نور الشريف جمع بين الموهبة والدراسة فأبدع فناً راقياً يحترم عقلية المتلقي.

نور الشريف.. محارب في «سلاح الفن السابع» ضد الاحتلال والديكتاتورية

رحل أول من أمس فنان السينما العربية الكبير نور الشريف، الذي توازى التزامه السياسي اللافت مع موهبته الاستثنائية، وجسد هذا الالتزام في أفلام عدة، الأبرز منها فيلم «الكرنك» الذي فضح ممارسات القمع والتعذيب في الستينات، وفيلم «ناجي العلي» الذي جسد شخصية رسام الكاريكاتير الفلسطيني الثوري، الذي واجه بريشته الاحتلال الإسرائيلي والدعم الغربي والتواطؤ العربي، وفيلم «سواق الأوتوبيس» الذي كشف ما فعلته سياسة الانفتاح سداح ــ مداح، بتعبير الصحافي الراحل أحمد بهاء الدين، بالنسيج الاجتماعي المصري، وتخريبه للعلاقات الإنسانية.

كانت المفاجأة التي حملها نور الشريف لجمهوره في وفاته، شبيهة بمسيرة حياته، إذ طلب في وصيته أن يتم إذاعة مسلسل «عمر بن عبدالعزيز» الذي عرض على المشاهدين عام 1994، واعتبره أهم دور له خلال مسيرة الـ45 عاماً، والذي كان نور يلعب فيه دور الخليفة العادل، وأن يتم تحديداً عرض مشهد وفاة «عمر بن عبدالعزيز» يوم وفاته.

مثل نور الشريف، واسمه الأصلي محمد جابر محمد عبدالله، والمولود في حي السيدة زينب بالقاهرة في أبريل 1946، عشرات الأفلام الاجتماعية والسياسية، فقد برز في رائعة نجيب محفوظ «قصر الشوق» ثم قام ببطولة فيلم «السراب» عام 1970، وانتقل بعدها الى فيلم «السكرية» و«قلب الليل» و«ليل وخونة»، و«أهل القمة» و«زوجتي والكلب» و«العار» و«حدوتة مصرية»، وغيرها، لكن نقاداً أكدوا أن أفلام «الكرنك» و«ناجي العلي» و«سواق الأوتوبيس» هي الأبرز سياسياً في أعماله، إذ يعبر كل منها عن حالة سياسية متبلورة.

وقال الناقد الفني طارق الشناوي في برنامجه «حكايات الشناوي» على قناة «سي بي سي اكسترا» إنَّ «الفنان نور الشريف كان له موقف سياسي يميل إلى توجهات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والسياسات المتعلقة بالقومية العربية، والعدالة الاجتماعية»، لكن فيلم الكرنك هو أحد الأفلام التي لا تنسى في التاريخ، فهو أكثر فيلم قدَّم نوعاً من النقد الصريح والمباشر، لغياب الحريات في زمن عبدالناصر».

وقال الناقد الفني هشام لاشين، لـ«الإمارات اليوم»: إن «نور الشريف في كل هذه الأفلام كان مدرسة نور في الأداء التمثيلي، التي ظلت تزداد نضجاً ورسوخاً وتبايناً من الطالب الفقير ضحية مجتمع وقوى قاهرة، كما في (الكرنك) أو للثائر الطموح الذي يواجه كارثة عربية بحجم قضية وطننا المنكوب، كما في (ناجي العلي)، الذي واجه بسببه حرباً طاحنة من محاولات المنع والإساءة لشخصه، واجهها برباطة جأش، كشفت بدورها عن جلد وتحمل ابن السيدة زينب العنيد».

وقال القيادي في حزب «العيش والحرية» اليساري موسى مصطفى، لـ«الإمارات اليوم»، إن «فيلم الكرنك يمثل علامة فاصلة لنا نحن جيل السبعينات، حيث جاء ليمثل نقداً جريئاً مسكوتاً عنه لممارسات الدولة البوليسية في الستينات، بعض الصمت كان مصدره الخوف، لكن كثيراً منه كان حب الناس لعبدالناصر، وعدم تصديقهم أن ممارسات مشاهد التعذيب يمكن أن تحدث، كما أن الفيلم جاء مع دعوات للتعددية والديمقراطية، وإقامة منابر وتحركات طلابية تدعو لعهد جديد، أما فيلم (ناجي العلي) فقد كان معركتين: الأولى الفيلم نفسه الذي جسد شخصية الرسام الثوري الفلسطيني المقاتل بريشته، والثانية هي الحرب التي تعرض لها نور الشريف لمدة ستة أشهر متتالية من معسكر معاداة الوطنية، وتأييد التطبيع في مصر، أما فيلم سواق الأوتوبيس فجميعنا لا ينسى بصمته في إظهار التناقض بين الطبقات الشعبية الكادحة من أجل قوتها، والذين يجسدهم سواق الأوتوبيس، والطبقة التي اغتنت عبر السمسرة والتهريب في بورسعيد وغيرها. هذه أفلام تاريخية لن تتكرر في مصر».

وقال الناقد الفني عصام زكريا لـ«الإمارات اليوم» معلقاً «إن الفنان ليس بالضرورة أن يكون صاحب التزام سياسي معين، المهم أن يكون موهوباً، وهناك نقاش بين الراحلين حائز نوبل نجيب محفوظ والفنان نور الشريف حول هذا الموضوع، لكن عليه أيضاً ألا يخفي التزامه السياسي، وفي حالة نور الشريف كان واضحاً التزام نور الوطني والعروبي، وانعكاس هذا في أفلامه». وتابع زكريا «لقد دفع نور الشريف ثمن موقفه تجاه القضية الفلسطينية بشكل ضخم جداً، بعد تجسيده دور ناجي العلي، وتعرض لهجوم غير مبرر وواسع من داخل الوسط الفني وخارجه، ومن الصعب رصد تأثير ذلك، لكنه تسبب في عدم إقدام نور على تمثيل أفلام بهذا القدر من الحدة السياسية، أو أنه لم تعرض عليه أفلام شبيهة بعدها، لكن المؤكد أن الازمة تركت عليه بصمة غير سهلة».

يذكر أن الفنان الراحل نور الشريف كشف في حوار مع برنامج «أنت حر» على قناة «سي بي سي» في الرابع من يناير 2014، بحسب جريدة الفجر المصرية، أن «هناك حملة شارك فيها زملاء ضده مع صحيفة الأخبار المصرية، واتهموه فيها بالعمالة والخيانة، وتقاضي أموال من منظمة التحرير الفلسطينية»، وقد «فكر بعدها في الهجرة الى لندن بعد أن حظرت كل أعماله»، لكن الفنانين «محمود ياسين وصلاح السعدني ويحيى الفخراني ونادية لطفي ومحسنة توفيق، والكاتب محمد حسنين هيكل، وقفوا معه». كما قال الشريف، بحسب المنشور، إن «الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رغم صداقته لنور الشريف، لم يكن مع عرض الفيلم»، وإن الرئيس المعزول حسني مبارك «تدخل وحل الأزمة ورفع الحظر عن كل أفلام نور الشريف».

الأكثر مشاركة