أصحاب سفن الصيد الإيرلندية «يستعبدون» المهاجرين غير الشرعــيين

كشفت مصادر مطلعة أن بعض قطاعات صيد الأسماك في إيرلندا، تستغل المهاجرين الأفارقة والآسيويين في العمل كعمالة رخيصة على متن سفن الصيد الإيرلندية في بعض الموانئ السياحية الأكثر شعبية في البلاد.

وأكدت تحقيقات استمرت عاماً في قطاع صيد الجمبري والسمك الأبيض الإيرلندي أن عمال صيد من الجنسية الغانية، والفلبينية، والمصرية، والهندية، يتعرضون لانتهاكات في موانئ إيرلندية تمتد من كوك الى غولواي، من بينها إجبارهم على البقاء داخل السفن وعدم مغادرتها عندما ترسو في الموانئ إلا بإذن من ربانهم، ويتقاضون أقل من نصف الحد الأدنى للأجور الإيرلندية المطبقة، إذا كانوا صيادين غير قانونيين، ويتعرضون للحرمان من النوم في بعض الأحيان، حيث يضطرون الى العمل لأيام أو ليالٍ يُسمح لهم في نهايتها بأخذ ساعات قليلة من النوم، من دون ان يكون لهم الحق في إجازات أسبوعية.

ويدّعي بعض هؤلاء العمال المهاجرين أنهم تعرّضوا للخداع، وأنه قد تم الاتجار بهم واستغلالهم في العمل على سفن الصيد، وهو انتهاك من شأنه أن يمثل شكلاً من أشكال العبودية الحديثة.

بسبب قلة النوم

حوادث على السفن سقط فيها العديد من العمال

تكررت في العقد الماضي حوادث كثيرة مميتة راح ضحيتها عمال صيد أجانب على متن سفن الصيد الإيرلندية، مع إخفاقات أمنية كبرى وخرق للوائح المتبعة في هذا الخصوص. ومن بين تلك المآسي ما حل بسفينة الصيد «بونهوم» الإيرلندية التي غرقت عام 2012، وراح ضحية ذلك الحادث خمسة أشخاص، أربعة منهم مصريون واثنان إيرلنديان. وكان الناجي الوحيد مصرياً.

ووفقاً لتقرير رسمي حول غرق السفينة، فإن أحد أهم الأسباب قد يكون قلة النوم التي يعانيها الطاقم، حيث يقضي الطاقم من 4-5 ساعات راحة في 40 ساعة على القارب. وتبين بعد وقوع الحادث أن ثلاثة من الرجال لم يستكملوا تدريبهم الإلزامي الحكومي في مجال السلامة، ولم تكن السفينة تحمل من تدابير السلامة سوى معدات منقذة للحياة لخمسة رجال فقط، على الرغم من أن هناك ستة على متنها. ويقول أحد الخبراء القانونيين إن «الحكومة تجعل الصيد مهنة خطرة»، ويتساءل «ما فائدة اللوائح إن لم يتم تطبيقها؟».

ويبدو أن تغيير ثقافة السلامة لهذه الصناعة صعب بعض الشيء، حيث إن المحاكم تميل للتعامل مع مثل هذه الحالات بتساهل ملحوظ، فقبل فترة قصيرة رفض قاضٍ قضية مرفوعة ضد صاحب سفينة صيد، أقر بأنه مذنب في تعيينه أفراد طاقم من الجنسية المصرية، في الوقت الذي لم يكن لديه تدريب في مجال السلامة، واتخذ القاضي قراره بعدم إدانة صاحب السفينة فقط لأنه كان يوفر فرص عمل، وكان سجله نظيفاً، وبدلاً من ذلك أمره بدفع ألف يورو لصالح جمعية خيرية محلية.

وفي قضية أخرى، اعتدى ربان سفينة صيد جمبري على مفتش سلامة على رصيف أحد موانئ الصيد، وكان هذا المفتش الحكومي قد رصد أوجه قصور في السلامة على ظهر السفينة، وطاقماً من العمال المهاجرين غير الشرعيين، من دون تدريب على السلامة. ووفقاً لروايات شهود، كال الربان اللكمات مراراً وتكراراً على المفتش، وسبّه بأقذع الألفاظ. وعلى الرغم من اعتراف الربان بأنه مذنب في ذلك الهجوم أمام المحكمة في سبتمبر الماضي، أمره القاضي بدفع 500 يورو فقط.

 

نصب تذكاري لضحايا حادث السفينة «بونهوم». أرشيفية

منظمات حقوقية تدّعي تواطؤ الدولة في حق المهاجرين

تطالب منظمات حقوق المهاجرين في إيرلندا الحكومة الإيرلندية باتخاذ إجراءات قوية للحد من استغلال العمالة الاجنبية في الصيد، وتقول مسؤولة رفيعة تابعة لاحدى هذه المنظمات إن الحكومة الايرلندية «فشلت في حماية المهاجرين وضحايا الاتجار في العمال غير الشرعيين». وتمضي قائلة: «هؤلاء الضحايا غير مرئيين إلى حد كبير في إيرلندا، هذا صحيح، خصوصاً بالنسبة لأولئك الذين يتم استغلالهم في صناعة صيد الأسماك، لأنهم يعيشون في المناطق الساحلية البعيدة دون الحصول على الدعم المناسب»، وتضيف قائلة «إنه يمكن اعتبار الدولة متواطئة في مثل هذا النمط من العبودية في العصر الحديث، من خلال عدم اتخاذ إجراءات جادة لتشجيع الضحايا على الظهور، وعدم ملاحقة المتاجرين بهم».

ونفت وزارة العدل هذه الانتقادات، معتبرة أن هناك «تدابير تشريعية وإدارية قوية نافذة في مكان في ايرلندا لمكافحة ومنع الاتجار في البشر»، ويضيف البيان أنه تم إنشاء وحدات عدة مخصصة لمكافحة الاتجار في البشر للتعامل مع هذه القضية، وكان من أولويات الشرطة هذا العام، كما هو الحال في السنوات السابقة.

 

أحد الصيادين يصلح شبكته في شمال إيرلندا. غيتي

وتشير الأدلة إلى أن بعض أصحاب القوارب ووكالات استقدام البحارة ضالعة في تهريب العمال من إفريقيا والفلبين، إلى إيرلندا، عبر نقاط الدخول في مطاري هيثرو وبلفاست، ومن ثم تجري ترتيبات لأخذهم عبر نقاط العبور الى إيرلندا عن طريق البر.

ويبدو أن الوكلاء وأصحاب شركات الصيد يستغلون ثغرات في القانون مخصصة للسفن التجارية الدولية، والتي تسمح للبحارة من خارج الاتحاد الأوروبي بعبور المملكة المتحدة خلال مدة تصل الى 48 ساعة، اذا كانوا متجهين على الفور للانضمام الى سفن تعمل في المياه الدولية. هذه الترتيبات لا تسري على الصيادين العاملين في المياه المحلية، أو الذين يتحركون باستمرار داخل وخارج الموانئ الإيرلندية.

العديد من العمال يشعرون على الدوام بالخوف من الترحيل، ولهذا تصدر لهم الأوامر بالبقاء على قواربهم في الميناء، لأن أصحاب السفن قد يتعرضون للغرامة والتوقيف إذا كشفت السلطات أمرهم. بعض العمال يقولون إن الوكالات التي وظفتهم كبّلتهم بديون ثقيلة، حيث تتقاضى منهم رسوماً كبيرة وغير قانونية بشأن ترتيب التأشيرات وفرص العمل وخطوط السير.

محنة مواطن غاني

إبراهيم أوكو، صياد غاني الجنسية (ليس هذا اسمه الحقيقي)، أكد أنه مكبّل بدين من وكيل في العاصمة الغانية، أكرا، والذي دبر له عملاً على سفينة صيد إيرلندية، مع ترتيب جميع التأشيرات والسفر. ودخل عن طريق مطار هيثرو وبلفاست، وأخبروه بأن يستقل حافلة من إيرلندا الشمالية إلى أحد الموانئ في ايرلندا، حيث كانت سفينته راسية هناك.

وقال إنه لم يكن يدري عندما تم تجنيده بأنه سيعمل بشكل غير قانوني، ويعيش على سفينة صيد كل الأوقات، وأمره مالك السفينة بالاختباء داخل السفينة وعدم التحدث إلى الناس في الميناء. وكان الطاقم يذهب الى الصيد لمدة أربعة إلى خمسة أيام، ثم يعود لإصلاح الشباك ومعدات الصيد في الميناء. ويقول: «لقد عملت بشكل متواصل، وكنا نظل لمدة يومين دون نوم، لقد كان أمراً مروعاً».

الحد الأدنى من ساعات الراحة المقررة في المجتمعات الأوروبية، والتي تنطبق على الموظفين والعمال، ولكن ليس لمن يعملون لحسابهم الخاص، تصل إلى ما لا يقل عن 10 ساعات لكل 24 ساعة، و77 ساعة خلال سبعة أيام.

وتحدث إبراهيم عن التلاعب في الأجور، وشعورهم بالجوع عندما ينفد منهم الطعام في عرض البحر. وفي نهاية المطاف قرر الهروب من السفينة، ليكتشف في ما بعد أنه ضحية للاتجار في البشر، وأن ذلك يعتبر جريمة جنائية - تعرف بأنها شكل من أشكال العبودية الحديثة في المملكة المتحدة وإيرلندا - وتنطوي على استغلال البشر.

محنة صيادين آخرين

قصة إبراهيم مشابهة للكثير من قصص الآخرين، من بينهم أنطونيو سانتوس، ودييغو كروز، (أيضاً ليست الأسماء الحقيقية)، اثنان من الصيادين غير الشرعيين من الفلبينيين، وصفا ظروفاً مماثلة من الحرمان من النوم لساعات طويلة، وانخفاض الأجور على سفن الصيد التي عملا بها في جمهورية إيرلندا. وقالا إنه تم جلبهما أيضاً إلى البلاد بطريقة غير مشروعة، من قبل وكلاء وأصحاب قوارب. العديد من الصيادين المهاجرين تحدثوا الى الصحافيين والمصورين وسط جو من الرعب والخوف، وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، ولهذا السبب تم تغيير أسمائهم لحمايتهم.

وتحدّث آخرون بأنهم كانوا سعداء في العمل على قوارب الصيد الايرلندية، على الرغم من أنهم كانوا يتقاضون أقل بكثير من الطاقم المحلي أو مواطني الاتحاد الأوروبي، لأنهم كانوا يكسبون أكثر مما يمكن أن يحصلوا عليه في أوطانهم. إلا أنهم تحدثوا عن شعورهم بالاضطهاد، بسبب عدم تمتّعهم بوضع المهاجرين والحاجة المستمرة إلى التخفي والتخلي عن حقوقهم، في الوقت الذي تعتمد فيه هذه الصناعة على عملهم.

اتهامات بغضّ الطرف

الاتحاد الدولي للنقل، وهو أول جهة بدأت دق ناقوس الخطر حول أوضاع الصيادين المهاجرين غير الشرعيين في أساطيل الصيد الإيرلندية والاسكتلندية في عام 2008، يقول إن الحكومة الايرلندية «تغض الطرف» عن تلك الممارسات، ونفت الحكومة الايرلندية ذلك، مؤكدة أنها تحمل جميع الادعاءات بالاتجار في البشر محمل الجد.

ويتم تصدير معظم الجمبري ذي القيمة العالية وصيد الأسماك لمحال السوبر ماركت، والمطاعم، وأسواق السمك في جميع أنحاء أوروبا والأميركتين، والشرق الأقصى. وتعتبر الحكومة الايرلندية قطاع المأكولات البحرية، الذي يدر عليها 850 مليون يورو سنوياً، جزءاً حيوياً وأصيلاً من اقتصادها.

مصادفة كشفت هذه الممارسات

الشهر الماضي استقطبت حالة أحد الصيادين الفلبينيين غير الشرعيين، انتباه السلطات الإيرلندية فقط عن طريق المصادفة، لأنه كان مريضاً وتقتضي حالته نقله الى المستشفى، وجعلت هذه الحالة من المستحيل على الحكومة تجاهل مثل هذه المشكلات في هذا القطاع.

ففي مبنى سكني في مدينة كورك، روى العامل الفلبيني المهاجر، ديمي أومول، قصته التي ساعدت على ظهور ممارسات الاسترقاق هذه للعلن، كانت أمامه عشرات الصناديق من الأدوية التي يتناولها. ويقول إنه كان ضحية الاتجار في البشر، حيث عمل على سفينة صيد إيرلندية في وقت سابق من هذا العام، وتم استغلاله كعمالة رخيصة. ويقول إنه كان من الممكن ان يظل على وضعه ذاك لولا أن سقط مريضاً، وكان لابد من نقله إلى المستشفى.

يتم تصدير معظم الجمبري ذي القيمة العالية وصيد الأسماك لمحال السوبر ماركت والمطاعم وأسواق السمك في جميع أنحاء أوروبا والأميركتين والشرق الأقصى. وتعتبر الحكومة الإيرلندية قطاع المأكولات البحرية، الذي يدرّ عليها 850 مليون يورو سنوياً، جزءاً حيوياً وأصيلاً من اقتصادها.

الأكثر مشاركة