أطفال يدفعون ثمناً غالياً لإثـراء أصحاب المصانع في باكستـان

صنّفت منظمة العمل الدولية باكستان ثالث دولة في العالم من حيث عدد الأطفال الذين يعملون في المصانع، حيث تعتبر هذه المنظمة مثل هذه الممارسات جرائم ضد الإنسانية. ولاحظت المنظمة في تقريرها الصادر عام 2014 أن عدد العاملين دون السن القانونية قد تراجع في جميع انحاء العالم، ما عدا باكستان، التي لاتزال تحتل المركز الثالث مع أعلى نسبة من انتشار العمل القسري للأطفال. وصنف تقرير آخر صادر من مؤشر «العمل القسري الدولي» لعام 2013، باكستان ثالث أعلى معدل لعمالة الطفل والعمل القسري، على الرغم من انخفاض كبير في مثل هذه الممارسات، في أجزاء أخرى من العالم. وقدر تقرير صادر عن منظمة العمل الدولية عام 2012، عمالة الاطفال في باكستان بنحو 12.5 مليون طفل، بينما بلغ عددهم في الأعمال المنزلية نحو 264 ألف طفل.

ووفقاً للمديرة التنفيذية لجمعية حماية حقوق الطفل، سعدية حسين، وهو ائتلاف دولي يساعد الناس على حل المعاضل الكبيرة «تواجه باكستان أسوأ شكل من أشكال عمالة الأطفال، حيث يتعرضون خلال ممارستهم لمختلف الأعمال للتعذيب الجسدي والعقلي»، وتقول إنه ينبغي عدم التسامح مطلقاً في الأعمال القسرية التي يؤديها الأطفال، وأصرت على صياغة سياسة وطنية مناهضة لهذا النوع من العبودية.

وتضيف حسين أن ما يصل الى 25 مليون طفل، لا يذهبون الى المدرسة نتيجة لممارستهم العمل دون السن القانونية، وأن 15 مليوناً منهم يكسبون قوت عوائلهم من خلال الاعمال التي يمارسونها. وأكدت أن باكستان لم تجرِ مسحاً عن عمالة الاطفال منذ 20 عاماً، ولم تعد أي من المحافظات تهتم بإجراء مسح جديد حول هذه القضية. ويعمل في باكستان 1.7 مليون طفل من سن الخامسة في مصانع الطوب غير القانونية، ويتعرضون نتيجة لذلك للحرمان من حقهم الأساسي في التعليم واللعب، ويضطرون إلى العمل بسبب الفقر الشديد، ويعملون لمدة تصل إلى 14 ساعة يومياً مع طعام شحيح جداً، وظروف لا يتوافر فيها صرف صحي، مع عائد مادي قليل جداً.

العمل أو الموت جوعاً

محمد الكاشف، البالغ من العمر سبع سنوات، كان أحد هؤلاء الأطفال، ولم يكن أمامه خيار سوى العمل أو الموت جوعاً، ويعمل محمد ستة أيام في الأسبوع، مع أول ضوء من النهار وحتى مغيب الشمس. احترقت يداه مراراً وتكراراً في الفرن الذي يتم فيه حرق الطوب. أحد موظفي وكالة «آكشن أيد» في باكستان، يصف الوضع في أفران الطوب في باكستان قائلاً: «عندما تسير بين الافران تشعر وكأن لحمك يذوب من عظامك». وبالنسبة لمحمد فإن هذا العذاب ليس سوى ممارسة يومية تعوّد عليها، لأنه كلما صنع مزيداً من الطوب كلما تمكنت أسرته من توفير قدر أكبر من الطعام تلك الليلة.

ويستمر الحال مع الكاشف من دون ماء ولا نظافة، وأن أعراضاً مثل الإسهال، وأمراضاً مثل الكوليرا، هي أمور غير ذات بال بالنسبة للعاملين، على الرغم من أن مثل هذه الظروف تعتبر مهددة للحياة، وتشبه الظروف في المصنع تلك الظروف السائدة في إصلاحيات العهد الفيكتوري في بريطانيا، ولا تمت بصلة الى مصنع حديث في القرن الحادي والعشرين.

ويصبح الوضع أكثر تعقيداً اذا علمنا أن أصحاب مصانع الطوب لا يسجلون اسماء العاملين، كما أنهم لا يدفعون للعاملين نقداً، وهذا يعني من الناحية المنطقية، عدم وجود عمال من الأساس. فماذا يعني ذلك؟ هذا يعني، حسب قوانين الرياضيات، ظروف عمل سيئة جداً، وعدم وجود ضمان اجتماعي، وبالتالي عدم وجود رعاية صحية، وعدم الحصول على راتب تقاعد حكومي، أو أي مساعدة قانونية.

وظيفة أبديةعلى الرغم من أن والدة محمد، على بينة من الوضع السيئ لعمالة الأطفال، لكن عليهما أن يختارا بين حرياتهما المدنية وطعامهما، لذلك ظلا يعملان يوماً ويغيبان يوماً آخر، ويكسبان ما قيمته ثلاثة جنيهات استرلينية في اليوم، والذي، بعد خصم المصروفات الأساسية مثل الإيجار، قد يكفي بالكاد لشراء وجبة واحدة. وبالنسبة لمحمد وأقرانه فإن هذا العمل يعتبر وظيفة أبدية، يمضون بها مع الحياة دون أي نوع من التعليم – ولا حتى القدرة على القراءة أو الكتابة - ولا يستطيعون حتى الانتقال إلى عمل آخر، فهم محاصرون وغير قادرين على كسر قيود الفقر.

بيئة غير صحية

يعاني الأطفال العاملون في صناعة السجاد الكثير من إصابات العمل، ويكسبون الحد الأدنى من الأجور، ويظلون أميين طوال حياتهم. ويتعرضون للجروح جراء استخدام أدوات حادة، ويصابون بالتهابات في الجهاز التنفسي جراء غبار النسيج المتطاير، وآلام في الجسم ناتجة عن العمل أو الاعتداء الجسدي، ويظلون يعملون في غرف ضيقة وفي ظروف تهوية سيئة لفترات طويلة من دون استراحة. ويتحايل أصحاب المصانع على قوانين العمل من خلال تقسيم شركتهم إلى وحدات صغيرة تضم أقل من تسعة اشخاص، لأن مثل هذه الوحدات من المصانع غير مشمولة بقوانين العمل، وبالتالي فإن هذه الشركات الصغيرة، والتي غالباً ما تنتشر في جميع أنحاء الريف، تستخدم عمالة الأطفال أكثر من الوحدات الحضرية، وتعمل في ظروف سيئة جداً. ويتم استعباد العديد من هؤلاء الأطفال في العمل، على الرغم من القوانين التي صدرت أخيراً والتي تمنع ذلك، ويباعون من قبل والديهم لهذه المصانع، حيث يتم الاحتفاظ بهم في مبانٍ صغيرة، وغالباً ما يتعرضون للضرب إذا حاولوا مغادرة المكان، وتعيدهم الشرطة المحلية قسراً الى تلك المصانع.

«إيرام» الضحية

تبلغ «إيرام» عشرة أعوام، وهي طفلة من بين خمسة اشقاء أيتام، ارسلها ذووها الى قرية صغيرة في ضواحي لاهور للعمل لدى أسرة ميسورة، تعرضت هناك للضرب لأيام عدة بقضبان الحديد وتوصيلات أنابيب الغاز، بتهم باطلة بالسرقة، لم تتحمل الضرب وغابت عن الوعي وتقيأت دماً، وتوفيت قبل أن تنقلها الاسرة التي تعمل لديها الى المستشفى. وعلى الرغم من هذه الحالة المأساوية فإن أنكى المآسي، هو أن الاسرة التي تعمل لديها الضحية كانت مهتمة أكثر بزواج احدى بناتها، وغير مكترثة بهذه الطفلة التي اغتالتها بوحشية.

 تقارير منظمة العمل الدولية صحيفة تريبيون -ذي ديلي تايمز الباكستانية

اليوم العالمي ضد عمالة الاطفال

تقرير منظمة العمل الدولية يونيو 2015

 

الأكثر مشاركة