احتضن مطبعة ثورة 1919 وندوات محفوظ وغناء أم كلثوم وشطحات نجيب سرور ومعارضة كامب ديفيد

مثقفون يحلمون ببداية جديدة لمقهى ريش بعد وفاة مالكه

صورة

أثار موت صاحب مقهى ريش، مجدي عبدالملاك، قبل أيام، موجة من الجدل. ففي حين تميل آراء مرتاديه القدامى، من مثقفين وناشطين سياسيين، إلى اعتبار تاريخه قد اقترب من نهايته بموت عبدالملاك، طالب مثقفون بضمه للآثار، بينما قالت أصوات إن المقهى كان في السنوات الأخيرة مكاناً «طبقياً وعنصرياً» يكاد يمنع دخول المثقفين الحقيقيين، ولهم معه ذكريات مؤلمة، وإن المطلوب بداية جديدة تليق بتاريخه.

يعود تاريخ مقهى ريش إلى عام 1908، حيث كان في البداية كازينو يضم «تياترو» صغيراً، يمتد إلى ميدان طلعت حرب، وشهد المقهى تاريخاً ثقافياً حافلاً، حيث جلس عليه مبدعون مصريون كبار أمثال نجيب محفوظ، عبدالرحمن الأبنودي، يوسف إدريس، أمل دنقل، يحيى الطاهر، صلاح جاهين، نجيب سرور، كمال الملاح، رسام الكاريكاتير طوغان، الشاعر حافظ إبراهيم، كامل الشناوي، محمود السعدني، عبدالرحمن الخميسي، زكريا الحجاوي، كما جلس عليه مبدعون عرب مثل العراقي عبدالوهاب البياتي، والفلسطيني معين بسيسو، والسوداني محمد الفيتوري، والأمير علي عبدالكريم، وغنت فيه سيدة الغناء العربي أم كلثوم، كما شهد وقائع سياسية مهمة في مصر، إذ شهد فصول قصة محاولة اغتيال رئيس الوزراء، يوسف باشا وهبة، الذي كلفه الإنجليز بالوزارة عام 1919، حيث اختار الشاب الوطني، عريان يوسف سعد، مقهى ريش لتنفيذ عملية الاغتيال، وألقى قنبلة يدوية من مكان جلوسه على المقهى، باتجاه موكب يوسف وهبة في شارع سليمان باشا، وقد ظل المؤرخون يكتفون بهذه الحكاية عن دوره الوطني في ثورة 1919، حتى حدث زلزال 1992 في مصر، فاكتشف ملاك المقهى نفقاً سرياً أسفل الجزء المخصص للمطعم، كان يستخدمه الثوار من رواد المقهى في ثورة 1919 للهرب من قوات الاحتلال، وفى النفق وُجدت ماكينة قديمة لطباعة المنشورات، وبعض المقتنيات النادرة، فقاموا بترميمه وحولوه إلى متحف صغير لثورة 1919، كما كان مسرحاً أيضاً للقطات سياسية خاطفة معاصرة، منها ندوات ارتبطت بانتفاضة الطلبة عام 1972، وخروج الناقدان إبراهيم فتحي وإبراهيم منصور بقميصين كتب عليهما شعارات ضد زيارة السادات للقدس عام 1977، وكان كذلك المقهى الذي جسده فيلم «الكرنك»، الذي أخرجه علي بدرخان، ليصور الصراع بين المثقفين وسلطة عبد الناصر، وفضح فيه التعذيب على يد صلاح نصر.

وقال الكاتب، جمال الغيطاني، إن خبر وفاة مجدي، صاحب مقهي ريش، جاء صادماً بالنسبة له، وإن المقهى له فضل كبير على كل المثقفين المترددين عليه، وإنه كان الملتقى الأساسي للمثقفين، عقب توقف ندوات الأوبرا، وإنهم تعرفوا على بعضهم الآخر فيه، وكان أحد العمال، واسمه فلفل، يسجل طلبات المثقفين على النوتة.

في المقابل، انتقد مثقفون مصريون ما سموه «حالة الرياء» الموجودة تجاه ريش، وكتبوا صراحة أن «المكان كان سلبياً بكل المعاني». وقال الروائي إبراهيم عبدالمجيد، إن المقهى «كان مركزاً للمثقفين من مختلف التيارات».

وقال الروائي، مكاوي سعيد، لـ«الإمارات اليوم» إن «القول إن المكان كان واحة للمثقفين ينطوي على رياء، فقد كان مكاناً سلبياً من حيث تعامل صاحب المكان مع المثقفين أو من حيث تحويله لمطعم، بما يفرض على مرتاديه إنفاق مبالغ مرتفعة»، وأضاف «إن عبدالملاك كان يجلس على منضدة بمدخل المحل يتفرس في الداخلين، ويمنع ويسمح، بمزاجه الشخصي، بالدخول إلى والخروج من المحل، يصرف المحجبات بسرعة وضيق، ويمنع المثقفين الشباب الذين يرى أن ملابسهم وسحناتهم لا تليق بالمكان، وكان يتصرف بعنصرية مقيتة، كما لو أنه يتعامل مع أثر ثقافي ورثه عن الأجانب»!

وقال سعيد إن عبدالملك وشقيقه «لم يتحملا الضغوط الأمنية للندوة الأدبية الخاصة بالروائي نجيب محفوظ، فأغلقا المقهى يوم الجمعة أمام الندوة، ما دعا محفوظ لعقد ندوته بمقهى سفنكس في شارع طلعت حرب، ثم بكازينو النيل الذي تلقى فيه خبر فوزه بجائزة نوبل، وقد هنأه صاحبا ريش بالجائزة وطلبا منه العودة، لكنه رفض»،

وقال سعيد إن الذين يدعون لتدخل السلطات لإنقاذ المقهى واهمون، فقد انتهى «علي بابا» و«ايزافيتش» اللذان يجلس عليهما نخبة من مثقفي مصر، ولم يحرك أحد ساكناً، لكنه تفاءل بأن يشهد المقهى مرحلة جديدة بعد أيلولته لمُلاك جدد.

وكتب المؤرخ والكاتب والمحاضر في الجامعة الأميركية، شريف يونس، عبر حسابه: «مع اعتذاري لأصدقائي من محبي ريش، وصاحب ريش المتوفى، فقد كان ريش بالنسبة لغير الأجانب وأصدقاء صاحب المطعم - القهوة، ومن يبدو عليهم الثراء، تجربة مهينة، تراوح بين الطرد لشباب كان شكلهم (منظرهم) ليس لائقاً بالنسبة لصاحب القهوة».

تويتر