تسمم طفلها بالرصاص فخاضت معركة ضد المصهر
ناشطة تنجح في إغــلاق مصنع سام في كيـــــنيا
قالت منظمات حقوقية إن آلاف الناس في المنطقة الفقيرة الواقعة خارج مومباسا، عاصمة كينيا، يواجهون عواقب صحية خطيرة بسبب الرصاص السام الذي ينبعث من مصنع إعادة تدوير البطاريات. وصدر تقرير بعنوان «كينيا: شعب مصنع السموم»، العام الماضي، تم من خلاله توثيق الأضرار الصحية والبيئية، الناجمة عن مصهر الرصاص، والتهديد الذي يمثله على السكان والعاملين في المصنع. وقتل ثلاثة على الأقل من العمال في المصهر جراء التسمم بالرصاص، في حين يتعرض أكثر من 3000 شخص، يعيشون بالقرب من المصهر، لأخطار المواد السامة الملوثة بشكل مستمر. ويأتي ذلك في الوقت الذي عجزت فيه الحكومة عن توفير اختبارات لمستويات الرصاص، وتنظيف المنازل والأماكن العامة في المناطق المعنية، وتقديم تعويضات للضحايا.
زمام المبادرة
كفاح مستمر حصلت الناشطة الكينية على مساعدة من مجموعات خارجية، بما في ذلك منظمات حقوقية. وبعد اجتماع في الأمم المتحدة حول النفايات السامة، ذهبت لجنة من مجلس الشيوخ الكيني للوقوف على الوضع. وأغلق المصنع أخيرا. إلا أن الأمر لم ينته بعد بالنسبة لفيليس؛ فقد أنشأت منظمة محلية وأطلقت عليها اسم «مركز العدالة والعمل البيئي» للدفاع في قضايا أخرى، مثل عمال المناجم الذين يهددون الثروة السمكية في البلاد. «وفي ذلك تقول فيليس، »قد يكون الهواء الآن نقيا، بعد إغلاق المصنع، لكن التربة والبرك لا تزال ملوثة بالرصاص.« وقد وجدت دراسة مستقلة أن مستويات الرصاص في الغبار المحلي والتربة في ضاحية »أوينو اوهورو«، تصل إلى عشرة أضعاف تلك المسجلة في أحياء فقيرة أخرى.» الخضروات والأسماك هنا تعرضت لمواد سامة،« توضح الناشطة التي رفعت دعوى قضائية ضد الحكومة الكينية ووكالة البيئة، تطالبهما بتنظيف المنطقة الملوثة وتقديم تعويضات للضحايا. وفيليس هي واحد من ستة أسماء فائزة في جوائز »غولدمان« الدولية، التي تمنح في سان فرانسيسكو. بوكس لم يتمكن أحد ضباط الشرطة الذين أدلوا بشهاداتهم، من الرد على الأسئلة المتعلقة بما إذا كانت فيليس أوميدو مسلحة أثناء الاحتجاج، أو ما إذا كان أي شخص قد أصيب نتيجة للاحتجاج. و خلال تلك الوقائع، انهار كاتب المحكمة بالبكاء عندما عرض محامو المدافعة نتائج فحوصات الأطفال الذين ثبتت إصابتهم بالتسمم بالرصاص. و قد حضر الجلسة عدد من أعضاء الجمعيات المدنية الذين كانوا هناك لإبداء دعمهم لفيليس. واتهم كل المعتقلين بتنظيم احتجاج غير قانوني ثم أطلق سراحهم بكفالة، باستثناء فيليس التي اتهمت بارتكاب جريمتين جنائيتين إضافيتين، هما »تهديد السلام و ارتكاب العنف«، و »التحريض على العنف و«عصيان القانون». إلا أن القاضي قرر الإفراج عنها لاحقا وإسقاط جميع التهم عنها. |
استطاعت فيليس أوميدو، التي تسكن في المنطقة الملوثة، أن تجلب انتباه السلطات في كينيا واهتمام وسائل الإعلام الأجنبية؛ اذ أدى نشاطها في التصدي للتلوث، إلى نتائج لم تكن في الحسبان. ولأنها تضررت بشكل مباشر من خلال تعرض ابنها لحالة اختناق، ثم إصابته بمرض غريب، فقد قررت أوميدو أن تقود المعركة ضد هذا المصنع القاتل.
تقول الأم التي عملت في المصنع كمرشدة اجتماعية، «في البداية كنا نظن أن المرض كان الملاريا أو حمى التيفوئيد،» ولكن بعد نقل طفلها إلى المستشفى للعلاج من المرض الغامض، اضافت بالقول، «وجد الأطباء أنه يعاني من التسمم بالرصاص.» ومن ثم أخذت الناشطة زمام المبادرة بعد أن تيقنت بأن مصدر المرض هو المصهر القريب، وانخرطت في عمل مجتمعي هدفه وضع حد للمأساة البيئية، التي يبدو أنها ستحصد الكثير من الأرواح. وتقول فيليس إن المرض وصل إلى رضيعها عبر «حليب الثدي». وتقديرا لجهودها التي انتهت بإغلاق المصنع المثير للجدل، حصلت فيليس على جائزة «غولدمان» التي تمنح للناشطين في مجال حماية البيئة، في سان فرانسيسكو.
بعد أن علمت أن حليب ثديها تسبب في مرض طفلها، الذي تبين أنه ليس الوحيد الذي يعاني من التسمم بالرصاص، قررت فيليس تعبئة سكان مومباسا من أجل إغلاق المصهر، الذي يعرض الناس للمواد الكيمياوية الخطرة.
فبعد ان ازدهرت صناعة الطاقة الشمسية في كينيا زاد الطلب على الرصاص، واسترداده عن طريق إعادة تدوير بطاريات السيارات في المصاهر. وباتت أحياء الصفيح في مومباسا- حيث الفقراء والمهمشين في حاجة ماسة للعمل- هي النقاط الساخنة لمثل هذا النشاط الصناعي. ومن بين المصاهر سيئة السمعة في المنطقة، مصنع «أوينو اوهورو»، الذي ينتج عن نشاطه انبعاث أدخنة محملة بالرصاص، وغالبا يكون ذلك ليلا لتجنب الكشف عنها. إضافة إلى ذلك يعتبر المصهر مصدرا لمياه الصرف الصحي غير المعالجة، التي تتسرب إلى القنوات والأحواض التي يستخدمها السكان في غسل الملابس وطهي الطعام.
مستويات عالية
بدأ المصهر نشاطه الصناعي في 2007 دون أي تقييم للأثر البيئي، الذي قد ينجم عن إعادة تدوير البطاريات. وأذنت السلطات الكينية في مومباسا بالعمل في المصهر كجزء من برنامج لتحفيز الاستثمار، وفقا لمسؤولين في الحكومة. «لكن يجب أن لا يأتي الاستثمار على حساب حياة وصحة العاملين والسكان»، تقول الناشطة. وعلى الرغم من أن كل الدلائل التي قدمتها فيليس أثبتت أن المصهر سام وخطير على الصحة العامة، قررت إدارة المصنع تعيين استشاري آخر لاستكمال تقييم الأثر البيئي. وبعد تسمم طفلها، قامت فيليس بفحص عينات من دم طفلها وثلاثة أطفال آخرين في أحد المراكز الطبية في مومباسا، وتبين أن مستوى الرصاص في الدم، أعلى بكثير من مستوى الخطر الذي حددته المراكز الصحية المتخصصة في الولايات المتحدة. وبعد ذلك تركت الشركة وبدأت حملة لإغلاق المصهر.
تروي فيليس أنها ذهبت لمديري الشركة وإلى وكالة البيئة الحكومية، التي رخصت المصهر، و«قدمت لهم تقارير من خبراء الرصاص. ولكن لا أحد أراد الاستماع .» في الوقت الذي كان المرض يفتك بالأطفال الأبرياء؛ وكانت النساء تعاني من إسقاط الحمل. أما الفلاحون فاشتكوا من نفوق الدواجن في مزارعهم ومنازلهم.
وتقول فيليس أن الشركة تسرح العمال بشكل روتيني بعد بضعة أشهر من تشغيلهم، لأنها تعرف بأن تعرضهم للرصاص غير آمن. ولكن بعد وفاة عامل، نظمت مظاهرة سلمية للاحتجاج، وحضر إلى المكان نائب في البرلمان، كان أيضا وزيرا للبيئة فيما مضى، إلا أنه لم يفعل شيئا بل اتهم فيليس والمحتجين الآخرين بدعم خصومه السياسيين، وفقا للناشطة البيئية، ودعاهم إلى عدم إدارة المشاكل، لأن المصنع أمن الكثير من الوظائف لأهالي مومباسا.
وبعد مظاهرة أخرى، ألقي القبض على فيليس واقتيدت إلى المحكمة بتهمة التحريض على العنف. وفي ذلك تقول، «كنت أواجه حكما نافذا بعشر سنوات سجن، إلا أن القاضي أسقط الدعوى ضدي.»
تهديد عالمي
أظهر تحقيق حكومي في 2009 أن مصهر «أوينو أوهورو» في مومباسا قد انتهك العديد من القوانين، وأن نشاطه يعرّض صحة العمال والسكان القريبين منه للخطر. وتم إغلاق المصنع فترة وجيزة وأعيد فتحه مع بعض التغييرات الطفيفة. وقال عمال في المصهر، إنهم لم يكن لديهم حماية كافية في مكان عملهم. وقال سكان في المنطقة، إن الحكومة لم توفر ضمانات لحماية المنطقة السكنية المحيطة بالمصهر، على الرغم من احتجاجاتهم المتكررة بأن صحتهم تتأثر بالمواد التي تأتي من المصنع.
ويؤثر التلوث السام الناجم عن التعدين ومصاهر الرصاص والنفايات الصناعية في صحة أكثر من 125 مليون نسمة في أنحاء العالم المختلفة، وهو بذلك ينافس الملاريا أو السل. وبات من المعروف أن الرصاص يشكل تهديداً عالمياً لصحة الإنسان ونمو الطفل، ولأنه شديد السمية، فإنه يعيق عمل الوظائف العصبية والبيولوجية والمعرفية للإنسان، والأطفال هم عرضة لهذه المخاطر بشكل خاص. وتقول منظمة الصحة العالمية، إن تعرض الأطفال لمستويات عالية من الرصاص يمكن أن يسبب أضراراً لأعضاء مختلفة في الجسم، بما في ذلك الدماغ والكبد والكلى، والأعصاب، ويعرض المعدة للتلف، فضلاً عن الإعاقة الفكرية والتنموية الدائمة.
وفي كينيا، التي وضعت الحق في بيئة صحية في دستورها لعام 2010، مازالت منظمات حقوقية تغطي ما يتعرض له ناشطون من تهديدات كثيرة، واعتقالات لأكثر من مرة، بسبب السعي للحصول على معلومات، وتطبيق العدالة والتعويض من مصنع محلي لوث الهواء والماء قرب مدينة مومباسا.
عواقب وخيمة
أفاد رئيس معهد الأرض النقية بمعهد بلاكسميث، ريتشارد فولر، بأن تلوث الهواء والمواد الكيمياوية ينمو بسرعة في المناطق النامية، وأن تأثيره في صحة الأهالي له «عواقب وخيمة».
وأوضح الخبير الذي أعد دراسة جديدة كجزء من أنشطة «التحالف العالمي للصحة والتلوث»، وهو هيئة مكونة من أطراف دولية، وحكومات، وأوساط أكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني، أنه «يمكن الوقاية منه تماماً، فقد استطاعت معظم البلدان المتقدمة ــ إلى حد كبير ــ حل مشكلات التلوث الخاصة بها».
وشدد الخبير على أن بقية العالم بحاجة إلى المساعدة، لكن مخاطر التلوث أصبحت الآن بعيدة عن شاشات الرادار في مسودة صياغة «أهداف التنمية المستدامة».
وقالت منظمة الصحة العالمية: إن «7.4 ملايين حالة وفاة في السنوات القليلة الماضية كانت بسبب مصادر التلوث من الهواء والماء والصرف الصحي والنظافة الصحية، إضافة إلى مليون حالة وفاة بسبب النفايات الكيميائية والصناعية السامة، التي تبث في الهواء وتصب في الماء والتربة والغذاء من المنتجين متوسطي الحجم في البلدان الفقيرة».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news