أوراق مبدعين وسياسيين في أسواق سرية بالقاهرة
عاش شارع علوي المتفرع من شارع قصر النيل بوسط القاهرة، حالة استنفار ضخمة يوم السبت الماضي، بعد أن تسرب خبر عن مزاد تباع فيه أوراق ومذكرات ومراسلات الأديبة الفلسطينية الراحلة مي زيادة، مما حدا بصحافيين ومسؤولين من وزارة الثقافة، ورجال أمن وهواة متاحف وفضوليين، بالتوجه الى الشارع المشار اليه، وفيما أخفقت جموع المتواجدين في الوصول الى الشقة أو المزاد، كشفت الواقعة عن وجود عشرات الوقائع المماثلة، والتي شملت بيع مذكرات زعماء وأدباء وفنانين مصريين آخرين، في مزادات سرية بعيدا عن أعين المتابعة.
كانت القصة قد بدأت نهاية الأسبوع الماضي، حين أعلن الكاتب الصحافي المتخصص في الشأن الثقافي وأحد كبار هواة جمع المقتنيات نبيل سيف، في بيان نشره على صفحته على الفيس بوك أنه" سيحضر مزادا شخصيا جدا جدا في شقة بوسط القاهرة، تخص المبدعة الفلسطينية الراحلة مي زيادة، ويتضمن بيع أوراقها ورسائلها الى الكاتب عباس العقاد وعميد الأدب العربي د. طه حسين وأمراء (من الاسرة المالكة وقتها)، وأوراق بخط الموسيقار سيد درويش، وتذاكر وحفلات ومسرحيات لنجيب الريحاني ويوسف وهبي، و2000 صورة مع كل عظماء مصر، وخطابات الغرام المتبادلة بينها وبين شاعر المهجر جبران خليل جبران".
هذا وقد ترتب على اعلان المزاد توجه صحافيين من مختلف الصحف المصرية والعربية، ومذيعيين من الفضائيات ومهتمين بالمقتنيات ومسؤولين من وزارة الثقافة المصرية ورجال أمن، الى شارع علوي حيث تسكن زيادة، وتم صعود عدد من العمارات السكنية القديمة بصحبة حراسها للسؤال عن المزاد لكن لم يتم العثور عليه، وكان من الطريف عثور الحاضرين أثناء بحثهم، عن الشقة التي كان يقيم فيها الممثل الراحل رشدي اباظة، والتي كشفت عن مفاجأة لم تكن معروفة للحاضرين اذ تبين ان فيها ممر خاص، يربطها باحد فنادق وسط القاهرة، في اشارة الى ميل اباظة للتحرر من الأطر الرسمية والتمتع بحياته الخاصة.
وقالت مصادر ل"الإمارات اليوم" أن وزارة الثقافة المصرية قدمت بلاغا ضد الصحافي نبيل سيف، تتهمه باخفاء معلومات عن المزاد، لكن لم يتسن لنا التاكد بشكل ملموس ومستقل، من وجود البلاغ أو رقمه أو صياغته.
من جهته ، قال الكاتب الصحافي نبيل سيف ل" الإمارات اليوم" أنه " بالفعل هناك مزاد تم فيه عرض مقتنيات المبدعة الراحلة مي زيادة، والتي ليس لها ورثة، لكن لم يتم العثور عليه، من قبل الصحافيين لأنه ليس مزادا بالمعنى التقليدي، وانما عرض للبيع والشراء بين مجموعة صغيرة لا تتعدى ال4 أو ال5 أفراد، وأن هناك صحافيا من مجلة "آخر ساعة" المصرية وصل اليه، وكتب تغطية صحافية عنه ". وتابع سيف أن "القانون المصري يحتم أن تؤول مقتنيات أي شخصية عامة ليس لها ورثة الى "بنك ناصر"، بوصفه الامتداد الشرعي لما كان يعرف باسم "بيت الأموال " المصري، ثم يسلمها البنك بعد فترة معينة الى "دار الوثائق القومية"، لكن المسؤولين عن الأمر، لم يفعلوا ذلك فتم بيع مقتنيات الكاتب الكبير توفيق الحكيم ، والفنان احمد زكي، والزعيم الوفدي مصطفى النحاس، وخليفته فؤاد سراج الدين، والصحافي الموهوب أنيس منصور وصاحب نوبل نجيب محفوظ، ووثائق المحاكم المختلطة في السوق السوداء، تحت سمع وبصر الجميع".
وكشف نبيل سيف ولأول مرة ل" الإمارات اليوم" عن "نجاحه في الأيام القليلة الماضية، في انجاز مشروع (ذاكرة نور الشريف)، الذي تبنته مكتبة الاسكندرية، بمشاركة من الفنانة بوسي وبجهد من مي نور الشريف ابنة الممثل الكبير الراحل، وممثل المكتبة القانوني الاثري علوي فريد، والذي بمقتضاه سيتم تسليم كل وثائق وأوراق ومقتنيات نور الشريف، لتصبح ضمن مشروع يخلده داخل مكتبة الاسكندرية.
من جهته دعا الكاتب الصحافي بالأهرام فتحي فريد، الى تشكيل المثقفين المصريين للجنة شعبية يتولاها متخصص يتواصل مع الدولة المصرية، لمتابعة مقتنيات المبدعين ويحافظ عليها من البيروقراطية، ويحميها من التهريب .
الجدير بالذكر أن مي زيادة، التي اثيرت الضجة حول مقتنياتها، (1886 - 1941) هي أديبة وكاتبة فلسطينية وُلدت في الناصرة عام 1886، وكانت تتقن تسع لغات هي العربية، والفرنسية، والإنجليزية، والألمانية، والإيطالية والأسبانية، واللاتينية، واليونانية، والسريانية، وعملت في صحف المقطم، والهلال، والأهرام، والمحروسة، وتعلق بحبها عدد كبير من المثقفين المصريين من طرف واحد، لكنها عاشت قصة حب بالمراسلة مع الشاعر جبران خليل جبران، الذي لم تلتقيه ولو لمرة واحدة في حياتها، وقد انتهت حياتها بطريقة مأساوية، بعد أن انهارت نفسيا وتم ادخالها المستشفى، وتوفيت عن عمر ناهز ال55عاما بالمعادي، ووصفتها محررة المرأة هدى شعراوي بأنها "المثل الأعلى للفتاة الشرقية المثقفة الراقية"، وقد تركت مي كتب عدة، من ابرزها "باحثة البادية"، "كتاب المساواة"، و"سوانح فتاة"، و"بين الجزر والمد"، و"وردة اليازجي"، و"موت كناري" ، كما كتبت ديوان شعر بالفرنسية باسم ايزيس كوبيا.