مناطقه ترقد على بحر من النفط.. وبكين شدّدت القبضة الأمنية عليه

شعب «الأويغور» يعاني العزلة والتهميش في موطنه

صورة

اتجهت الأنظار في السنوات الأخيرة إلى الأقلية المسلمة التي تعيش في الصين، إذ شهدت المناطق التي يوجد بها شعب «الأويغور» أحداث عنف أعقبتها اعتقالات واسعة من قبل السلطات الصينية. وتنتهج بكين سياسة اليد الحديدية مع الأقليات، سواء تعلق الأمر بـ«الأويغور» أو إقليم التبت. وقبل أشهر بدأت شركات تابعة للحكومة في أعمال صيانة وتجديد في إحدى مدن «الأويغور» العريقة وتسمى «كشغر». وأثار المشروع غضب الأهالي الذين يعتبرونه خطة لتدمير حضارة استمرت قروناً طويلة، ويتهمون بكين بالسعي لمحو الهوية الإسلامية للمنطقة. وكان مركز مدينة «كشغر» تعرض لزلزال عنيف، فقد هدمت الجرافات المنازل العتيقة وحولت المكان إلى ركام، على أن تستمر الأشغال لتحديث الطرقات والبنى التحتية.

سياسة تؤدي إلى الانفجار

التفجيرات التي ضربت ساحة «تيان أنمين» في أكتوبر الماضي، وراح ضحيتها خمسة أشخاص وأصيب 40 بجروح، زادت من الاحتقان بين اثنيّتَي «الأويغور» والـ«هان» في إقليم زينجيانغ. واتهمت السلطات الصينية جماعة متطرفة من «الأويغور» بالضلوع في العملية. ويقول الخبير السياسي، إلهام توهتي، إنه عندما يتعلق الأمر بالأويغور، فالسلطات تصف ما يجري من عمليات تخريبية بأنها إرهابية، أما إذا قام بها آخرون فلا تتطرق إلى الإرهاب. ويرى الخبير أن سياسة بكين تجاه «الأويغور» توشك على أن تؤدي إلى الانفجار إذا استمرت السلطات في القمع.


مطوّقة مثل بغداد

تطوّق سيارات الشرطة مركز مدينة كشغر، الذي كان في يوم ما على طريق الحرير، ووضعت قوات التدخل السريع على أهبة الاستعداد، كما وضعت كاميرات للمراقبة في المساجد الـ14 المنتشرة في المدينة، بما في ذلك مسجد «عيد كاه» الشهير. وينتشر عناصر الأمن في كل مكان بالمدينة، ما يزيد من القلق والضغوط على السكان. ويقول أحد التجار، وهو يلتفت إلى يمينه وشماله: «إن المدينة مطوقة مثل بغداد. السياح لا يريدون المجيء إلى هنا والسكان من عرق الـ(هان) يفضلون البقاء في أحيائهم». ويضيف أن «كل هذا الاحتقان والقلق ليس جيداً بالنسبة لنا، والذين قاموا بتفجيرات تيان أنمين أرادوا إحداث صدمة، ونحن الأويغور من يدفع الثمن». ويقول محمد: «نريد الحقوق نفسها التي يتمتع بها الآخرون. نريد أن نحصل على جوازات سفر بسهولة، للسفر لأداء فريضة الحج»، موضحاً أنهم يريدون أن يحصل أولادهم على فرص وظيفية، مشيراً إلى الظلم الذي يتعرض له شعب «الأويغور»، بحيث لا يستطيع شبابه الحصول على وظائف في البنوك أو قطاع النفط، وغيره من المجالات الاقتصادية المهمة، حتى وإن كانوا يتحدثون الـ«مندرين» (لغة الغالبية في الصين)، وتبقى حكراً على إثنية الـ«هان». ويشرح محمد الوضع المعقد قائلاً: «لا يستطيع أطفالنا الذهاب إلى المسجد لتعلّم القرآن قبل سن الـ18». وأدت سياسة القمع ضد الأويغور إلى عودة هؤلاء إلى تعاليم دينهم والتمسك بها أكثر فأكثر. ويقول محمد إن الصين أُنشئت على مبدأ «اتحاد جميع الأعراق في البلد الواحد، ولا يمكن أن تستمر على هذه الحال»، وأن «العائلة لن تعيش في تفاهم وتناغم إذا أهملت أحد أبنائها».

تمارس بكين، بعد أن شتتتهم في أقاليم مختلفة، ضغوطاً غير مسبوقة على «الأويغور» الناطقين بالتركية، على الرغم من جذورهم التاريخية في المنطقة، التي تمتد لمئات السنين. وباتت محاولات الصين في هدم أهم المعالم في العاصمة التاريخية للمملكة الإسلامية في شرق آسيا، القطرة التي أفاضت الكأس، ودفعت شباباً متحمساً للقيام بأعمال تخريبية في مدن صينية مختلفة احتجاجاً على القمع الذي يُمارَس ضد المسلمين. وتعاني الأقلية التضييق في شتى المجالات، بما في ذلك الدينية والثقافية واللغوية، فضلاً عن التهميش الاقتصادي. ويبدو أن القبضة الحديدية اشتدت في الاسابيع الأخيرة، بعد تفجيرات استهدفت ساحة «تيان أنمين» الشهيرة وسط بكين، حيث قتل خمسة أشخاص، واتهمت السلطات الصينية جماعة متطرفة من «الأويغور» بالضلوع في العملية.

يقول أحد سكان المدينة، ويدعى محمد (46 عاماً): «سوف يبنون لنا منزلاً يسع الجميع فيه 12 غرفة لكل العائلة، أنا وزوجتي وأولادنا الثلاثة وأختي وأخي». ويضيف التاجر، وهو ينظر إلى موقع الإنشاء بحسرة، «لقد عاشت عائلتي هنا منذ 500 عام، وكل ذكريات الأجداد ستُمحى ببناء منزل جديد، وبالتالي فإن سحر الأويغور سيرحل أيضاً».

ذرائع

رسمياً، تقول السلطات الصينية إنها أطلقت مشروع تجديد المنازل والبنية التحتية في المنطقة الشمالية الغربية منذ 2009، والتي تقع على تصدعات زلزالية. وجاء القرار بعد الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم سيشوان في 2008، وراح ضحيته نحو 80 ألف شخص. وتقول مديرية الحزب الشيوعي في إقليم «زينجيانغ» إن مشروع تجديد المدن التاريخية محل فخر للصين. في حين يقول مراقبون إن المقاولين الذين ينفذون مشروع تجديد مناطق تاريخية بهذه القيمة لا يلتزمون بالتصاميم الجديدة التي تحافظ على خصوصية المكان أو لا يستطيعون الالتزام بها، وفي الغالب تكون النسخ الجديدة غير مطابقة للقديمة، وأحياناً لا علاقة بينهما. وتقول السلطات إنها تعيد تخطيط الشوارع ليصبح بإمكان سيارات الإسعاف والدفاع المدني الوصول إلى أي مكان في حالات الطوارئ أو حدوث زلازل. وفي ذلك يقول التاجر محمد، إنه بسبب توسع الشارع «كان عليّ إضافة طابق إلى المنزل، ليستوعب المزيد من الأشخاص وأحصل على المساحة السابقة نفسها تقريباً». ويضيف «لقد فقد منزلنا طابعه التقليدي، وكبقية الجيران لقد ضحينا بالفناء الخارجي، الأمر الذي أغضب زوجاتنا». وتستخدم النساء الفناء للطبخ وغسل الثياب وشرب الشاي. ويقول الخبير الاقتصادي إلهام توهتي: «لقد لجأت الحكومة المحلية إلى حيل وذرائع مختلفة من أجل تدمير ثقافة الأويغور، وتحويل مدينة كشغر إلى مدينة صينية». ويضيف الخبير، الذي يخضع للمراقبة بسبب انتقاداته لسياسة بكين في إقليم زينجيانغ: «إنها كارثة. لقد اختفت المدينة القديمة، وخصوصية كشغر العمرانية والثقافية، التي تعتبر روح المدينة، اختفت». ويقول توهتي إنه كان ضحية حادث مروري مفتعل من قبل رجال الأمن الصينيين قبل أسابيع، وقال له أحدهم بعد أن صدم سيارته، «أريد أن أقتلك أنت وعائلتك».

ويشمل مشروع تحديث المدينة نحو 220 ألف شخص، قدمت السلطات الدعم لعدد منهم، في حين عرضت على آخرين الانتقال إلى بنايات حديثة في ضواحي المدينة. ويقول أحد المرحّلين ويدعى أصلان، إن «المساكن الجديدة سيئة للغاية. انتقلت إلى هنا قبل ثلاث سنوات ومازلنا ننتظر خدمات، مثل المعصد والتدفئة». ويوضح أن هناك انقطاعات مستمرة في الكهرباء والماء. ويطالب أولئك الذين يريدون البقاء في منازلهم القديمة بدفع جزء كبير من تكاليف إعادة البناء، أما إذا قرر سكان البيع فيتعين على كل من يبيع منزله القديم أن يدفع 30% من المبلغ الذي يحصل عليه إلى خزينة الدولة.

يقول التاجر محمد: «يرقد إقليم زينجيانغ (موطن الأويغور) على بحر من النفط، ونظراً لاستغلاله المفرط أصبح سطح الأرض هشاً، والآن بات علينا إعادة بناء منازلنا»، مشيراً إلى أن كل ما حصل عليه هو تكفّل الحكومة ببناء الهياكل الأسمنتية للمنزل. ويضيف التاجر غاضباً «لقد بكيت عندما توفي (الزعيم الصيني) ماو تسي تونغ، ولكني الآن لن أذرف دمعة واحدة على أي مسؤول صيني». وخلال حكم الزعيم الراحل كان التفاهم وحسن الجوار يسودان بين «الأويغور» والـ«هان»، ولا توجد مشكلات بين العرقين. ويقول محمد: «في الماضي، عندما تأتي عائلة من شنغهاي للاستقرار في إقليمنا نستقبلها بالاحتفال، ونذبح خروفاً بهذه المناسبة السعيدة».

تويتر