بلدان متقدمة نجحت في تشـــديد الرقابة على السلاح

يلقى نحو 30 شخصاً في الولايات المتحدة حتفهم يومياً بالأسلحة النارية المختلفة، وتفوق الوفيات جراء استخدام السلاح في أميركا، البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع، بـ25 مرة. وهناك انقسام كبير بين الأميركيين حيال فرض إجراءات صارمة، من أجل خفض عدد «ضحايا البنادق والمسدسات»، ففي حين يرى الليبراليون أن هذه الإجراءات من شأنها أن تنقذ الأرواح، يعتقد المحافظون أن القوانين المشددة لن تغير من سلوك المجرمين العنيفين. وحتى فاجعة مدرسة «ساندي هوك» في 2012، التي راح ضحيتها 20 طفلاً، جميعهم في الصف الأول الابتدائي، لم تقنع المشرعين الأميركيين بتشديد قوانين حمل السلاح. وقضت المحكمة الفدرالية حينها، بأن حرمان المدنيين من ممارسة حقهم في حمل السلاح يعتبر تصرفاً «غير دستوري».

في المقابل، وبعد حوادث إطلاق نار مماثلة، اتخذت بلدان متقدمة أخرى خطوات أكثر جرأة لتنظيم حيازة الاسلحة النارية. وقد نجحت أربع دول في تغيير الواقع اليومي لمواطنيها، إلا أن القوانين الصارمة لا تكفي وحدها لمنع العنف، فوعي الجهات التنفيذية والثقافة الإيجابية للمجتمع، يلعبان دوراً أساسياً في هذا السياق.

غضب بريطاني

حق امتلاك الأسلحة

تعتبر الولايات المتحدة الدولة الصناعية الوحيدة التي تسمح لمواطنيها بحمل السلاح في الشوارع، لأن حق امتلاك الأسلحة مكفول بموجب الدستور الأميركي. وطالب مشرعون مستقلون بضرورة تسجيل حامل السلاح لبياناته كاملة، بما في ذلك البصمات، وجميع المعلومات المتعلقة به. كما دعا نواب في الكونغرس الى إعطاء السلطات وقتاً كافياً للتأكد من خلفية المشتري، كما اقترحوا تنفيذ عقوبات رادعة في حق المتورطين في جرائم السلاح. كما يؤكد خبراء أميركيون أهمية تدريب حاملي السلاح، حول كيفية الاستخدام، وتوعيتهم بمخاطر سوء الاستعمال.

تعتقد مديرة «المركز القانوني ضد أعمال العنف الناري»، روبين توماس، أن الحكومة الفدرالية لا تفعل إلا القليل أو لا شيء» في هذا المجال. وكان «قانون برادلي»، الذي أقر في 1993، قد نص على التدقيق في السوابق الإجرامية والعقلية قبل بيع أي سلاح، لكن 40% من مبيعات الأسلحة لا يشملها القانون، لأنها تجرى بين أفراد على مواقع إلكترونية متخصصة.

منذ أن أفرغ توماس هاميلتون مخزن بندقيته في مدرسة دنبلاين، قبل 20 عاماً، وأودى بحياة العديد من الأطفال، أصبحت مسألة تشديد الرقابة على السلاح الشخصي على طاولة الحكومة البريطانية. لم تتعرض المملكة المتحدة لحادث من هذا النوع في السابق، فقد كانت مجزرة «دنبلاين»، التي راح ضحيتها 16 طفلاً تراوح أعمارهم بين الخامسة والسادسة، نقطة تحول تاريخية. لقد عم الغضب أرجاء بريطانيا كافة؛ من أقصى نقطة في شمال اسكتلندا إلى كورنويل جنوباً. الأمر مختلف عن الولايات المتحدة، حيث شهدت الأخيرة في السنة ذاتها (1996)، العديد من الهجمات المسلحة في أماكن مختلفة، مثل ناشفيل وسان دييغو وكارولينا الجنوبية.

لقد تحول الحزن العميق إلى غضب شعبي، تمخض عنه نقاش عام تناول التهديدات الناجمة عن عمل السلاح. وأثيرت التساؤلات حينها حول السماح لأشخاص مثل هاملتون بحيازة سلاح فتاك، رغم أنه معروف لدى الشرطة بسلوكه المشبوه إزاء الأطفال. وتمكنت عائلات ضحايا الهجوم من جمع 750 ألف توقيع، كانت بمثابة هبة تاريخية للرأي العام البريطاني في ما يخص هذه المسألة.

وقبل حادثة «دنبلاين»، قتل مايكل رايان 16 شخصاً في مدينة بيركشاير، وأنهى المأساة بطلقة في رأسه. كان يحمل مسدساً وبندقيتين آليتين مرخصتين، الأمر الذي شكل صدمة كبيرة للمجتمع البريطاني حينها. وبعد الحادث، صدرت تشريعات بمنع امتلاك الأسلحة الآلية، وشمل الحظر أيضاً البنادق الهجومية، في حين بات تسجيل بنادق الصيد إجبارياً.

يقول الخبير في جرائم السلاح، دايف تومسون، إن التشريعات تزامنت مع ثقافة اقتناء السلاح، ووجد مئات الآلاف من البريطانيين أنفسهم مجبرين على تسليم أسلحتهم، التي كانوا يستخدمونها للتسلية. وتقول الإحصاءات إن 200 ألف بريطاني سلموا سلاحهم في غضون أسابيع قليلة، فيما يواجه المخالفون لقانون حيازة السلاح غرامة كبيرة والسجن لمدة 10 سنوات.

سياسة «لا تسامح»

في اليابان، تبنت السلطات سياسة «لا تسامح» مع المخالفين للقوانين. وبحلول 2011، لم يتعد عدد تراخيص حيازة السلاح 271 ألفاً في بلد يتخطى عدد سكانه 127 مليون نسمة. ووفقاً لوكالة الأمن الوطني، فقد قتل ستة أشخاص في عام 2014 فقط بسلاح ناري. ويذكر أن اليابان أعادت النظر في المسألة، بعد ارتفاع ضحايا السلاح إلى 22 شخصاً في 2007.

وصف الخبير القانوني، ديفيد كوبل، اليابان بالبلد «الأكثر صرامة في ما يخص حيازة السلاح في العالم الديمقراطي». وينص القانون الياباني على أن «لا أحد يجوز له حيازة سلاح ناري أو سيف»، ويستثنى من ذلك بنادق الصيد والأسلحة المشابهة. ويرى مراقبون أن تشديد الرقابة على السلاح، هو السر وراء تدني مستوى الجريمة في اليابان.

وقبل أن يتمكن المتقدم بطلب الترخيص من الحصول على بندقية الصيد أو الرماية، يجب عليه حضور برنامج دراسي واجتياز امتحانات نظرية وعملية. وبعد ذلك يجب ان يخضع لتقييم نفسي، لتحديد لياقته لامتلاك سلاح ناري، وتشمل تحريات الشرطة حتى أقارب المتقدم بالطلب. والهدف من هذه الإجراءات، وفق كوبل، هو جعل امتلاك بنادق الصيد مسألة معقدة، بحيث تجعل القليل من اليابانيين يتقدمون بالطلب لحيازتها، موضحاً أن القوانين المنظمة للسلاح لا تمنع بالضرورة سعي العصابات، مثل «ياكوزا» لامتلاك السلاح، «حتى الخارجون عن القانون في اليابان يعتقدون أن حيازة السلاح، يعد خروجاً على التقاليد المحلية».

ساعة الحقيقة

قبل 20 عاماً، عرفت أستراليا ساعة الحقيقة، عندما شهد محل لبيع الهدايا في «بورت آرثر»، إطلاق نار كثيفاً استمر نصف ساعة، أودى بحياة 35 شخصاً. لقد كان أسوأ استهداف جماعي من قبل مسلح في تاريخ البلاد. تلقى القاتل مارتن براينت أحكاماً عدة بالسجن المؤبد. وبعد أقل من أسبوعين، أعلن رئيس الوزراء حينها، جون هاورد، عن حزمة تعديلات لقوانين حمل السلاح، في بلد طالما اعتبر السلاح جزءاً من الحياة اليومية، لمجتمع يعيش في البرية. وقال نائب رئيس الوزراء حينها، تيم فيشر: «لقد دفعتنا حادثة بورت آرثر للتحرك»، مضيفاً «الولايات المتحدة غير مستعدة لتتخذ موقفاً حازماً إزاء المآسي التي تحدث فيها».

طلب هاورد من الولايات الأسترالية فرض قيود صارمة على حمل السلاح، ومن الراغبين في اقتنائه بتقديم «أسباب واقعية» لحيازته؛ كأن يكون الشخص فلاحاً أو محترفاً لرياضة الرمي، وغيرها من الهوايات التي تستدعي امتلاك أسلحة نارية. وتشير دراسات إلى أن معدلات الانتحار في أستراليا تراجعت بنسبة 74% في السنوات العشر التي تلت التعديلات القانونية. ومع ذلك، تراجعت بعض الولايات في تطبيق بعض المواد الخاصة بالفترة التي يتعين خلالها انتظار الموافقة على طلب الرخصة.

الأكثر مشاركة