مانديلا استخدم الدعابة والطرفة سلاحاً سياسياً لمواجهة منتقديه
عاش الزعيم الجنوب إفريقي الراحل، نيلسون مانديلا، حياة مملوءة بالنشاط السياسي والإنجازات والعمل الجدي، إلا أن حياته كانت تتخللها لحظات عكست روح دعابته وخفة دمه، لكنه لم يكن من أؤلئك الأشخاص الذين يفقدون وقارهم عند اطلاقهم «القفشات»، ولم تكن تعتريه زلات لسان، كما لم تتصف طرفاته بالسخافة، وبدلاً من ذلك كانت سخريته مهذبة تماماً كسلوكه.
ويستخدم مانديلا الدعابة لكي يهدئ من توتر محدثه، ويرفع عنه الكلفة والحرج، وكثيراً ما كان يبدأ بالسخرية من نفسه امام جموع الناس، مخاطباً إياهم «أشكركم لإصغائكم لهذا الرجل العجوز». واستطاع مانديلا من خلال هذا الأسلوب أن يجرد أعداءه من سلاحهم ويربك خصومه، ويلجم ألسنة منتقديه.
اجتمع ذات مرة مع مجموعة من رجال الأعمال الجنوب افريقيين البيض بعد أن تخلى عن منصبه رئيساً للبلاد، وأثناء حديثه معهم تملكته روح الدعابة فطلب منهم ساخراً من نفسه، «أنا رجل تمت احالتي إلى التقاعد، عاطل عن العمل، فهل تستطيعون أن تستأجروا رجلاً مثلي؟».
هو أيضاً شخص يتحلق حوله الأطفال، يحبونه ويتمسحون برجليه كما تفعل القطط، ويركضون وراءه من دون أن يعرفون لماذا يفعلون ذلك، ربما لأنه يذكرهم بـ«بابا نويل». ويبادل الأطفال حباً بحب، ويشاطرهم افكارهم ومفاهيمهم عن هذا العالم.
ذات مرة سألته فتاة في الرابعة من عمرها عن تاريخ ميلاده، فرد عليها أنه لا يستطيع أن يتذكر، لكنه جاء إلى هذه الحياة قبل فترة طويلة. ثم سألته عن سبب ذهابه إلى السجن، فرد عليها مانديلا أيضاً بأنه لا يتذكر السبب لأن ذلك حدث قبل فترة طويلة جداً، فردت الفتاة بعد طول تأمل «أنت رجل عجوز غبي، أليس كذلك؟».
روح الدعابة التي يتمتع بها مانديلا وخفة روحه انسحبتا ايضاً على حياته السياسية، وتروي الأوساط السياسية في جنوب افريقيا عنه دعابة طريفة اطلقها ليغيظ زعيم احد احزاب الجناح اليميني «الافريكاني الأبيض»، الجنرال كونستانت فيلجوين، خلال المفاوضات متعددة الأحزاب التي سبقت الانتخابات الديمقراطية عام 1994، «علينا أن نمنح الفرصة لهذا الرجل الأبيض ليتحدث لأنه قبل كل شيء ينتمي إلى الأعراق العظمى».
وتقول المساعدة الشخصية السابقة لمانديلا، زيلدا لاغرانغ، «إنه كان من الزعماء القلائل الذين خاطبوا ملكة بريطانيا، إليزابيث الثانية، باسمها الأول المجرد من دون ألقاب أو بروتوكول، والملكة استمتعت بذلك وعبرت عن اعجابها بمانديلا واحترامها له»، وتضيف «أنه لأمر جميل ان نتذكر التفاعل في الحديث بين مانديلا وملكة بريطانيا خلال زيارته للندن وتعليقه على لباسها ومظهرها ووزنها بكل بساطة، وهو ما لم يفعله غيره من الزعماء». ويبرر ذلك بقوله «حسناً، عليها أن تناديني بنيلسون».
ويروي نائب رئيس جنوب إفريقيا، كغاليما موتلانثي، قصة طريفة عن الزعيم الراحل، عندما كان الاثنان يزوران مدينة زيرست في جنوب إفريقيا، فقد وضعت سلطات المدينة تدابير أمنية مشددة لاستقبال الشخصيتين في المطار، حيث تمركزت مجموعة من القناصة خلف الأشجار لحمايتهما، ولدهشة الحضور سار مانديلا مباشرة إلى احد هؤلاء القناصة محتضناً له ومخاطباً اياه «كيف حالك؟»، ثم ذهب لمصافحة الآخر، ما أحدث إرباكاً وسط الترتيبات الأمنية، وعبر موتلانثي عن اعجابه بسلوك مانديلا، واصفاً اياه بأنه نوع من الحب والرحمة التي كان يتمتع بهما مانديلا.
وخلافاً لسخريته المحتشمة، فقد كان يفاجئ الغرباء بعبارات المداهنة والمجاملة، فقد كان يستقبل الأشخاص العاديين الذين لم يتبوأوا مناصب رسميه بقوله «يشرفني الالتقاء بكم».
عن «ميل آند غارديان» والـ«سي إن إن» ومصادر أخرى