوف في الصحارى المترامية، إضافة إلى سرقة الأعضاء، وبعدها تم ترحيله إلى السودان، حيث يُعد الإريتريون لاجئين من الدرجة الثانية ويعيشون في حالة بائسة.

وعاود أبلال الكرة مرة أخرى، وانتهى به الأمر بين أيدي البدو في سيناء. ولقي أبلال ورفقاؤه معاملة سيئة من قبل بدو سيناء، وطالبوه بدفع 15 ألف دولار لإطلاق سراحه، وبعد معاناة شديدة ومساعدة بعض الأصدقاء تمكن من العبور إلى إسرائيل.

ويعمل الآن في مصنع في ضواحي تل أبيب، ولاتزال آثار الجروح في جسمه تذكره بمغامرته للوصول إلى «أرض الميعاد».

وتختلف التجربة من مهاجر إلى آخر، إلا أن معظم الأريتريين يكابدون المشقة ويواجهون الموت للوصول إلى إسرائيل، فهناك من ينجو من هجمات قطاع الطرق، وأحياناً يتعرض المهاجرون لطلقات نارية وهجمات بالسلاح الأبيض، والأسوأ تعرض بعضهم لسرقة الأعضاء. ويقول هايل، وهو مهاجر كان مع أبلال، إنه يذكر أن ثلاثة من الذين كانوا معهم في الرحلة سرقت منهم كلاهم، وتركوا ينزفون حتى الموت في سيناء. وبعد أن كان هايل يعمل في قطاع النسيج في بلده، ها هو الآن يعمل 10 ساعات متواصلة في مطعم بتل أبيب. وعلى الرغم من الإيجار الغالي، إلا أن هايل تمكن من ادخار بعض المال ليرسله إلى أهله في إريتريا، ويضيف: «الوضع في غاية الصعوبة بالنسبة للإريتريين، فأنا أعمل مثل الحمار».

وبالنسبة لكثير من المهاجرين الأفارقة تعد الدولة العبرية محطة عبور إلى بلدان تتوافر فيها فرص أكبر وأوضاع معيشية أفضل. فالمهاجر هايل، على سبيل المثال، يريد الالتحاق بصديقه في النرويج، ويقول إن الحكومة هناك تدعم المهاجرين وتحسن معاملتهم، أما أبلال فيريد التوجه إلى كندا، وبدأ بالفعل ملء استمارات الهجرة. وفي الوقت الراهن، يحاول الرفيقان أبلال وهايل التعايش مع الوضع، والعمل بجد في تل أبيب حتى تحين فرصة الهجرة الثانية.

وتقدر السلطات الإسرائيلية عدد المهاجرين الأفارقة الذين عبروا حدودها الجنوبية بالآلاف، ووصل عددهم إلى 60 ألفاً منذ سبعة أعوام. وتختلف أوضاعهم القانونية والمعيشية، ففي حين يظل المئات محتجزين في معسكرات خاصة باللاجئين في صحراء النقب بالقرب من الحدود مع مصر، يصنف معظم القادمين من إريتريا ضمن طالبي اللجوء. ويدعي الكثير من الإثيوبيين الذين قدموا بحثاً عن عمل بأنهم من إريتريا حتى يدخلوا ضمن طالبي اللجوء. وأقرّ البرلمان تعديلاً لقانون الهجرة العام الماضي من أجل الحد من تدفق المهاجرين من القارة السمراء، إلا أن قضاة في المحكة العليا اعتبروا أن فترة الاحتجاز التي تمتد ثلاثة أعوام تتنافى مع الدستور الإسرائيلي. ورحبت جمعية الدفاع عن الحقوق المدنية بهذا القرار، مشيرة إلى أن أكثر من 2000 امرأة ورجل وأطفال محتجزون حالياً من دون محاكمة في ظروف مؤلمة بموجب هذا التعديل. وأوضحت الجمعية أن معظم المحتجزين من طالبي اللجوء. ولأن ترحيل معظم المحتجزين سيعرض حياتهم للخطر، فإن التعديل يدعو إلى سجنهم بشكل جماعي في معسكرات مغلقة. ودخل عشرات الآلاف من المهاجرين إلى إسرائيل منذ عام 2006، ويحصل كثير منهم على تصاريح مؤقتة للعيش بمناطق فقيرة في تل أبيب، وهو وضع أدى إلى تصاعد التوتر الاجتماعي. وشهدت إسرائيل عام 2012 تظاهرات احتجاجية على تزايد أعداد المهاجرين غير الشرعيين. وبدأت السلطات خلال العام الماضي ترحيل مهاجرين من جنوب السودان، إثر حملة اعتقالات واسعة، كما تواصل تشييد جدار بطول 250 كيلومتراً يحاذي حدودها مع مصر.



سماسرة البشر

خرج تسفاي مجابي من قريته بالقرب من العاصمة الإريترية أسمرة وهو يمشي على قدميه، إلا أنه فقد القدرة على تحريكهما بشكل كامل بعد ثلاثة أشهر جراء التعذيب على أيدي أفراد من عصابات التهريب لترهيب عائلته وإجبارها على دفع آلاف الدولارات فدية. ويروي تسفاي (33 عاماً) قصته التي تعلمها داخل مخازن الاحتجاز في سيناء، ويقول «خرجت من بلدي إلى السودان في رحلة استمرت نحو ثلاثة أسابيع، نقوم في جزء منها بالسباحة حتى دخول الحدود المصرية»، ويضيف «بعد أن باعنا السمسار الإرتيري لسماسرة آخرين، وعند وصولنا إلى المنطقة الحدودية بمدينة رفح وجدنا أنفسنا فريسة لعصابات قام أعضاؤها بربطنا بسلاسل حديدية من أرجلنا واستمروا في تعذيبنا بإحراق أجسادنا بخراطيم بلاستيك مشتعلة حتى يقوم أهالينا بتحويل مبالغ مالية كبيرة». وتجاوز المبلغ الذي دفعته عائلة تسفاي 25 ألف دولار. ويضيف «ما أوصلنا إلى هذه المرحلة هو آلية يتبعها المهربون، وهي القيام ببيعنا إلى بعضهم بعضاً، ونقوم بعمليات تحويل نقدية لكل منهم، وخلال فترة التعذيب والابتزاز استطعنا الهروب من مكان الاحتجاز ضمن مجموعة يصل عددها إلى 15 متسللاً، وساعدنا بعضنا بعضاً حتى وصلنا إلى مكان آمن وحضر إلينا طبيب وعالجنا من دون مقابل». وعاد تسفاي مع آخرين إلى بلدهم بذكريات مؤلمة وتجربة لا يتمنى أي منهم تكرارها.

ضاحية فلورنتن

تشهد ضاحية فلورنتن في تل أبيب حركة دؤوبة طوال العام، وتعد منطقة عبور للكثير من المهاجرين غير المستقرين، إذ قدم إليها آلاف النازحين من جنوب السودان وإريتريا، وغيرهذا التدفق الهائل في التركيبة السكانية للمنطقة، وأصبحت تستضيف عصابات تهريب المخدرات.

تويتر